قيس في خلقته
ان للاشكال والهيئات دخلا في مواقع الابهة والاكبار، فانها هي التي تملا العيون بادئ بدء، وهي اول مايقع عليه النظر منالانسان قبل كل ما انحنت عليه اضالعه، من جاش رابط، وبطولة وبسالة، ودهاء وحزم، ولذلك قيل: ان للهيئة قسطا منالثمن، وهذا في الملوك والامراء، وذوي الشؤون الكبيرة آكد، فان الرعية تتفرس في العظيم في جثته عظما في معنوياته،وتترسم منه كبر نفسياته ، وشدة امره، ونفوذ عزائمه، وترضخ له قبل الضئيل، الذي يحسب انه لا حول له ولا طول، وانهيضعف دون ادارة الشؤون طوقه واوقه ((2-498))، ولذلك ان اللّه سبحانه لما عرف طالوت لبني اسرائيل ملكا عرفه بانه اوتيبسطة في العلم والجسم، فبعلمه يدير شؤون الشعب الدينية والمدنية، ويكون ما اوتي من البسطة في الجسم، من مؤكداتالابهة والهيبة، التي هي كقوة تنفيذية. لمواد العلم وشؤونه.
ان سيد الانصار قيسا، لما لم يدع اللّه سبحانه شيئا من صفات الفضيلة ظاهرة وباطنة الا وجمعه فيه، من علم وعمل،وهدى وورع، وحزم، وسداد، وعقل، وراي ودهاء، وذكاء، وامارة، وحكومة، ورئاسة، وسياسة، وبسالة، وشهامة،وسخاء، وكرم، وعدل، وصلاح، لم يشا ان يخليه عن هذه الخاصة المربية بمقام العظماء.
فقال شيخنا الديلمي في ارشاده ((2-499))(2/325): انه كان رجلا طوله ثمانية عشر شبرا في عرض خمسة اشبار، وكاناشدالناس في زمانه بعد امير المؤمنين. وقال ابو الفرج ((2-500)): كان قيس رجلا طوالا، يركب الفرس المشرف ورجلاه تخطان في الارض. ومر (ص77) عنالمنذر بن الجارود انه رآه في الزاوية على فرس اشقر، تخط رجلاه في الارض. وقال ابو عمرو الكشي في رجاله ((2-501))(ص73): كان قيس من العشرة الذين لحقهم النبي(ص) من العصر الاول، ممن كانطولهم عشرة اشبار باشبار انفسهم، وكان قيس وابوه سعد طولهما عشرة اشبار باشبارهم. وعن كتاب الغارات ((2-502))لابراهيم الثقفي انه قال: كان قيس طوالا، اطول الناس وامدهم قامة، وكان سناطا ((2-503))، اصلع شيخا، شجاعا، مجربا،مناصحا لعلي ولولده، ولم يزل على ذلك الى ان مات.
عد الثعالبي في ثمار القلوب ((2-504))(ص480) من الامثال الدائرة، والمضافات المعروفة، والمنسوب السائر: سراويل قيس.وقال: انه يضرب مثلا لثوب الرجل الضخم الطويل. وكان قيصر بعث الى معاوية بعلج من علوج الروم، طويل جسيم، معجبا بكمال خلقته، و امتداد قامته، فعلم معاوية انهليس لمطاولته ومقاومته الا قيس بن سعد بن عبادة، فانه كان اجسم الناس واطولهم. فقال له يوما وعنده العلج: اذااتيتر حلك فابعث الي بسراويلك. فعلم قيس مراده، فنزعها ورمى بها الى العلج والناس ينظرون، فلبسها العلج فطالتالى صدره، فعجب الناس، واطرق الرومي مغلوبا، وليم قيس على مافعل بحضرة معاوية، فانشد يقول:
اردت لكيما يعلم الناس انها / سراويل قيس والوفود شهود
وان لا يقولوا غاب قيس وهذه / سراويل عاد قد نمته ثمود
واني من القوم اليمانين سيد / وما الناس الا سيد ومسود
وبز جميع الناس اصلي ومنصبي / وجسم به اعلو الرجال مديد
ورواها ابن كثير في البداية والنهاية ((2-505))(8/103) بتغيير فيها، ثم قال: وفي رواية: ان ملك الروم بعث الى معاوية برجلينمن جيشه، يزعم ان احدهما اقوى الروم والاخر اطول الروم، فانظر هل في قومك من يفوقهما في قوة هذا وطول هذا؟ فانكان في قومك من يفوقهما، بعثت اليك من الاسارى كذا وكذا، ومن التحف كذا وكذا، وان لم يكن في جيشك من هو اقوىواطول منهما، فهادني ثلاث سنين. فلما حضروا عند معاوية قال: من لهذا القوي؟ فقالوا: ما له الا احد رجلين: اما محمد بن الحنفية او عبداللّه بن الزبير،فجيء بمحمد بن الحنفية وهو ابن علي بن ابي طالب فلما اجتمع الناس عند معاوية، قال له معاوية: اتعلم فيمارسلتاليك؟ قال: لا. فذكر له امر الرومي، وشدة باسه. فقال للرومي: اما ان تجلس لي او اجلس لك، وتناولني يدك او ا ناولك يدي، فاينا قدر على ان يقيم الاخر من مكانهغلبه، والا فقد غلب. فقال له: ماذا تريد، تجلس او اجلس؟ فقال له الرومي: بل اجلس انت. فجلس محمد بن الحنفية واعطى الرومي يده، فاجتهد الرومي بكل ما يقدر عليه من القوة ان يزيله من مكانه، او يحركهليقيمه، فلم يقدر على ذلك ولا وجد اليه سبيلا، فغلب الرومي عند ذلك، وظهر لمن معه من الوفود من بلاد الروم انه قدغلب. ثم قام محمد بن الحنفية، فقال للرومي: اجلس لي. فجلس واعطى محمدا يده، فما امهله ان اقامه سريعا، ورفعه في الهواءثمالقاه على الارض، فسر بذلك معاوية سرورا عظيما، ونهض قيس بن سعد فتنح ى عن الناس، ثم خلع سراويلهواعطاها لذلك الرومي الطويل، فبلغت الى ثدييه واطرافها تخط بالارض، فاعترف الرومي بالغلب، وبعث ملكهم ما كان التزمه لمعاوية.
يستفيد القارئ من امثال هذه الموارد من التاريخ، ان اهل البيت(ع) وشيعتهم، كانوا هم المرجع لحل المشكلات منكلالوجوه، كما ان مولاهم امير المؤمنين(ع) كان هو المرجع الفذ فيها لدى الصدر الاول.