فروسيته

  الغدير
فروسيته

ان الباحث لا يقف على اي معجم يذكر فيه قيس، الا ويجد في طيه جمل الثناء متواصلة على حماسته وشجاعته، ويقرا له‏دروسا وافية حول فروسيته، وباسه في الحروب، وشدته في المواقف الهائلة، فما عساني ان اكتب عن فارس سجل له‏التاريخ انه كان سياف النبي الاعظم، واشد الناس في زمانه بعد امير المؤمنين؟ ((2-377)) وما عساني ان اقول في باسل كان اثقل خلق اللّه على معاوية، جبن اصحابه الشجاع والجبان، وكان اشد عليه من جيش‏عرام، وكتائب تحشد مائة الف مقاتل؟ وكان يوم صفين يقول: واللّه ان قيسا يريد ان يفنينا غدا ان لم يحبسه عنا حابس‏ القيل ((2-378)).

تعرب عن هذه الناحية مواقفه في العهدين: النبوي والعلوي. اما مواقفه على العهد النبوي فتجد نباها العظيم في صحائف بدر، وفتح‏«مكة‏»، وحنين، واحد، وخيبر، والنضير،والاحزاب، وهو يعد مواقفه هذه كلها في شعره، ويقول:

اننا اننا الذين اذا الفتح / ‏شهدنا وخيبرا وحنينا

بعد بدر وتلك قاصمة الظهر / واحد وبالنضير ثنينا

وقال سيدنا صاحب الدرجات الرفيعة ((2-379)): انه شهد مع النبي المشاهد كلها، وكان حامل راية الانصار مع رسول اللّه،اخذ النبي(ص) يوم الفتح الراية من ابيه سعد ودفعها اليه. وقال الخطيب في تاريخه(1/177): انه حمل لواء رسول اللّه في‏بعض مغازيه. وفي تاريخي الطبري ((2-380)) وابن الاثير ((2-381))(3/106): انه كان صاحب راية الانصار مع رسول اللّه(ص)وكان من ذوي الراي والباس. وفي الاستيعاب ((2-382)): انه كان حامل راية النبي في فتح مكة اذ نزعها من ابيه، وارسل‏عليا(رض) ان ينزع اللواء منه ويدفعه لابنه قيس، ففعل.

واما مواقفه على العهد العلوي: فكان يحض امير المؤمنين على قتال معاوية، ويحثه على محاربة مناوئيه ويقول: يا اميرالمؤمنين ما على الارض احد احب الينا ان يقيم فينا منك، لانك نجمنا الذي نهتدي به، ومفزعنا الذي نصير اليه، وان‏فقدناك لتظلمن ارضنا وسماونا، ولكن واللّه لو خليت معاوية للمكر ليرومن مصر، وليفسدن اليمن، وليطمعن في العراق،ومعه قوم يمانيون قد اشربوا قتل عثمان، وقد اكتفوا بالظن عن العلم، وبالشك عن اليقين، وبالهوى عن الخير، فسر باهل‏الحجاز واهل العراق ثم ارمه بامر يضيق فيه خناقه، ويقصر له من نفسه. فقال: ((احسنت واللّه يا قيس واجملت)) ((2-383)).

فارسله علي(ع) مع ولده الحسن الزكي وعمار بن ياسر الى الكوفة، ودعوة اهلها الى نصرته، فخطب الحسن(ع) هناك‏وعمار، وبعدهما قام قيس، فحمد اللّه واثنى عليه، ثم قال: ايها الناس ان هذا الامر لو استقبلنا به الشورى، لكان‏علي‏احق‏الناس به، في سابقته، وهجرته، وعلمه، وكان قتل من ابى ذلك حلالا، وكيف، والحج ة قامت على طلحة والزبير،وقد بايعاه وخلعاه حسدا؟ فقام خطباوهم، واسرعوا الى الرد بالاجابة، فقال النجاشي ((2-384)):

رضينا بقسم اللّه اذ كان قسمنا / عليا وابناء النبي محمد

وقلنا له اهلا وسهلا ومرحبا / نقبل يديه من هوى وتودد

فمرنا بماترضى نجبك الى الرضا / بصم العوالي والصفيح المهند ((2-385))

وتسويد من سودت غير مدافع / ‏وان كان من سودت غير مسود

فان نلت ما تهوى فذاك نريده / ‏وان تخط ما تهوى فغيرتعمد

وقال قيس بن سعد حين اجاب اهل الكوفة:

جزى اللّه اهل الكوفة اليوم نصرة / اجابوا ولم يابوا بخذلان من خذل‏

وقالوا علي خير حاف وناعل / ‏رضينا به من ناقضي‏ العهد من بدل‏

هما ابرزا زوج النبي تعمدا / يسوق‏ بها الحادي‏ المنيخ على جمل

‏فما هكذا كانت وصاة نبيكم / ‏وما هكذا الانصاف‏ اعظم بذا المثل

فهل بعد هذا من مقال لقائل / الا قبح اللّه الاماني والعلل

هذا لفظ شيخ الطائفة في امالي ولده ((2-386))(ص‏87 و94)، ورواه شيخنا المفيد في النصرة لسيد العترة ((2-387))، ونسب‏الابيات الدالية الى قيس بن سعد بتغيير وزيادة، وهذا لفظه: فلما قدم الحسن(ع) وعمار وقيس الكوفة، مستنفرين لاهلها الى ان قال : ثم قام قيس بن سعد(ره) فقال: ايها الناس‏ان‏هذا الامر لو استقبلنا فيه شورى لكان امير المؤمنين احق الناس به، لمكانه من رسول اللّه، وكان قتال من ابى ذلك‏حلالا، فكيف في الحجة على طلحة والزبير؟ وقد بايعاه طوعا ثم خلعاه حسدا وبغيا، وقد جاءكم علي في المهاجرين ‏والانصار، ثم انشا يقول:

رضينا بقسم اللّه اذ كان قسمنا / عليا وابناء النبي محمد

وقلنا لهم اهلا وسهلا ومرحبا / نمد يدينا من هوى وتودد

فما للزبير الناقض العهد حرمة / ولا لاخيه طلحة اليوم من يد

اتاكم سليل المصطفى ووصيه / وانتم بحمد اللّه عار من الهد ((2-388))

فمن قائم يرجى بخيل الى الوغى / وصم العوالي والصفيح المهند

يسود من ادناه غير مدافع / وان كان ما نقضيه غير مسود

فان يات ما نهوى فذاك نريده / وان يخط ما نهوى فغير تعمد

وكان يسير في تلك المواقف بكل عظمة وجلال بهيئة فخمة، ترهب القلوب، وترعب الفوارس، وترعد الفرائص. قال المنذر بن الجارود يصف مواكب المجاهدين مع امير المؤمنين وقد رآهم في الزاوية ((2-389)): ثم مر بنا فارس على فرس‏اشقر، عليه ثياب بيض، وقلنسوة بيضاء، وعمامة صفراء، متنكب قوسا، متقلد سيفا، تخط رجلاه في الارض، في الف من‏الناس، الغالب على تيجانهم الصفرة والبياض، معه راية صفراء، قلت: من هذا؟ قيل: هذا قيس بن سعد بن عبادة في‏الانصار وابنائهم، وغيرهم من قحطان. مروج الذهب ((2-390)) (2/8).

ولما اراد امير المؤمنين المسير الى اهل الشام، دعا اليه من كان معه من المهاجرين والانصار، فحمد اللّه واثنى عليه، وقال: ((اما بعد: فانكم ميامين الراي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، مباركو الفعل والامر، وقد اردنا المسير الى عدونا وعدوكم،فاشيروا علينا برايكم)).

فقام قيس بن سعد فحمد اللّه واثنى عليه، ثم قال: يا امير المؤمنين انكمش ((2-391))بنا الى عدونا، ولا تعرج ((2-392))، فواللّهلجهادهم احب الي من جهاد الترك والروم لادهانهم في دين اللّه، واستذلالهم اولياء اللّه من اصحاب محمد(ص) من‏المهاجرين والانصار، والتابعين بالاحسان، اذا غضبوا على رجل حبسوه، او ضربوه، او حرموه، او سيروه، وفيؤنا لهم في‏انفسهم حلال، ونحن لهم فيما يزعمون قطين. قال: يعني رقيق. كتاب صفين ((2-393))(ص‏50).

قال صعصعة بن صوحان: لما عقد علي بن ابي طالب الالوية لاجل حرب صفين، اخرج لواء رسول اللّه(ص) ولم ير ذلك‏اللواء منذ قبض رسول اللّه، فعقده علي، ودعا قيس بن سعد بن عبادة فدفعه اليه، واجتمعت الانصار واهل بدر، فلمانظروا الى لواء رسول اللّه(ص) بكوا، فانشا قيس بن سعد يقول:

هذا اللواء الذي كنا نحف به / مع النبي وجبريل لنا مدد

ما ضر من كانت الانصار عيبته / ان لا يكون له من غيرهم احد

قوم اذا حاربوا طالت اكفهم / بالمشرفية حتى يفتح البلد

ابن عساكر في تاريخه ((2-394))(3/245)، وابن عبدالبر في الاستيعاب ((2-395)) (2/539)، وابن الاثير في اسد الغابة ((2-396))(4/216)، والخوارزمي في المناقب ((2-397)) (ص‏122) ((2-398)).

ولما تعاظمت الامور على معاوية دعا عمرو بن العاص، وبسر بن ارطاة، وعبيداللّه بن عمر بن الخطاب، وعبدالرحمن بن‏خالد بن الوليد، فقال لهم: انه قد غمني رجال من اصحاب علي منهم: سعيد بن قيس في همدان، والاشتر في قومه،والمرقال هاشم بن عتبة ، وعدي بن حاتم، وقيس بن سعد في الانصار، وقد وقتكم يمانيتكم بانفسها، حتى لقداستحييت لكم وانتم عددتم من قريش، وقد اردت ان يعلم الناس انكم اهل غنى، وقد عبات لكل رجل منهم ‏رجلامنكم، فاجعلوا ذلك الي. فقالوا: ذلك اليك: قال: فانا اكفيكم سعيد بن قيس وقومه غدا. وانت يا عمرو لاعور بني‏زهرة المرقال ، وانت يا بسر لقيس بن سعد، وانت يا عبيداللّه للاشتر النخعي، وانت يا عبدالرحمن بن خالد لاعورط‏ي يعني عدي بن حاتم . ثم ليرد كل رجل منكم عن حماة الخيل، فجعلها نوائب في خمسة ايام، لكل رجل منهم‏ يوما.

وان بسر بن ارطاة غدا في اليوم الثالث في حماة الخيل، فلقي قيس بن سعد في كماة الانصار، فاشتدت الحرب بينهما، وبرزقيس كانه فنيق ((2-399)) مقرم ((2-400)) وهو يقول:

انا ابن سعد زانه عباده / والخزرجيون رجال ساده

ليس فراري بالوغى بعاده / ان الفرار للفتى قلاده

يا رب انت لقني الشهادة ((2-401)) / والقتل خير من عناق غاده

حتى متى تثنى لي الوساده

فطعن خيل بسر، وبرز له بعد ملي وهو يقول:

انا ابن ارطاة عظيم القدر / مراود في غالب بن فهر

ليس الفرار من طباع بسر / ان يرجع اليوم بغير وتر

وقد قضيت في عدوي نذري / يا ليت شعري ما بقي ‏من ‏عمري

وجعل يطعن بسر قيسا، فيضربه قيس بالسيف فيرده على عقبيه، ورجع القوم جميعا ولقيس الفضل. كتاب صفين ((2-402))(ص‏226).

وروى نصر في كتابه ((2-403))(ص‏227 240): ان معاوية دعا النعمان بن بشير بن سعد الانصاري، ومسلمة بن مخلدالانصاري ولم يكن معه من الانصار غيرهما، فقال: يا هذان لقد غمني ما لقيت من الاوس والخزرج، صاروا واضعي‏سيوفهم على عواتقهم يدعون الى النزال، حتى واللّه جبنوا اصحابي: الشجاع والجبان، وحتى واللّه ما اسال عن فارس من‏اهل الشام الا قالوا: قتلته الانصار، اما واللّه لالقينهم بحدي وحديدي، ولاعبئن لكل فارس منهم فارسا ينشب ((2-404)) في‏حلقه، ثم لا رمينهم باعدادهم من قريش رجالا لم يغذهم التمر والطفيشل ((2-405)). يقولون: نحن الانصار، قد واللّه آوواونصروا ولكن افسدوا حقهم بباطلهم!

فغضب النعمان، فقال: يا معاوية لا تلومن الانصار بسرعتهم في الحرب، فانهم كذلك كانوا في الجاهلية، فاما دعاوهم الى‏النزال فقد رايتهم مع رسول اللّه(ص)، واما لقاوك اياهم في اعدادهم من قريش، فقد علمت ما لقيت قريش منهم، فان‏احببت ان ترى فيهم مثل ذلك آنفا، فافعل، واما التمر والطفيشل: فان التمر كان لنا فلما ان ذقتموه شاركتمونا فيه، واماالطفيشل: فكان لليهود فلما اكلناه غلبناهم عليه كما غلبت قريش على سخينة ((2-406)) ثم تكلم مسلمة بن مخلد الى ان‏ قال:

وانتهى الكلام الى الانصار، فجمع قيس بن سعد الانصاري الانصار، ثم قام خطيبا فيهم فقال: ان معاوية قد قال ما بلغكم‏واجاب عنكم صاحبكم، فلعمري لئن غظتم معاوية اليوم لقد غظتموه بالامس، وان وترتموه في الاسلام لقد وترتموه في‏الشرك، وما لكم اليه من ذنب اعظم من نصر هذا الدين الذي انتم عليه، فجدوا اليوم جدا تنسونه به ما كان امس،وجدوا غدا جدا تنسونه به ما كان اليوم، وانتم مع هذا اللواء الذي كان يقاتل عن يمينه جبرئيل وعن يساره ميكائيل،والقوم مع لواء ابي جهل والاحزاب، واما التمر فانا لم نغرسه ولكن غلبنا عليه من غرسه، واما الطفيشل فلو كان طعامنالسمينا به كما سميت قريش: السخينة. ثم قال قيس بن سعد في ذلك:

يا ابن هند دع التوثب في الحرب / اذا نحن في البلاد ناينا ((2-407))

نحن من قد رايت فادن اذا / شئت بمن شئت في العجاج الينا

ان برزنا بالجمع نلقك في الجمع / وان شئت محضة اسرينا

فالقنا في اللفيف نلقك في الخزرج / تدعو في حربنا ابوينا

اي هذين ما اردت فخذه / ليس منا وليس منك الهوينا

ثم لا ينزع العجاجة حتى / تنجلي حربنا لنا او علينا

ليت ما تطلب الغداة اتانا / انعم اللّه بالشهادة عينا

اننا اننا الذين اذا الفتح / شهدنا وخيبرا وحنينا

بعد بدر وتلك قاصمة الظهر / واحد وبالنضير ثنينا

يوم الاحزاب فيه قد علم الناس / شفينا من قبلكم واشتفينا

فلما بلغ معاوية شعره، دعا عمرو بن العاص، فقال: ما ترى في شتم الانصار؟ قال: ارى ان توعد ولا تشتم، ما عسى ان‏تقول لهم؟ اذا اردت ذمهم، ذم ابدانهم ولاتذم احسابهم. قال معاوية: ان خطيب الانصار قيس بن سعد يقوم كل يوم خطيبا وهو واللّه يريد ان يفنينا غدا ان لم يحبسه عنا حابس الفيل، فما الراي؟ قال: الراي التوكل والصبر.

فارسل معاوية الى رجال من الانصار فعاتبهم، منهم: عقبة بن عمرو، وابو مسعود، والبراء بن عازب، وعبدالرحمن بن ابي‏ليلى، وخزيمة بن ثابت، وزيد بن ارقم، وعمرو بن عمرو، والحجاج بن غزية. وكانوا هؤلاء يلقون في تلك الحرب، فبعث‏معاوية بقوله: لتاتوا قيس بن سعد. فمشوا باجمعهم الى قيس، فقالوا: ان معاوية لا يريد شتمنا فكف عن شتمه. فقال:ان‏مثلي لا يشتم، ولكني لا اكف عن حربه حتى القى اللّه. وتحركت الخيل غدوة، فظن قيس بن سعد ان فيها معاوية، فحمل على رجل يشبهه فقنعه بالسيف، فاذا غير معاوية،وحمل الثانية على آخر يشبهه ايضا فضربه، ثم انصرف وهو يقول:

قولوا لهذا الشاتمي معاويه / ان كل ما اوعدت ريح هاويه

خوفتنا اكلب قوم عاويه / الي يا ابن الخاطئين الماضيه

ترقل ارقال العجوزالخاويه ((2-408)) / في اثر الساري ‏ليال ‏الشاتيه

فقال معاوية: يا اهل الشام، اذا لقيتم هذا الرجل فاخبروه بمساويه. (فلما تحاجز الفريقان شتمه معاوية شتما قبيحا وشتم الانصار) ((2-409))، فغضب النعمان ومسلمة على معاوية، فارضاهمابعدما هما ان ينصرفا الى قومهما.

ثم ان معاوية سال النعمان ان يخرج الى قيس فيعاتبه ويساله السلم، فخرج النعمان حتى وقف بين الصفين فقال: يا قيس‏انا النعمان بن بشير. فقال قيس: هيه يا ابن بشير، فما حاجتك؟ فقال النعمان: يا قيس انه قد انصفكم من دعاكم الى ما رضي لنفسه، الستم معشر الانصار تعلمون انكم اخطاتم في خذل‏عثمان يوم الدار؟ وقتلتم انصاره يوم الجمل؟ واقحمتم خيولكم على اهل الشام بصفين؟ فلو كنتم اذ خذلتم عثمان خذلتم‏عليا لكان واحدة بواحدة، ولكنكم خذلتم حقا ونصرتم باطلا، ثم لم ترضوا ان تكونوا كالناس حتى اعلمتم في الحرب،ودعوتم الى البراز، ثم لم ينزل بعلي امر ((2-410)) قط الا هونتم عليه المصيبة، ووعدتموه الظفر، وقد اخذت الحرب منا ومنكم‏ما قد رايتم، فاتقوا اللّه في البقية.

فضحك قيس ثم قال: ما كنت اراك يا نعمان تجترئ على هذه المقالة، انه لا ينصح اخاه من غش نفسه، وانت واللّهالغاش‏الضال المضل. اما ذكرك عثمان، فان كانت الاخبار تكفيك فخذ مني واحدة، قتل عثمان من لست خيرا منه، وخذله من هو خير منك. امااصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث. واما معاوية فواللّه لو اجتمعت عليه العرب لقاتلته الانصار. واما قولك: انا لسنا كالناس، فنحن في هذه الحرب كما كنا مع رسول اللّه، نتقي السيوف بوجوهنا والرماح بنحورنا، حتى‏جاء الحق وظهر امر اللّه وهم كارهون، ولكن انظر يا نعمان هل ترى مع معاوية الا طليقا او اعرابيا او يمانيامستدرجابغرور؟ انظر اين المهاجرون والانصار والتابعون لهم باحسان الذين رضي اللّه عنهم؟ ثم انظر هل ترى مع‏معاوية غيرك وصويحبك؟ ولستما واللّه ببدريين ولا احديين ولا لكما سابقة في الاسلام، ولا آية في القرآن؟ ((2-411)) ولعمري لئن شغبت علينا لقد شغب علينا ابوك. ثم قال قيس في ذلك:

والراقصات بكل اشعث اغبر / خوص العيون تحثها الركبان

ما ابن المخلد ناسيا اسيافنا / عمن نحاربه ولا النعمان

تركا العيان وفي العيان كفاية / لو كان ينفع صاحبيه عيان

ثم ان عليا(ع) دعا قيس بن سعد فاثنى عليه خيرا وسوده على الانصار ((2-412)). وخرج قيس في النهروان الى الخوارج، فقال لهم: عباد اللّه، اخرجوا الينا طلبتنا منكم، وادخلوا في هذا الامر الذي خرجتم‏منه، وعودوا بنا الى قتال عدونا وعدوكم، فانكم ركبتم عظيما من الامر، تشهدون علينا بالشرك، والشرك ظلم عظيم،تسفكون دماء المسلمين، وتعدونهم مشركين. فقال له عبداللّه بن شجرة السلمي: ان الحق قد اضاء لنا، فلسنا متابعيكم او تاتونا بمثل عمر. فقال قيس: ما نعلمه فينا غيرصاحبنا فهل تعلمونه فيكم؟. قالوا: لا. قال: نشدتكم اللّه في انفسكم ان تهلكوها، فاني لا ارى الفتنة الا وقد غلبت‏ عليكم ((2-413)).

اما موقفه بعد العهدين فكان مع الامام السبط المجتبى سلام اللّه عليه ، ولما وجه عسكره الى قتال اهل الشام دعا(ع)عبيداللّه بن العباس بن عبدالمطلب، فقال له: ((يا ابن عم اني باعث اليك اثني عشر الفا من فرسان العرب وقراء مضر، الرجل منهم يريد الكتيبة، فسر بهم، والن لهم‏جانبك، وابسط لهم وجهك، وافرش لهم جناحك، وادنهم في مجلسك، فانهم بقية ثقات امير المؤمنين، وسر بهم على‏شطالفرات حتى تقطع بهم الفرات حتى تسير بمسكن ((2-414))، ثم امض حتى تستقبل بهم معاوية، فان انت لقيته فاحبسه‏حتى آتيك، فان ي على اثرك وشيكا، وليكن خبرك عندي كل يوم، وشاور هذين يعني: قيس بن سعد وسعيد بن قيس‏ واذا لقيت معاوية فلاتقاتله حتى يقاتلك، فان فعل فقاتله، وان اصبت فقيس بن سعد، وان اصيب قيس بن سعد فسعيدبن قيس على الناس فسار عبيداللّه…)).

فاما معاوية فانه وافى حتى نزل قرية يقال لها: الحيوضة بمسكن واقبل عبيداللّه بن عباس حتى نزل بازائه، فلما كان من‏غد وجه معاوية بخيل الى عبيداللّه في من معه، فضربهم حتى ردهم الى معسكرهم، فلما كان الليل ارسل معاوية الى‏عبيداللّه بن عباس ان الحسن قد راسلني في الصلح، وهو مسلم الامر الي، فان دخلت في طاعتي الان كنت متبوعا، والا دخلت وانت تابع، ولك ان اجبتني الان ان اعطيك الف الف درهم، اعجل لك في هذا الوقت نصفها، واذا دخلت الكوفة‏النصف الاخر. فاقبل عبيداللّه اليه ليلا فدخل عسكر معاوية، فوفى له بما وعده، واصبح الناس ينتظرون عبيداللّه ان يخرج حتى اصبحوا،فطلبوه فلم يجدوه، فصلى بهم قيس ابن سعد بن عبادة، ثم خطبهم فثبتهم، وذكر عبيداللّه فنال منه، ثم امرهم بالصبروالنهوض الى العدو، فاجابوه بالطاعة وقالوا له: انهض بنا الى عدونا على اسم اللّه. فنزل فنهض بهم، وخرج اليه بسر بن ارطاة، فصاح الى اهل العراق: ويحكم هذا اميركم عندنا قد بايع، وامامكم الحسن‏قد صالح، فعلام تقتلون انفسكم؟! فقال لهم قيس بن سعد: اختاروا احدى اثنتين: اما القتال مع غير امام، واما ان تبايعوا بيعة ضلال. فقالوا: بل نقاتل بلاامام، فخرجوا فضربوا اهل الشام حتى ردوهم الى مصافهم، فكتب معاوية الى قيس بن سعد يدعوه ويمنيه، فكتب اليه‏قيس: لا واللّه لا تلقاني ابدا الا بيني وبينك الرمح. شرح بن ابي الحديد ((2-415)) (4/14).

قال اليعقوبي في تاريخه ((2-416)) (2/191): انه وجه الحسن(ع) بعبيداللّه بن العباس في اثني عشر الفا لقتال معاوية، ومعه‏قيس بن سعد بن عبادة الانصاري، وامر عبيداللّه ان يعمل بامر قيس ورايه، فسار الى ناحية الجزيرة، واقبل معاوية لماانتهى اليه الخبر بقتل علي، فسار الى الموصل بعد قتل علي بثمانية عشر يوما، والتقى العسكران، فوجه معاوية الى قيس بن‏سعد يبذل له الف الف درهم على ان يصير معه او ينصرف عنه، فارسل اليه بالمال وقال: تخدعني عن ديني؟

فيقال: انه ارسل الى عبيداللّه بن عباس وجعل له الف الف درهم، فصار اليه في ثمانية آلاف من اصحابه، واقام قيس على‏محاربته، وكان معاوية يدس الى عسكر الحسن من يتحدث ان قيس بن سعد قد صالح معاوية وصار معه، ووجه الى‏عسكر قيس من يتحدث ان الحسن قد صالح معاوية واجابه.

وفي الاستيعاب ((2-417)) (2/225) عن عروة قال: كان قيس مع الحسن بن علي على مقدمته، ومعه خمسة آلاف قد حلقوارووسهم بعدما مات علي وتبايعوا على الموت، فلما دخل الحسن في بيعة معاوية ابى قيس ان يدخل، وقال لاصحابه: ماشئتم، ان شئتم جالدت بكم حتى يموت الاعجل منا، وان شئتم اخذت لكم امانا؟ فقالوا: خذ لنا امانا! فاخذ لهم ان لهم‏كذا وكذا، وان لا يعاقبوا بشي‏ء، وانه رجل منهم، ولم ياخذ لنفسه خاصة شيئا. ثم ارتحل نحو المدينة ومضى باصحابه.