عيد الغدير في الاسلام
ومما شيئ من جهته لحديث الغدير الخلود والنشور، ولمفاده التحقق والثبوت، 2اتخاذه عيدا يحتفل به وبليلته بالعبادة والخشوع، وادرار وجوه البر، وصلة الضعفاء، والتوسع على النفس والعائلات، واتخاذ الزينة والملابس القشيبة، فمتىكان للملا الديني نزوع الى تلكم الاحوال، فبطبع الحال يكون له اندفاع الى تحري اسبابها، والتثبت في شؤونها،فيفحص عن رواتها، او ان الاتفاق المقارن لهاتيك الصفات يوقفه على من ينشدها ويرويها، وتتجدد له وللاجيال فيكل دور لفتة اليها في كل عام، فلا تزال الاسانيد متواصلة، والطرق محفوظة، والمتون مقروءة والانباء بها متكررة.
ان الذي يتجلى للباحث حول تلك الصفة امران:
الاول:
انه ليس صلة هذا العيد بالشيعة فحسب، وان كانت لهم به علاقة خاصة، وانما اشترك معهم في التعيد به غيرهممن فرق المسلمين فقد عده البيروني في الاثار الباقية عن القرون الخالية (ص334) مما استعمله اهل الاسلام منالاعياد، وفي مطالب السؤول ((1-1842)) لابن طلحة الشافعي (ص53): يوم غدير خم ذكره امير المؤمنين(ع) في شعره،وصار ذلك اليوم عيدا وموسما، لكونه كان وقتا خصهرسولاللّه(ص) بهذه المنزلة العلية، وشرفه بها دون الناس كلهم. وقال (ص56): وكل معنى امكن اثباته مما دل عليه لفظ المولى لرسول اللّه(ص) فقد جعله لعلي، وهي مرتبة سامية، ومنزلة سامقة،ودرجة علية، ومكانة رفيعة، خصصه بها دون غيره، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لاوليائه. انتهى. تفيدنا هذه الكلمة اشتراك المسلمين قاطبة في التعيد بذلك اليوم سواء رجع الضمير في اوليائه الى النبي او الوصيصلى اللّه عليهما والهما: اما على الاول: فواضح. واما على الثاني: فكل المسلمين يوالون امير المؤمنين عليا شرع سواء في ذلكمن يواليه بما هو خليفة الرسول بلافصل، ومن يراه رابع الخلفاء، فلن تجد في المسلمين من ينصب له العداء، الا شذاذا من الخوارج مرقوا عن الدين الحنيف.
وتقرئنا كتب التاريخ دروسا من هذا العيد، وتسالم الامة الاسلامية عليه في الشرق والغرب، واعتناء المصريينوالمغاربة والعراقيين بشانه في القرون المتقادمة وكونه عندهم يوما مشهودا للصلاة والدعاء والخطبة وانشاد الشعر علىما فصل في المعاجم.
ويظهر من غير مورد من الوفيات لابن خلكان ((1-1843)) التسالم على تسمية هذا اليوم عيدا، ففي ترجمة المستعلي بنالمستنصر (1/60): فبويع في يوم عيد غدير خم، وهو الثامن عشر من ذي الحجة سنة (487). وقال في ترجمة المستنصر باللّه العبيدي (2/223): وتوفي ليلة الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنةسبع وثمانين واربعمائة رحمه اللّه تعالى. قلت: وهذه الليلة هي ليلة عيد الغدير، اعني ليلة الثامن عشر من ذي الحجة، وهو غدير خم بضم الخاء وتشديد الميم ورايت جماعة كثيرة يسالون عن هذه الليلة متى كانت من ذي الحجة، وهذا المكان بين مكة والمدينة، وفيه غدير ماءويقال: انه غيضة هناك، ولما رجع النبي(ص) من مكة شرفها اللّه تعالى عام حجة الوداع، ووصل الى هذا المكان واخىعلي بن ابي طالب(رضى ا… عنه) قال: «علي مني كهارون من موسى، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر مننصره، واخذل من خذله». وللشيعة به تعلق كبير. وقال الحازمي: وهو واد بين مكة والمدينة عند الجحفة غدير عندهخطب النبي(ص) وهذا الوادي موصوف بكثرة الوخامة وشدة الحر. انتهى.
وهذا الذي يذكره ابن خلكان من كبر تعلق الشيعة بهذا اليوم هو الذي يعنيه المسعودي في التنبيه والاشراف((1-1844))(ص221) بعد ذكر حديث الغدير بقوله: وولد علي(رضى ا… عنه) وشيعته يعظمون هذا اليوم. ونحوه الثعالبي فيثمار القلوب ((1-1845)) بعد ان عد ليلة الغدير من الليالي المضافات المشهورة عند الامة بقوله (ص511): وهي الليلة التي خطب رسول اللّه(ص) في غدها بغدير خم على اقتاب الابل، فقال في خطبته: «من كنت مولاه فعليمولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه،وانصر من نصره، واخذل من خذله». فالشيعة يعظمون هذه الليلة، ويحيونهاقياما. انتهى.
وذلك لاعتقادهم وقوع النص على الخلافة بلا فصل فيه، وهم وان انفردوا عن غيرهم بهذه العقيدة لكنهم لم يبرحوامشاطرين الامة التي لم تزل ليلة الغدير عندهم من الليالي المضافة المشهورة، وليست شهرة هذه الاضافة الا لاعتقادخطر عظيم وفضيلة بارزة في صبيحتها، ذلك الذي جعله يوما مشهودا وعيدا مباركا.
ومن جراء هذا الاعتقاد في فضيلة يوم الغدير وليلته وقع التشبيه بهما في الحسن والبهجة، قال تميم بن المعز صاحبالديار المصرية المتوفى (374) من قصيدة له ذكرها الباخرزي في دمية القصر ((1-1846)) (ص38):
تروح علينا باحداقها / حسان حكتهن من نشر هنه
نواعم لا يستطعن النهوض / اذا قمن من ثقل اردافهنه
حسن كحسن ليالي الغدير / وجئن ببهجة ايامهنه
ومما يدل على ذلك: التهنئة لامير المؤمنين(ع) من الشيخين وامهات المؤمنينوغيرهم من الصحابة بامر من رسولاللّه(ص)، كما ستقف على ذلك مفصلا ان شاء اللّه، والتهنئة من خواص الاعياد والافراح.
الامر الثاني:
ان عهد هذا العيد يمتد الى امد قديم متواصل بالدور النبوي، فكانت البداة به يوم الغدير من حجة الوداعبعد ان اصحر نبي الاسلام(ص) بمرتكز خلافته الكبرى، وابان للملا الديني مستقر امرته من الوجهة الدينية والدنيوية،وحدد لهم مستوى امر دينه الشامخ، فكان يوما مشهودا يسر موقعه كل معتنق للاسلام، حيث وضح له فيه منتجعالشريعة،ومنبثق انوار احكامها، فلا تلويه من بعده الاهواء يمينا وشمالا، ولا يسف به الجهل الى هوة السفاسف، واييوم يكون اعظم منه؟ وقد لاح فيه لاحب السنن، وبان جدد الطريق، واكمل فيه الدين، وتمت فيه النعمة، ونوه بذلك القران الكريم.
وان كان حقا اتخاذ يوم تسنم فيه الملوك عرش السلطنة عيدا يحتفل به بالمسرة والتنوير، وعقد المجتمعات والقاءالخطب وسرد القريض وبسط الموائد، كما جرت به العادات بين الامم والاجيال، فيوم استقرت فيه الملوكية الاسلاميةوالولاية الدينيةالعظمى، لمن جاء النص به من الصادع بالدين الكريم الذي لا ينطق عن الهوى ان هو 2الا وحييوحى، اولى ان يتخذ عيدا يحتفل به بكل حفاوة وتبجيل، وبما انه من الاعياد الدينية يجب ان يزاد فيه على ذلك بمايقرب الى اللّه زلفى، من صوم وصلاة ودعاء وغيرها من وجوه البر، كما سنوقفك عليه في الملتقى ان شاء اللّه تعالى.
ولذلك كله امر رسول اللّه(ص) من حضر المشهد من امته، ومنهم الشيخان ومشيخة قريش ووجوه الانصار، كما امرامهات المؤمنين بالدخول على امير المؤمنين(ع) وتهنئته على تلك الحظوة الكبيرة باشغاله منصة الولاية ومرتبع الامروالنهي في دين اللّه.