عيد الغدير عند العترة الطاهرة عود الى البدء
ان هذه التهنئة المشفوعة بامر من مصدر النبوة، والمصافقة بالبيعة المذكورة معابتهاج النبي بها بقوله: «الحمد للّه الذيفضلنا على جميع العالمين»، على ما عرفته من نزول الاية الكريمة في هذا اليوم المشهود الناصة باكمال الدين، واتمامالنعمة، ورضا الرب بما وقع فيه. وقد عرف ذلك طارق بن شهاب الكتابي الذي حضر مجلس عمر بن الخطاب فقال: لو نزلت فينا هذه الاية ((1-1903)) لاتخذنا يوم نزولها عيدا ((1-1904)) ، ولم ينكرها عليه احد من الحضور، وصدر من عمر ما يشبه التقريرلكلامه. وذلك بعد نزول اية التبليغ، وفيها ما يشبه التهديد ان تاخر عن تبليغ ذلك النص الجلي، حذار بوادر الدهماء من الامة.
كل هذه لا محالة قد اكسب هذا اليوم منعة وبذخا ورفعة وشموخا، سر موقعها صاحب الرسالة الخاتمة وائمة الهدىومن اقتص اثرهم من المؤمنين، وهذا هو الذي نعنيه من التعييد به، وقد نوه به رسول اللّه فيما رواه فرات بن ابراهيمالكوفي في القرن الثالث، عن محمد بن ظهير، عن عبداللّه بن الفضل الهاشمي، عن الامام الصادق، عن ابيه، عن ابائه،قال: قال رسول اللّه (ص) : «يوم غدير خم افضل اعياد امتي، وهو اليوم الذي امرني اللّه تعالى ذكره بنصب اخي علي بن ابيطالب علما لامتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي اكمل اللّه فيه الدين، واتم على امتي فيه النعمة، ورضي لهمالاسلامدينا». كما يعرب عنه قوله(ص) في حديث اخرجه الحافظ الخركوشي، كما مر (ص274): «هنئوني هنئوني».
واقتفى اثر النبي الاعظم امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) نفسه فاتخذه عيدا، وخطب فيه سنة اتفق فيها الجمعةوالغدير، ومن خطبته قوله: «ان اللّه عز وجل جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين، ولا يقوم احدهما الا بصاحبه،ليكمل عندكم جميل صنعه، ويقفكم على طريق رشده، ويقفو بكم اثار المستضيئين بنور هدايته، ويسلككم منهاجقصده، ويوفر عليكم هنيء رفده، فجعل الجمعة مجمعا ندب اليه لتطهير ما كان قبله وغسل ما اوقعته مكاسب السوءمن مثله الى مثله، وذكرى للمؤمنين، وتبيان خشية المتقين، ووهب من ثواب الاعمال فيه اضعاف ما وهب لاهل طاعتهفي الايام قبله، وجعله لا يتم الا بالائتمار لما امر به، والانتهاء عما نهى عنه، والبخوع بطاعته فيما حث عليه وندب اليه،فلا يقبل توحيده الا بالاعتراف لنبيه(ص) بنبوته، ولا يقبل دينا الا بولاية من امر بولايته، ولا تنتظم اسباب طاعته الا بالتمسك بعصمه وعصم اهل ولايته، فانزل على نبيه(ص) في يوم الدوح ما بين به عن ارادته في خلصائه وذوياجتبائه، وامره بالبلاغ وترك الحفل باهل الزيغ والنفاق وضمن له عصمته منهم…» الى ان قال:
«عودوا رحمكم اللّه بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم، وبالبر باخوانكم، والشكر للّه عز وجل على مامنحكم، واجمعوا يجمع اللّه شملكم، وتباروا يصل اللّه الفتكم، وتهادوا نعمة اللّه كما مناكم بالثواب فيه على اضعافالاعياد قبله او بعده الا في مثله، والبر فيه يثمر المال ويزيد في العمر، والتعاطف فيه يقتضي رحمة اللّه وعطفه، وهيئوالاخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من وجودكم، وبما تناله القدرة من استطاعتكم، واظهروا البشر فيما بينكموالسرور في ملاقاتكم». الخطبة . ((1-1905))
وعرفه ائمة العترة الطاهرة صلوات اللّه عليهم فسموه عيدا، وامروا بذلكعامة المسلمين ونشروا فضل اليوم ومثوبةمن عمل البر فيه، ففي تفسير فرات بن ابراهيم الكوفي ((1-1906)) في سورة المائدة، عن جعفر بن محمد الازدي، عنمحمد بن الحسينالصائغ، عن الحسن بن علي الصيرفي، عن محمد البزاز، عن فرات بن احنف، عن ابي عبداللّه (ع) قال: قلت: جعلت فداك للمسلمين عيد افضل من الفطر والاضحى ويوم الجمعة ويوم عرفة؟ قال: فقال لي: «نعم،افضلها واعظمها واشرفها عند اللّه منزلة هو اليوم الذي اكمل اللّه فيه الدين وانزل على نبيه محمد (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا)». قال: قلت: واي يوم هو؟ قال: فقال لي: «ان انبياء بني اسرائيل كانوا اذا اراد احدهم ان يعقد الوصية والامامة من بعده، ففعل ذلك، جعلوا ذلك اليوم عيدا، وانه اليوم الذي نصب فيه رسول اللّه(ص) عليا للناس علما وانزل فيه ما انزل، وكمل فيه الدين، وتمت فيه النعمة على المؤمنين». قال: قلت: واي يوم هو في السنة؟ قال: فقال لي: «ان الايام تتقدم وتتاخر، وربما كان يوم السبت والاحد والاثنين الى اخر الايام السبعة ((1-1907)) . قال: قلت: فما ينبغي لنا ان نعمل في ذلك اليوم؟ قال: «هو يوم عبادة وصلاة وشكر للّه وحمد له وسرور لما من اللّه به عليكم من ولايتنا. فاني احب لكم ان تصوموه».
وفي الكافي لثقة الاسلام الكليني ((1-1908)) (1/203) عن علي بن ابراهيم، عن ابيه، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن ابي عبداللّه(ع) قال: قلت: جعلت فداك، للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال: «نعم يا حسن، اعظمهما واشرفهما». قلت: واي يوم هو؟ قال: «يوم نصب امير المؤمنين(ع) علما للناس». قلت: جعلت فداك وما ينبغي لنا ان نصنع فيه؟ قال: «تصوم يا حسن، وتكثر الصلاة على محمد واله، وتبرا الى اللّه ممن ظلمهم، فان الانبياء صلوات اللّه عليهم كانت تامر الاوصياء باليوم الذي كان يقام فيه الوصي ان يتخذ عيدا». قال: قلت: فما لمن صامه؟ قال: «صيام ستين شهرا ((1-1909))».
وفي الكافي ايضا ((1-1910)) (1/204) عن سهل بن زياد، عن عبدالرحمن بن سالم، عن ابيه، قال: سالت ابا عبداللّه(ع) هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والاضحى والفطر؟ قال: «نعم، اعظمها حرمة». قلت: واي عيد هو جعلت فداك؟ قال: «اليوم الذي نصب فيه 2رسولاللّه(ص) امير المؤمنين، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه». قلت: واي يوم هو؟ قال: «وما تصنع باليوم؟ ان السنة تدور، ولكنه يوم ثمانية عشر من ذي الحجة». فقلت: ما ينبغي لنا ان نفعل في ذلك اليوم؟ قال: «تذكرون اللّه عز ذكره فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمد وال محمد، فان رسول اللّه(ص) اوصى امير المؤمنين(ع) ان يتخذوا ذلك اليوم عيدا، وكذلك كانت الانبياء تفعل، كانوا يوصون اوصياءهم بذلك فيتخذونه عيدا».
وباسناده عن الحسين بن الحسن الحسيني، عن محمد بن موسى الهمداني، عن علي بن حسان الواسطي، عن علي بن الحسين العبدي، قال: سمعت ابا عبداللّه(ع) يقول:صيام يوم غدير خم يعدل عند اللّه في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات، وهو عيد اللّه الاكبر». الحديث.
وفي الخصال لشيخنا الصدوق ((1-1911)) باسناده عن المفضل بن عمر قال: قلت لابي عبداللّه(ع): كم للمسلمين من عيد؟ فقال: «اربعة اعياد». قال: قلت: قد عرفت العيدين والجمعة. فقال لي: «اعظمها واشرفها يوم الثامن عشر من ذي الحجة، وهو اليوم الذي اقام فيه رسول اللّه(ص) امير المؤمنين(ع) ونصبه للناس علما». قال: قلت: ما يجب علينا في ذلك اليوم؟ قال: «يجب ((1-1912)) عليكم صيامه شكرا للّه وحمدا له، مع انه اهل ان يشكر كل ساعة، كذلك امرت الانبياء اوصياءها ان يصوموا اليوم الذي يقام فيه الوصي، ويتخذونه ((1-1913)) عيدا». الحديث.
وفي المصباح ((1-1914)) لشيخ الطائفة الطوسي (ص513) عن داود الرقي، عن ابيهارون عمار بن حريز العبدي، قال: دخلت على ابي عبداللّه(ع) في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، فوجدته صائما. فقال لي: «هذا يوم عظيم عظم اللّه حرمته على المؤمنين، واكمل لهم فيه الدين، وتمم عليهم النعمة، وجدد لهم ما اخذ عليهم من العهد والميثاق». فقيل له: ما ثواب صوم هذا اليوم؟ قال: «انه يوم عيد وفرح وسرور، ويوم صوم شكرا للّه، وان صومه يعدل ستين شهرا من اشهر الحرم». الحديث.
وروى عبداللّه بن جعفر الحميري، عن هارون بن مسلم، عن ابي الحسن الليثي، عن ابي عبداللّه(ع) انه قال لمن حضره من مواليه وشيعته: « » «اتعرفون يوما شيد اللّه به الاسلام، واظهر به منار الدين، وجعله عيدا لنا ولموالينا وشيعتنا؟» فقالوا: اللّه ورسوله وابن رسوله اعلم، ايوم الفطر هو يا سيدنا؟ قال: «لا». قالوا: افيوم الاضحى هو؟ قال: «لا، وهذان يومان جليلان شريفان، ويوم منار الدين اشرف منهما، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، وان رسول اللّه(ص) لما انصرف من حجة الوداع وصار بغدير خم…».
وفي حديث الحميري بعد ذكر صلاة الشكر يوم الغدير: «وتقول في سجودك: اللهم انا نفرج وجوهنا في يوم عيدنا الذي شرفتنا فيه بولاية مولانا امير المؤمنين علي بن ابي طالب صلى اللّه عليه».
وقال الفياض بن محمد بن عمر الطوسي سنة تسع وخمسين ومائتين وقد بلغ التسعين: انه شهد ابا الحسن علي بن موسى الرضا(ع) في يوم الغدير وبحضرته جماعة من خاصته قد احتبسهم للافطار، وقد قدم الى منازلهم الطعام والبر والصلات والكسوة حتى الخواتيم والنعال، وقد غير من احوالهم واحوال حاشيته، وجددت لهم الة غير الالة التي جرى الرسم بابتذالها قبل يومه، وهو يذكر فضل اليوم وقدمه.
وفي مختصر بصائر الدرجات بالاسناد عن محمد بن العلاء الهمداني الواسطي ويحيى بن جريح البغدادي، قالا في حديث: قصدنا جميعا احمد بن اسحاق القمي صاحب الامام ابي محمد العسكري المتوفى (260) بمدينة قم، وقرعنا عليه الباب، فخرجت الينا من داره صبية عراقية، فسالناها عنه، فقالت: هو مشغول بعيده، فانه يوم عيد، فقلنا سبحان اللّه اعياد الشيعة اربعة: الاضحى، والفطر، والغدير، والجمعة… الحديث.