العناية بحديث الغدير
كان للمولى سبحانه مزيد عناية باشهار هذا الحديث، لتتداوله الالسن وتلوكه اشداق الرواة، حتى يكون حجة قائمة لحامية دينه الامام المقتدى صلوات اللّه عليه ولذلك انجز الامر بالتبليغ في حين مزدحم الجماهير عند منصرف نبيه(ص) من الحج الاكبر، فنهض بالدعوة، وكراديس الناس وزرافاتهم من مختلف الديار محتفة به، فرد المتقدم، وجعجع بالمتاخر، واسمع الجميع ((1-52)) ، وامر بتبليغ الشاهد الغائب، ليكونواكلهم رواة هذا الحديث، وهم يربون على مائة الف،ولم يكتف سبحانه بذلك كله حتى انزل في امره الايات الكريمة تتلى مع مر الجديدين بكرة وعشيا، ليكون المسلمون على ذكر من هذه القضية في كل حين، وليعرفوا رشدهم، والمرجع الذي يجب عليهم ان ياخذوا عنه معالم دينهم.
ولم يزل مثل هذه العناية لنبينا الاعظم (ص) حيث استنفر امم الناس للحج في سنته تلك، فالتحقوا به ثبا ثبا، وكراديس كراديس، وهو (ص) يعلم انه سوف يبلغهم في منتهى سفره نبا عظيما، يقام به صرح الدين، ويشاد علاليه، وتسود به امته الامم، ويدب ملكها بين المشرق والمغرب، لو عقلت صالحها، وابصرت طريق رشدها ((1-53)) .
ولكن ولهذه الغاية بعينها لم يبرح ائمة الدين سلام اللّه عليهم يهتفون بهذه الواقعة، ويحتجون بها لامامة سلفهم الطاهر، كما لم يفتا امير المؤمنين صلوات اللّه عليه بنفسه يحتج بها طيلة حياته الكريمة، ويستنشد السامعين لها من الصحابة الحضور في حجة الوداع في المنتديات ومجتمعات لفائف الناس، كل ذلك لتبقى غضة طرية بالرغم من تعاورالحقب والاعوام ، ولذلك امروا شيعتهم بالتعيد في يوم الغدير والاجتماع وتبادل التهاني والبشائر، اعادة لجدة هاتيك الواقعة العظيمة، كما ستمر عليك تفاصيل هذه الجمل في هذا الكتاب ان شاء اللّه تعالى فالى الملتقى.
وللامامية مجتمع باهر يوم الغدير عند المرقد العلوي الاقدس، يضم اليه رجالات القبائل ووجوه البلاد من الدانين والقاصين، اشادة بهذا الذكر الكريم، ويروون عن ائمة دينهم الفاظ زيارة مطنبة، فيها تعداد اعلام الامامة، وحجج الخلافة الدامغة من كتاب وسنة، وتبسط في رواية حديث الغدير، فترى كل فرد من افراد تلكم الالاف المؤلفة يلهج بها، رافعا عقيرته، مبتهجا بما اختصه اللّه من منحة الولاية والهداية الى صراطه المستقيم، ويرى نفسه راويا لتلك الفضيلة، مثبتا لها، يدين اللّهبمفادها، ومن لم يتح له الحظوة بالمثول في ذلك المشعر المقدس، فانه يتلوها في نائية البلاد،ويومي اليه من مستقره. وليوم الغدير وظائف من صوم وصلاة ودعاء فيها هتاف بذكره، تقوم بها الشيعة في امصارهاوحواضرها واوساطها والقرى والرساتيق ((1-54)) ، فهناك تجد ما يعدون بالملايين، او يقدرون بثلث المسلمين او نصفهم رواة للحديث، مخبتين اليه معتنقين له دينا ونحلة.
واما كتب الامامية في الحديث والتفسير والتاريخ وعلم الكلام، فضع يدك على اي منها تجده مفعما باثبات قصة الغدير والاحتجاج بمؤداها، فمن مسانيد عنعنتها الرواة الى منبثق انوار النبوة، ومراسيل ارسلها المؤلفون ارسال المسلم،حذفوا اسانيدها، لتسالم فرق المسلمين عليها.
ولا احسب ان اهل السنة يتاخرون بكثير عن الامامية في اثبات هذا الحديث، والبخوع لصحته، والركون اليه،والتصحيح له، والاذعان بتواتره، اللهم الا شذاذا تنكبت عن الطريقة، وحدت بهم العصبية العمياء الى رمي القول على عواهنه، وهؤلاء لا يمثلون من جامعة العلماء الا انفسهم، فان المثبتين المحققين للشان المتولعين في الفن لا تخالجهم اية شبهة في اعتبار اسانيدهم التي انهوها متعاضدة متظافرة بل متواترة ((1-55)) الى جماهير من الصحابة والتابعين. واليك اسماء جملة وقفنا على الطرق المنتهية اليهم على حروف الهجاء: