الغدير في الكتاب والسنة (11)
الجزء الحادي عشر

العلامة الشيخ عبدالحسين الاميني

بسم اللّه الرحمن الرحيم

فيه بعد البحث عن جملة من مواقف معاوية المخزية ومناقبه
المختلقة، ومخاريق امة اخرى، تراجم جمع من‏اعلام الطائفة،
ورجالات العلم، وصاغة القريض، وصيارفة الادب، تضمن فوائد
تاريخية، وطرائف ادبية،وتحوي من الاثار والمثر نوادر هي
الاوضاح والغرر في جبهة الدهر.
حمدا لك يا اله الخلق! وبك استفتح وبك استنجح، انطقني
بالهدى، والهمني التقوى، ووفقني للتي هي ازكى،واستعملني
بما هو ارضى، واسلك بي الطريقة المثلى، وسيرني في اقرب
الطرق للوفود اليك، واجعلني على‏ولايتك وولاية نبيك نبي
الرحمة وعترته الطاهرة المطهرة صلواتك عليهم اجمعين
اموت واحيى، وما توفيقي‏الابك عليك توكلت.
الاميني

تتمة بحث معاوية في ميزان القضاء

مواقف معاوية مع ابي محمد الحسن السبط (ع)
ان لابن آكلة الاكباد مع السبط المجتبى مواقف تقشعر منها
الجلود، وتقف منها الشعور، وتندى منها جبهة
الانسانية،ويلفظها الدين والحفاظ، وينبذها العدل والاحسان،
وينكرها كرم الارومة وطيب المحتد، ارتكبها معاوية مستسهلا
كل‏ذلك، مستهينا بامر الدين والمروءة.

من هو الحسن (ع)؟
لا اقل من ان يكون هو سلام اللّه عليه اوحديا من المسلمين،
واحد حملة القرآن، وممن اسلم وجهه للّه وهو محسن،
يحمل‏بين اضالعه علوم الشريعة، ومغازي الكتاب والسنة،
والملكات الفاضلة جمعاء، وهو القدوة والاسوة في مكارم
الاخلاق،ومعالم الاسلام المقدس، فمن المحظور في الدين
الحنيف النيل منه، والوقيعة فيه، وايذائه ومحاربته، على ما جاء
لهذا النوع من‏المسلمين من الحدود في شريعة اللّه، فله ما
للمسلمين وعليه ما عليهم.
اضف الى ذلك: انه صحابي مبجل ليس في اعيان الصحابة بعد
ابيه الطاهر من يماثله ويساجله، ودون مقامه الرفيع ماللصحابة
عند القوم من العدالة والشان الكبير، واعظم فضائله: انه ليس
بين لابتي العالم من يستحق الامامة والاقتداء به‏واحتذاء مثاله
يومئذ غيره، لفضله وقرابته. فهو اولى صحابي ثبت له ما اثبتوه
لهم من الاحكام، فلا يجوز منافرته‏والصدعنه، والاعراض عن
آرائه واقواله، وارتكاب مخالفته، وما يجلب الاذى اليه من السب
له، والهتك لمقامه، واستصغارامره.
زد عليه: ان ه سبط رسول اللّه وبضعته من كريمته سيدة نساء
العالمين، لحمه من لحمه، ودمه من دمه. فيجب على
معتنقي‏تلك النبوة الخاتمة حفظ صاحب الرسالة فيه،
والحصول على مرضاته، وهو لا يرضى الا بالحق الصراح
والدين‏الخالص.
وهو (ع) قبل هذه كلها احد اصحاب الكساء الذين اذهب اللّه
عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
وهو احد من اثنى عليهم اللّه بسورة هل اتى، الذين يطعمون
الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا.
وهو من ذوي قربى رسول اللّه (ص) الذين اوجب اللّه مودتهم
وجعلها اجر الرسالة.
وهو احد من باهل بهم رسول اللّه (ص) نصارى نجران كما جاء
في الذكر الحكيم.
وهو احد الثقلين اللذين خلفهما النبي الاعظم (ص) بين امته
ليقتدى بهم وقال: «ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ابدا».
وهو من اهل بيت مثلهم في الامة: «مثل سفينة نوح من ركبها
نجا ومن تخلف عنها غرق‏».
وهو من الذين اوجب اللّه الصلاة عليهم في الفرائض، ومن لم
يصل عليهم لا صلاة له.
وهو احد من خاطبهم النبي (ص) بقوله: «انا حرب لمن
حاربتم، وسلم لم سالمتم‏».
وهو احد اهل خيمة خيمها رسول اللّه (ص) فقال: «معشر
المسلمين انا سلم لمن سالم اهل الخيمة، حرب لمن
حاربهم،ولي لمن والاهم، لا يحبهم الا سعيد الجد طيب
المولد، ولا يبغضهم الا شقي الجد ردي‏ء الولادة‏».
وهو احد ريحانتي رسول اللّه (ص) كان يشمهما ويضمهما اليه.
وهو واخوه الطاهر «سيدا شباب اهل الجنة‏».
وهو حبيب رسول اللّه (ص) كان يامر بحبه قائلا: «اللهم اني
احبه فاحبه، واحب من يحبه‏».
وهو احد السبطين كان جدهما (ص) ياخذهما على عاتقه
ويقول: «من احبهما فقد احبني، ومن ابغضهما فقد ابغضني‏».
وهو احد اللذين اخذ رسول اللّه (ص) بيدهما فقال: «من احبني
واحب هذين واباهما وامهما كان معي في درجتي يوم‏القيامة‏».
وهو احد ابني رسول اللّه كان يقول (ص): «الحسن والحسين
ابناي من احبهما احبني، ومن احبني احبه اللّه، ومن احبه
اللّهادخله الجنة، ومن ابغضهما ابغضني ومن ابغضني ابغضه اللّه،
ومن ابغضه اللّه ادخله النار»((1)).
هذا هو الامام الحسن المجتبى (ع)، واما معاوية ابن آكلة
الاكباد فهو صاحب تلك الصحيفة السوداء التي مرت عليك
في‏الجزء العاشر (ص‏178)، واما جنايات معاوية على ذلك الامام
المطهر فقد سارت بها الركبان، وحفظ التاريخ له منهاصحائف
مشوهة المجلى، مسودة الهندام. فهو الذي باينه وحاربه وانتزع
حقه الثابت له بالنص والجدارة، وخان عهوده‏التي اعترف بها
عندما تنازل الامام (ع) له بالصلح حقنا لدماء شيعته، وحرصا
على كرامة اهل بيته، وصونا لشرفه الذي‏هو شرف الدين، وما
كان يرمق اليه معاوية ويعلمه الامام (ع) بعلمه الواسع من ان
الطاغية ليس بالذي يقتله ان استحوذعليه، لكنه يستبقيه
ليمن بذلك عليه، ثم يطلق سراحه، وهو بين انيابه ومخالبه،
حتى يقابل به ما سبق له ولاسلافه‏طواغيت قريش يوم‏الفتح،
فملكهم رسول اللّه (ص) ارقاء له، ثم من عليهم واطلقهم،
فسموا الطلقاء وبقي ذلك سبة عليهم‏الى آخر الدهر، فراق
داهية الامويين ان تكون تلك الشية ملصقة ببني هاشم سبة
عليهم، لكنه اكدت آماله، واخفقت‏ظنونه، وفشل ما ارته بهذا
الصلح الذي كان من ولائده الابقاء على شرف البيت الهاشمي،
ودرء العار عنهم، الى نتائج‏مهمة، كل منها كان يلزم الامام (ع)
بالصلح على كل حال، وان كان معاوية هو الخائن المائن في
عهوده ومواثيقه، والكائدالغادر باله وذمته، فعهد اليه ان لا
يسب اباه على منابر المسلمين، وقد سبه وجعله سنة متبعة في
الحواضر الاسلامية‏كلها.
وعهد اليه ان لا يتعرض لشيعة ابيه الطاهر بسوء، وقد قتلهم
تقتيلا، واستقراهم في البلاد تحت كل حجر ومدر،
فطنب‏عليهم الخوف في كل النواحي بحيث لو كان يقذف
الشيعي باليهودية لكان اسلم له من انتسابه الى ابي تراب سلام
اللّهعليه.
وعهد اليه ان لا يعهد الى احد بعده وكتب اليه سلام اللّه عليه:
ان انت اعرضت عما انت فيه وبايعتني وفيت لك بما
وعدت،واجريت لك ما شرطت، واكون في ذلك كما قال اعشى
بني قيس:
وان احد اسدى اليك امانة
فاوف بها تدعى اذا مت وافيا
ولا تحسد المولى اذا كان ذا غنى
ولا تجفه ان كان في المال فانيا
ثم الخلافة لك من بعدي، فانت اولى الناس بها((2)). ومع هذا
عهد الى جروه‏ذلك المستهتر الماجن بعدما قتل الامام
السبط‏ليصفو له الجو.
ولما تصالحا كتب به الحسن كتابا لمعاوية صورته:
بسم اللّه الرحمن الرحيم
«هذا ما صالح عليه الحسن بن علي غ معاوية بن ابي سفيان،
صالحه على ان يسلم اليه ولاية المسلمين، على ان يعمل‏فيها
بكتاب اللّه تعالى وسنة رسول اللّه(ص) وسيرة الخلفاء الراشدين
المهديين، وليس لمعاوية بن ابي سفيان ان يعهد الى‏احد من
بعده عهدا، بل يكون الامر من بعده شورى بين المسلمين،
وعلى ان الناس آمنون حيث كانوا من ارض اللّه تعالى‏في شامهم
وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وعلى ان اصحاب علي وشيعته
آمنون على انفسهم واموالهم ونسائهم واولادهم‏حيث كانوا،
وعلى معاوية بن ابي سفيان بذلك عهد اللّه وميثاقه، وان لا
يبتغي للحسن بن علي ولا لاخيه الحسين ولالاحد من بيت
رسول اللّه (ص) غائلة سرا وجهرا، ولا يخيف احدا منهم في افق
من الافاق، اشهد عليه فلان ابن فلان‏وكفى باللّه شهيدا»((3)).
فلما استقر له الامر ودخل الكوفة وخطب اهلها فقال: يا اهل
الكوفة اتراني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج ؟ وقدعلمت
انكم تصلون وتزكون وتحجون، ولكنني قاتلتكم لاتامر عليكم
وعلى رقابكم الى ان قال: وكل شرط شرطته‏فتحت قدمي
هاتين((4)).
وقال ابو اسحاق السبيعي: ان معاوية قال في خطبته بالنخيلة:
الا ان كل شي‏ء اعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين‏لا
افي به((5)). قال ابو اسحاق: وكان واللّه غدارا((6)).
وكان الرجل الد خصماء ذلك السبط المفدى، وقد خفر ذمته،
واستهان بامره واستصغره، وهو الامام العظيم، وقطع رحمه،وما
راعى فيه جده النبي العظيم،ولا اباه الوصي المقدم، ولا امه
الصديقة الطاهرة، ولا نفسه الكريمة التي اكتنفتها
الفضائل‏والفواضل من شتى نواحيها، ولم ينظر فيه ذمة
الاسلام، ولا حرمة الصحابة، ولا مقتضى القرابة، ولا نصوص
رسول اللّه(ص) فيه، ولعمر الحق لو كان مامورا بقطعه وبغضه
ومباينته لما وسعه ان ياتي باكثر مما جاء به، وناء بعبئه، وباء
باثمه، فقدقنت بلعنه في صلواته التي تلعن صاحبها، قال ابو
الفرج: حدثني ابو عبيد محمد بن احمد، قال: حدثني الفضل
بن الحسن‏المصري، قال: حدثني يحيى بن معين، قال: حدثني
ابو حفص اللبان، عن عبدالرحمن بن شريك، عن اسماعيل بن
ابي‏خالد، عن حبيب ابن ابي ثابت، قال: خطب معاوية بالكوفة
حين دخلها والحسن والحسين جالسان تحت المنبر فذكرعليا
فنال منه، ثم نال من الحسن، فقام الحسين ليرد عليه فاخذه
الحسن بيده فاجلسه ثم قام فقال: «ايها الذاكر عليا اناالحسن
وابي علي، وانت معاوية وابوك صخر، وامي فاطمة وامك هند،
وجدي‏رسول اللّه وجدك عتبة بن ربيعة، وجدتي‏خديجة
وجدتك قتيلة، فلعن اللّه اخملنا ذكرا، والامنا حسبا، وشرنا
قديما وحديثا، واقدمنا كفرا ونفاقا». فقال طوائف من‏اهل
المسجد: آمين. قال الفضل: قال يحيى بن معين: وانا اقول:
آمين. قال ابو الفرج: قال ابو عبيد: قال الفضل: وانا اقول:آمين،
ويقول علي بن الحسين الاصفهاني: آمين. قلت: ويقول
عبدالحميد بن ابي الحديد مصنف هذا الكتاب: آمين((7)).
قال الاميني: وانا اقول: آمين((8)).
وآخر ما نفض به كنانة غدر الرجل ان دس اليه (ع) السم النقيع،
فلقي ربه شهيدا مكمودا، وقد قطع السم احشاءه.
قال ابن سعد في الطبقات((9)): سمه معاوية مرارا، لانه كان
يقدم عليه الشام هو واخوه الحسين.
وقال الواقدي: انه سقي سما ثم افلت، ثم سقي فافلت، ثم كانت
الاخرة توفي فيها، فلما حضرته الوفاة قال الطبيب وهويختلف
اليه: هذا رجل قطع السم امعاءه، فقال الحسين: «يا ابا محمد
اخبرني من سقاك ؟» قال: «ولم يا اخي ؟» قال:«اقتله واللّه قبل
ان ادفنك، وان لا اقدر عليه او يكون بارض اتكلف الشخوص
اليه‏». فقال «يا اخي انما هذه الدنياليال‏فانية، دعه حتى التقي انا
وهو عند اللّه، وابى ان يسميه‏». وقد سمعت بعض من يقول: كان
معاوية قد تلطف لبعض‏خدمه ان يسقيه سما((10)).
وقال المسعودي: [عن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب
غ، قال: دخل الحسين على عمي الحسن بن علي]((11))
لماسقي السم، فقام لحاجة الانسان ثم رجع، فقال: «لقد سقيت
السم عدة مرار فما سقيت مثل هذه، لقد لفظت طائفة
من‏كبدي فرايتني اقلبه بعود في يدي‏»، فقال له الحسين: «يا
اخي من سقاك ؟» قال: «وما تريد بذلك ؟ فان كان الذي‏اظنه
فاللّه حسيبه، وان كان غيره فما احب ان يؤخذ بي بري‏ء». فلم
يلبث بعد ذلك الا ثلاثا حتى توفي (رضى‏ا...عنه).
وذكر: ان امراته جعدة بنت اشعث بن قيس الكندي سقته السم،
وقد كان‏معاوية دس اليها انك ان احتلت في قتل
الحسن‏وجهت اليك بمائة الف درهم، وزوجتك يزيد. فكان
ذلك الذي بعثها على سمه، فلما مات الحسن وفى لها معاوية
بالمال‏وارسل اليها: انا نحب حياة يزيد ولولا ذلك لوفينا لك
بتزويجه!
وذكر: ان الحسن قال عند موته: «لقد حاقت شربته، وبلغ
امنيته، واللّه ما وفى‏بما وعد، ولا صدق فيما قال‏». وفي
فعل‏جعدة يقول النجاشي الشاعر، وكان من شيعة علي، في
شعر طويل:
جعدة بكيه ولا تسامي
بعد بكاء المعول الثاكل((12))
لم يسبل الستر على مثله
في الارض من حاف ومن ناعل
كان اذا شبت له ناره
يرفعها بالسند الغاتل((13))
كيما يراها بائس مرمل
وفرد قوم ليس بالاهل
يغلي بني‏ء اللحم حتى اذا
انضج لم يغل على آكل
اعني الذي اسلمنا هلكه
للزمن المستحرج((14)) الماحل((15))
قال ابو الفرج الاصبهاني: كان الحسن شرط على معاوية في
شروط الصلح:ان لا يعهد الى احد بالخلافة بعده، وان
تكون‏الخلافة له من بعده، واراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم
يكن شي‏ء اثقل عليه من امر الحسن بن علي وسعد بن
ابي‏وقاص فدس اليهما سما فماتا منه، ارسل الى ابنة الاشعث
اني مزوجك بيزيد ابني على ان تسمي الحسن. وبعث اليها
بمائة‏الف درهم، فسوغها المال ولم يزوجها منه. مقاتل
الطالبيين((16)) (ص‏29). وحكاه عنه ابن ابي الحديد في شرح
النهج(4/11، 17)((17)) من طرق مغيرة وابي بكر بن حفص.
وقال ابو الحسن المدائني: كانت وفاته في سنة (49) وكان
مريضا اربعين يوما وكان سنه سبعا واربعين سنة، دس
اليه‏معاوية سما على يد جعدة بنت الاشعث زوجة الحسن، وقال
لها: ان قتلته بالسم فلك مائة الف، وازوجك يزيد ابني.فلما
مات وفى لها بالمال ولم يزوجها من يزيد، وقال: اخشى ان
تصنع بابني ما صنعت بابن رسول اللّه (ص).
شرح ابن ابي الحديد((18)) (4/4).
وقال: كان الحصين بن المنذر الرقاشي يقول: واللّه ما وفى
معاوية للحسن بشي‏ء مما اعطاه، قتل حجرا واصحاب
حجر،وبايع لابنه يزيد، وسم الحسن.
شرح ابن ابي الحديد((19)) (4/7).
وقال ابو عمر في الاستيعاب((20)) (1/141): قال قتادة وابو بكر
بن حفص: سم الحسن بن علي، سمته امراته بنت الاشعث‏بن
قيس الكندي. وقالت طائفة: كان ذلك منها بتدسيس معاوية
اليها وما بذل لها في ذلك وكان لها ضرائر فاللّه اعلم. ثم‏ذكر
صدر ما رواه المسعودي.
وقال سبط ابن الجوزي في التذكرة((21)) (ص‏121): قال علماء
السير، منهم ابن عبد البر: سمته زوجته جعدة بنت الاشعث‏بن
قيس الكندي. وقال السدي: دس اليها يزيد بن معاوية ان سمي
الحسن واتزوجك. فسمته فلما مات ارسلت الى يزيدتساله الوفاء
بالوعد، فقال: انا واللّه ما ارضاك للحسن، افنرضاك لانفسنا ؟!
وقال الشعبي: انما دس اليها معاوية فقال:سمي الحسن
وازوجك يزيد واعطيك مائة الف درهم، فلما مات الحسن
بعثت الى معاوية تطلب انجاز الوعد، فبعث اليهابالمال وقال:
اني احب يزيد، وارجو حياته، ولولا ذلك لزوجتك اياه!
وقال الشعبي: ومصداق هذا القول ان الحسن كان يقول عند
موته وقد بلغه ماصنع معاوية: «لقد عملت شربته وبلغت‏امنيته،
واللّه لا يفي بما وعد، ولا يصدق فيما يقول‏». ثم حكى عن
طبقات ابن سعد: ان معاوية سمه مرارا كما مر.
وقال ابن عساكر في تاريخه((22)) (4/229): يقال: انه سقي
السم مرارا كثيرا فافلت منه ثم سقي المرة الاخيرة فلم يفلت
منها.ويقال: ان معاوية قد تلطف لبعض خدمه ان يسقيه سما
فسقاه فاثر فيه حتى كان يوضع تحته طست ويرفع نحوا
من‏اربعين مرة. وروى محمد بن المرزبان: ان جعدة بنت
الاشعث بن القيس كانت متزوجة بالحسن فدس اليها يزيد ان
سمي‏الحسن وانا اتزوجك ففعلت، فلما مات الحسن بعثت الى
يزيد تساله الوفاء بالوعد، فقال لها: انا واللّه لم نرضك
للحسن‏فكيف نرضاك لانفسنا ؟ فقال كثير، ويروى انه
للنجاشي:
يا جعدة ابكيه ولا تسامي
بكاء حق ليس بالباطل
لن تستري البيت على مثله
في الناس من حاف ولا ناعل
اعني الذي اسلمه اهله
للزمن المستحرج الماحل
كان اذا شبت له ناره
يرفعها بالنسب الماثل
كيما يراها بائس مرمل
او وفد قوم ليس بالاهل
يغلي بني‏ء اللحم حتى اذا
انضج لم يغل على آكل
وروى المزي في تهذيب الكمال في اسماء الرجال((23))، عن
ام بكر بنت المسور،قالت: سقي الحسن مرارا وفي الاخرة
مات،فانه كان يختلف كبده. فلما مات اقام نساء بني هاشم عليه
النوح شهرا. وفيه، عن عبداللّه بن الحسن: قد سمعت من
يقول:كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه ان يسقيه سما. وقال
ابو عوانة، عن مغيرة، عن ام موسى: ان جعدة بنت الاشعث‏سقت
الحسن السم فاشتكى منه اربعين يوما.
وفي مرآة العجائب واحاسن الاخبار الغرائب((24)) ، قيل: كان
سبب موت الحسن بن علي من سم سم به يقال: ان
زوجته‏جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي سقته اياه، ويذكر
واللّه اعلم بحقيقة امورهم: ان معاوية دس اليها بذلك على
ان‏يوجه لها مائة الف درهم ويزوجها من ابنه يزيد، فلما مات
الحسن وفى لها معاوية بالمال وقال: اني احب حياة
يزيد.وذكروا: ان الحسن قال عند موته: «لقد حاقت شربته واللّه
لا وفى لها بما وعد ولا صدق فيما قال‏». وفي سمه يقول
رجل‏من الشيعة:
تعرفكم((25)) لك من سلوة
تفرج عنك قليل الحزن
بموت النبي وقتل الوصي
وقتل الحسين وسم الحسن
وقال الزمخشري في ربيع الابرار((26)) في الباب الحادي
والثمانين: جعل معاوية‏لجعدة بنت الاشعث امراة الحسن مائة
الف‏درهم حتى سمته، ومكث شهرين وانه يرفع من تحته طستا
من دم وكان يقول: «سقيت السم مرارا ما اصابني فيها مااصابني
في هذه المرة، لقد لفظت كبدي‏».
وفي حسن السريرة((27)): لما كان سنة سبع واربعين من
الهجرة دس معاوية الى جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي
زوجة‏الحسن بن علي ان تسقي الحسن السم، ويوجه لها مائة
الف ويزوجها من ابنه يزيد. ففعلت ذلك.
كان معاوية يرى امر الامام السبط (ع) حجر عثرة في سبيل
امنيته الخبيثة بيعة‏يزيد، ويجد نفسه في خطر من
ناحيتين،عهده اليه (ع) في الصلح معه بان لا يعهد الى احد من
جانب، وجدارة ابي محمد الزكي ونداء الناس به من ناحية
اخرى،فنجى نفسه عن هذه الورطة بسم الامام (ع)، ولما بلغه
نعيه غدا مستبشرا، واظهر الفرح والسرور وسجد وسجد من
كان‏معه.
قال ابن قتيبة: لما مرض الحسن بن علي مرضه الذي مات فيه،
كتب عامل المدينة الى معاوية يخبره بشكاية الحسن،فكتب
اليه معاوية: ان استطعت ان لا يمضي يوم يمر بي الا ياتيني فيه
خبره فافعل. فلم يزل يكتب اليه بحاله حتى توفي‏فكتب اليه
بذلك. فلما اتاه الخبر اظهر فرحا وسرورا حتى سجد وسجد من
كان معه، فبلغ ذلك عبداللّه بن عباس وكان‏بالشام يومئذ
فدخل على معاوية، فلما جلس قال معاوية: يابن عباس هلك
الحسن بن علي. فقال ابن عباس: نعم هلك،انا للّه وانا اليه
راجعون. ترجيعا مكررا، وقد بلغني الذي اظهرت من الفرح
والسرور لوفاته، اما واللّه ما سد جسده‏حفرتك، ولا زاد نقصان
اجله في عمرك، ولقد مات وهو خير منك، ولئن اصبنا به لقد
اصبنا بمن كان خيرا منه جده‏رسول اللّه (ص) فجبر اللّه
مصيبته، وخلف علينا من بعده احسن الخلافة. ثم شهق ابن
عباس وبكى. الحديث((28)).
وفي العقد الفريد((29)) (2/298) لما بلغ معاوية موت الحسن
بن علي خر ساجداللّه، ثم ارسل الى ابن عباس وكان معه
في‏الشام فعزاه وهو مستبشر. وقال له: ابن كم سنة مات ابو
محمد ؟ فقال له: سنه كان يسمع في قريش فالعجب من ان
يجهله‏مثلك قال: بلغني انه ترك اطفالا صغارا، قال: كل ما كان
صغيرا يكبر، وان طفلنا لكهل وان صغيرنا لكبير، ثم قال:
مالي‏اراك يا معاوية مستبشرا بموت الحسن بن علي ؟ فواللّه لا
ينسا في اجلك، ولا يسد حفرتك، وما اقل بقاءك وبقاءنا بعده
!وذكره الراغب في المحاضرات((30)) (2/224).
وفي حياة الحيوان((31)) (1/58)، وتاريخ الخميس (2/294)
وفي طبعة (328): قال ابن خلكان((32)): لما مرض الحسن
كتب‏مروان بن الحكم الى معاوية بذلك وكتب اليه معاوية: ان
اقبل المط‏ي الي بخبر الحسن، فلما بلغ معاوية موته سمع
تكبيرة‏من الخضراء فكبر اهل الشام لذلك التكبير، فقالت فاختة
بنت قريظة لمعاوية: اقر اللّه عينك، ما الذي كبرت لاجله
؟فقال: مات الحسن. فقالت: اعلى موت ابن فاطمة تكبر ؟
فقال: ما كبرت شماتة بموته، ولكن استراح قلبي((33)). ودخل
عليه‏ابن عباس فقال: يابن عباس هل تدري ما حدث في اهل
بيتك ؟ قال: لا ادري ما حدث الا اني اراك مستبشراوقد
بلغني‏تكبيرك، فقال: مات الحسن. فقال ابن عباس: رحم اللّه ابا
محمد ثلاثا ، واللّه يا معاوية لا تسد حفرته حفرتك، ولايزيد
عمره في عمرك، ولئن كنا اصبنا بالحسن فلقد اصبنا بامام
المتقين وخاتم النبيين، فجبر اللّه تلك الصدعة، وسكن
تلك‏العبرة، وكان الخلف علينا من بعده. انتهى.
وكان ابن هند جذلان مستبشرا بموت الامام امير المؤمنين
(ع) قبل ولده الطاهر السبط، فبلغ الحسن (ع) وكتب اليه
فيماكتب: «قد بلغني انك شمت بما لا يشمت به ذوو الحجى،
وانما مثلك في ذلك كما قال الاول:
وقل للذي يبقى خلاف الذي مضى
تجهز لاخرى مثلها فكان قد
وانا ومن قد مات منا لكالذي
يروح فيمسي في المبيت ليقتدي‏»
ولارضاء معاوية منع ذلك الامام الزكي عن ان يقوم اخوه
الحسين السبط بانجاز وصيته ويدفنه في حجرة ابيه
الشريفة‏التي هي له، وهو اولى انسان بالدفن فيها. قال ابن كثير
في تاريخه((34)) (8/44): فابى مروان ان يدعه، ومروان
يومئذمعزول‏يريد ان يرضي معاوية. وقال ابن
عساكر((35))(4/226): قال مروان: ما كنت لادع ابن ابي تراب
يدفن مع رسول اللّه، وقددفن عثمان بالبقيع، ومروان يومئذ
معزول يريد ان يرضي معاوية بذلك، فلم يزل عدوا لبني هاشم
حتى مات. انتهى.
هذه نماذج من جنايات معاوية على ريحانة الرسول (ص) ولعل
فيما انساه التاريخ اضعافها، وهل هناك مسائل ابن حرب‏عما
اقترفه السبط المجتبى سلام اللّه عليه من ذنب استحق من
جرائه هذه النكبات والعظائم ؟ وهل يسع ابن آكلة الاكبادان
يعد منه شيئا في الجواب ؟ غير انه (ع) كان سبط محمد (ص)
وقد عطل دين آباء الرجل الذي فارقه كرها ولم يعتنق‏الاسلام
الا فرقا، وانه شبل علي خليفة اللّه في ارضه بعد نبيه (ص) وهو
الذي مسح اسلافه الوثنيين بالسيف، واثكلت‏امهات البيت
الاموي باجريتهن((36))، ولما ينقضي حزن معاوية على اولئك
الطغمة حتى تشفى بانواع الاذى التي صبها على‏الامام
المجتبى الى ان اغتاله بالسم النقيع، ولم يملك نفسه حتى
استبشر بموته، وسجد شكرا، وانا لا ادري اللاته سجد ام
للّهسبحانه ؟ وان لسان حاله كان ينشد ما تظاهر به مقول نغله
يزيد:
قد قتلت القرم من ساداتهم
وعدلنا ميل بدر فاعتدل
ليت اشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الاسل
لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل
وانه بضعة الزهراء فاطمة الصديقة حبيبة رسول اللّه (ص) ومنها
نسله الذين ملاوا الدنيا اوضاحا وغررا من الحسب‏الوضاء،
والشرف الباذخ، والدين الحنيف، كل ذلك ورغبات معاوية على
الضد منها، وما تغنيه الايات والنذر.
وفي الذكر الحكيم ( ساصرف عن آياتي الذين يتكبرون في
الارض بغير الحق‏وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها وان يروا
سبيل‏الرشد لا يتخذوه سبيلا وان يروا سبيل الغي يتخذوه
سبيلا ذلك باءنهم كذبوا بياتنا وكانوا عنها غافلين )((37)).

معاوية وشيعة امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)
لم يبرح معاوية مستصغرا كل كبيرة في توطيد سلطانه،
مستسهلا دونه كل صعب، فكان من الهين عنده في ذلك
كل‏بائقة،ومن ذلك دابه على سفك دماء الشيعة شيعة الامام
الطاهر في اقطار حكومته، وفي جميع مناطق نفوذه،
واستباحة‏اموالهم واعراضهم، وقطع اصولهم بقتل ذراريهم
واطفالهم، ولم يستثن النساء، وهم المعنى ون بثناء صاحب
الرسالة(ص)عليهم، السابقة‏احاديثه في الجزءالثالث(ص‏78).
وهب ان هذا الثناء لم يصدر من مصدر النبوة، او ان روايته لم
تبلغ ابن آكلة الاكباد، فهل هم خارجون عن ربقة
الاسلام‏المحرم للنفوس والاموال والحرمات بكتابه وسنة نبيه ؟
وهل اقترفوا اثما لا يغفر او عثروا عثرة لا تقال غير ولايتهم
لامام‏اجمع المسلمون على خلافته، وحث النبي (ص) امته
على اتباعه وولائه اثر ما نزل في كتاب اللّه من ولايته ؟ او
ان‏ابن‏صخر حصل على حكم لم يعرفه المسلمون يعارض كل
تلكم الاحكام الواردة في الكتاب والسنة ؟ او انه لا
يتحوب‏بارتكاب الموبقات فيلغ في الدماء ولوغا ؟
بعث بسر بن ارطاة بعد تحكيم الحكمين، وعلي بن ابي طالب
(رضى‏ا...عنه) يومئذ حي، وبعث معه جيشا آخر، ووجه‏برجل من
عامر ضم اليه جيشا آخر، ووجه الضحاك ابن قيس الفهري في
جيش آخر، وامرهم ان يسيروا في البلادفيقتلوا كل من وجدوه
من شيعة علي بن ابي طالب (ع) واصحابه، وان يغيروا على
سائر اعماله، ويقتلوا اصحابه، ولايكفوا ايديهم عن النساء
والصبيان. فمر بسر لذلك على وجهه حتى انتهى الى المدينة
فقتل بها ناسا من اصحاب علي (ع)واهل هواه، وهدم بها دورا،
ومضى الى مكة فقتل نفرا من آل ابي لهب، ثم اتى السراة فقتل
من بها من اصحابه، واتى‏نجران فقتل عبداللّه بن عبدالمدان
الحارثي وابنه، وكانا من اصهار بني العباس عامل علي (ع)، ثم
اتى اليمن وعليها عبيداللّهبن العباس عامل علي بن ابي طالب
وكان غائبا، وقيل: بل هرب لما بلغه خبر بسر فلم يصادفه بسر
ووجد ابنين له‏صبيين فاخذهما بسر لعنه اللّه((38)) وذبحهما
بيده بمدية كانت معه، ثم انكفا راجعا الى معاوية.
وفعل مثل ذلك سائر من بعث به، فقصد العامري الى الانبار
فقتل ابن حسان البكري وقتل رجالا ونساء من الشيعة، قال‏ابو
صادقة((39)): اغارت خيل لمعاوية على الانبار فقتلوا عاملا
لعلي (ع) يقال له: حسان بن حسان، وقتلوا رجالاكثيراونساء،
فبلغ ذلك علي بن ابي طالب صلوات اللّه عليه فخرج حتى اتى
المنبر فرقيه فحمد اللّه واثنى عليه وصلى على النبي(ص) ثم
قال:
«ان الجهاد باب من ابواب الجنة، فمن تركه البسه اللّه ثوب
الذلة، وشمله البلاء، وريب بالصغار وسيم الخسف، وقد
قلت‏لكم: اغزوهم قبل ان يغزوكم فانه لم يغز قوم قط في عقر
دارهم الا ذلوا. فتواكلتم وتخاذلتم وتركتم قولي
وراءكم‏ظهريا،حتى شنت عليكم الغارات، هذا اخو غامد قد جاء
الانبار فقتل عاملها حسان ابن حسان وقتل رجالاكثيراونساء ،
واللّه بلغني انه كان ياتي المراة المسلمة والاخرى المعاهدة
فينزع حجلها ورعاثها ثم ينصرفون موفورين لم‏يكلم احد منهم
كلما، فلو ان امرا مسلما مات دون هذا اسفا لم يكن عليه ملوما
بل كان به جديرا»((40)) الحديث.
اصاب ام حكيم بنت قارظ زوجة عبيداللّه وله على ابنيها
فكانت لا تعقل ولا تصغي الا الى قول من اعلمها انهما قدقتلا،
ولا تزال تطوف في المواسم تنشد الناس ابنيها بهذه الابيات:
يا من احس بابني اللذين هما
كالدرتين تشظ‏ى عنهما الصدف
يا من احس بابني اللذين هما
سمعي وقلبي فقلبي اليوم مزدهف((41))
يا من احس بابني اللذين هما
مخ العظام فمخي اليوم مختطف
نبئت بسرا وما صدقت ما زعموا
من قولهم ومن الافك الذي اقترفوا
انحى على ودجي ابني مرهفة
مشحوذة وكذاك الافك يقترف
حتى لقيت رجالا من ارومته
شم الانوف لهم في قومهم شرف
فالان العن بسرا حق لعنته
هذا لعمر ابي بسر هو السرف
من دل والهة حرى مولهة
على صبيين ضلا اذ غدا السلف
قالوا: ولما بلغ علي بن ابي طالب (ع) قتل بسر الصبيين جزع
لذلك جزعاشديدا، ودعا على بسر لعنه اللّه فقال:«اللهم‏اسلبه
دينه، ولا تخرجه من الدنيا حتى تسلبه عقله‏». فاصابه ذلك
وفقد عقله، وكان يهذي بالسيف ويطلبه فيؤتى‏بسيف من
خشب ويجعل بين يديه زق منفوخ فلا يزال يضربه حتى
يسام((42)).

صورة مفصلة لغارات معاوية على شيعة علي(ع):
لقد شن الغارة معاوية على شيعة امير المؤمنين (ع) سنة (39)
وفرق جيوشه في اصقاع حكومته (ع) واختار اناسا ممن لاخلاق
لهم لقتل اولئك الابرياء اينما كانوا وحيثما وجدوا، فوجه
النعمان بن بشير في الف رجل الى عين التمر.
ووجه سفيان بن عوف في ستة آلاف وامره ان ياتي هيت
فيقطعها ثم ياتي الانبار والمدائن فيوقع باهلها، فاتى هيت ثم
اتى‏الانبار وطمع في اصحاب علي (ع) لقتلهم فقاتلهم، فصبر
اصحاب علي ثم قتل صاحبهم اشرس((43)) بن حسان
البكري‏وثلاثون رجلا، واحتملوا ما في الانبار من اموال اهلها
ورجعوا الى معاوية.
ووجه عبداللّه بن مسعدة بن حكمة الفزاري وكان اشد الناس
على علي في الف وسبعمائة الى تيماء، وامره
ان‏يصدق((44))من مر به من اهل البوادي ويقتل من امتنع،
ففعل ذلك وبلغ مكة والمدينة وفعل ذلك.
ووجه الضحاك بن قيس وامره ان يمر باسفل واقصة ويغير على
كل من مر به ممن هو في طاعة علي (ع) من الاعراب،وارسل
ثلاثة آلاف رجل معه فسار الناس واخذ الاموال، ومضى الى
الثعلبية وقتل واغار على مسلحة علي، وانتهى‏الى القطقطانة،
فلما بلغ عليا ارسل اليه حجر بن عدي في اربعة آلاف فلحق
الضحاك‏بتدمر فقتل منهم تسعة عشر رجلا،وقتل من اصحابه
رجلان، وحجز بينهما الليل فهرب الضحاك واصحابه ورجع
حجر ومن معه.
ووجه عبدالرحمن بن قباث بن اشيم الى بلاد الجزيرة وفيها
شيب((45)) بن عامر جد الكرماني الذي كان بخراسان،
فكتب‏الى كميل بن زياد وهو بهيت يعلمه خبرهم، فقاتله كميل
وهزمه وغلب على عسكره، واكثر القتل في اهل الشام وامر ان‏لا
يتبع مدبر ولا يجهز على جريح.
ووجه الحرث بن نمر التنوخي الى الجزيرة لياتيه بمن كان في
طاعة علي، فاخذ من اهل دارا سبعة نفر من بني تغلب
فوقع‏هناك من المقتلة ما وقع.
ووجه زهير بن مكحول العامري الى السماوة، وامره ان ياخذ
صدقات الناس، فبلغ ذلك عليا فبعث ثلاثة منهم جعفر
بن‏عبداللّه الاشجعي ليصدقوا((46)) من في طاعته من كلب
وبكر، فوافوا زهيرا فاقتتلوا فانهزم اصحاب علي وقتل جعفر
بن‏عبداللّه.
وبعث سنة (40) بسر بن ارطاة في جيش فسار حتى قدم
المدينة وبها ابو ايوب الانصاري عامل علي عليها، فهرب
ابوايوب فاتى عليا بالكوفة، ودخل بسر المدينة ولم يقاتله احد
فصعد منبرها فنادى عليه: يا دينار ! ويا نجار
!ويازريق!((47))شيخي شيخي عهدي به بالامس فاين هو ؟
يعني عثمان ثم قال: يا اهل المدينة ! واللّه لولا ما عهد
الي‏معاوية ما تركت بها محتلما الا قتلته. فارسل الى بني سلمة
فقال: واللّه مالكم عندي امان حتى تاتوني بجابر بن
عبداللّه.فانطلق جابر الى ام سلمة زوجة النبي (ص) فقال لها:
ماذا ترين ؟ ان هذه بيعة ضلالة وقد خشيت ان اقتل.قالت:
ارى‏ان تبايع فاني قد امرت ابني عمر بن ابي سلمة وختني
عبداللّه بن زمعة ان يبايعا، فاتاه جابر فبايعه، وهدم بسر
دورابالمدينة، ثم سار الى مكة فخاف ابو موسى ان يقتله فهرب،
وكتب ابو موسى الى اليمن: ان خيلا مبعوثة من عند
معاوية‏تقتل الناس، تقتل من ابى ان يقر بالحكومة. ثم مضى
بسر الى المدينة وكان عليها عبيداللّه بن عباس عاملا لعلي
فهرب منه‏الى علي‏بالكوفة، واستخلف عبداللّه ابن عبدالمدان
الحارثي فاتاه بسر فقتله وقتل ابنه، ولقي بسر ثقل عبيداللّه بن
عباس‏وفيه ابنان له صغيران فذبحهما وهما: عبدالرحمن وقثم،
وقال بعض: ان ه وجدهما عند رجل من بني كنانة بالبادية.
فلمااراد قتلهما قال له الكناني: لم تقتل هذين ولا ذنب لهما؟
فان كنت قاتلهما فاقتلني معهما، قال: افعل. فبدا بالكناني
فقتله ثم‏قتلهما. فخرجت نسوة من بني كنانة فقالت امراة
منهن: يا هذا قتلت الرجال، فعلام تقتل هذين ؟ واللّه ما كانوا
يقتلون في‏الجاهلية والاسلام، واللّه يابن ارطاة ان سلطانا لا
يقوم الا بقتل الصبي الصغير والشيخ الكبير، ونزع الرحمة،
وعقوق‏الارحام، لسلطان سوء. وقتل بسر في مسيره ذلك
جماعة من شيعة علي باليمن وبلغ عليا الخبر.
تاريخ الطبري (6/77 81)، كامل ابن الاثير (3/162 167)،
تاريخ ابن عساكر (3/222، 459)، الاستيعاب (1/65،66)، تاريخ
ابن كثير (7/319 322)، وفاء الوفا (1/31)((48)).
وقال ابن عبدالبر في الاستيعاب((49)) (1/65): كان يحيى بن
معين يقول: كان بسر بن ارطاة رجل سوء. قال ابو عمر:
ذلك‏لامور عظام ركبها في الاسلام فيما نقل‏اهل الاخبار واهل
الحديث ايضا منها: ذبحه ابني عبيداللّه بن العباس وهما
صغيران‏بين يدي امهما. وقال الدارقطني: لم تكن له استقامة
بعد النبي عليه الصلاة والسلام وهو الذي قتل طفلين لعبيد
اللّه بن‏العباس. وقال ابو عمرو الشيباني: لما وجه معاوية ابن ابي
سفيان بسر بن ارطاة الفهري لقتل شيعة علي (رضى‏ا...عنه)
قام‏اليه معن او عمرو بن يزيد السلمي وزياد بن الاشهب
الجعدي فقالا: يا امير المؤمنين نسالك باللّه والرحم ان تجعل
لبسرعلى قيس سلطانا فيقتل قيسا بما قتلت به بنو سليم من
بني فهر وكنانة يوم دخل رسول اللّه (ص) مكة. فقال معاوية:
يابسر لا امرة لك على قيس، فسار حتى اتى المدينة فقتل ابني
عبيداللّه وفر اهل المدينة ودخلوا الحرة حرة بني سليم. قال‏ابو
عمر: وفي هذه الخرجة التي ذكر ابو عمرو الشيباني اغار بسر
بن ارطاة على‏همدان وسبى نساءهم، فكن اول مسلمات‏سبين
في الاسلام، وقتل احياء من بني سعد. ثم اخرج ابو عمرو
باسناده من طريق رجلين عن ابي ذر: انه دعا وتعوذ في‏صلاة
صلاها اطال قيامها وركوعها وسجودها قال: فسالاه مم تعوذت
؟ وفيم دعوت ؟ قال: تعوذت باللّه من يوم البلاءيدركني، ويوم
العورة ان ادركه. فقالا: وما ذاك ؟ فقال: اما يوم البلاء فتلتقي
فئتان من المسلمين فيقتل بعضهم بعضا، وامايوم العورة فان
نساء من المسلمات يسبين فيكشف عن سوقهن فايتهن كانت
اعظم ساقا اشتريت على عظم ساقها،فدعوت اللّه ان لا يدركني
هذا الزمان ولعلكما تدركانه. فقتل عثمان ثم ارسل معاوية

بسر بن ارطاة الى اليمن‏فسبى نساء مسلمات فاقمن في السوق.
وفي تاريخ ابن عساكر((50)) (3/220 224): كان بسر من
شيعة معاوية بن ابي سفيان وشهد معه صفين، وكان معاوية
وجهه‏الى اليمن والحجاز في اول سنة اربعين، وامره ان
يستقرئ من كان في طاعة علي فيوقع بهم، ففعل بمكة
والمدينة واليمن‏افعالا قبيحة وقد ولي‏البحرلمعاوية. وقتل
باليمن ابني عبيداللّه بن‏العباس. وقال الدارقطني:ان بسرا
كانت له صحبة ولم‏يكن‏له‏استقامة بعد النبي(ص) يعني: انه
كان من اهل‏الردة.
قال: وروى البخاري في التاريخ: ان معاوية بعث بسرا سنة سبع
وثلاثين فقدم المدينة فبايع، ثم انطلق الى مكة واليمن
فقتل‏عبدالرحمن وقثم ابني عبيداللّه بن عباس. وفي رواية
الزهري: ان معاوية بعثه سنة تسع وثلاثين فقدم المدينة ليبلغ
الناس‏فاحرق دار زرارة بن خيرون((51)) اخي بني عمرو بن
عوف بالسوق، ودار رفاعة بن رافع((52))، ودار عبداللّه بن
سعد((53)) من‏بني الاشهل، ثم استمر الى مكة واليمن فقتل
عبدالرحمن بن عبيد، وعمرو بن ام ادراكة الثقفي((54))،
وذلك ان‏معاوية بعثه على‏ماحكاه ابن سعد ليستعرض الناس
فيقتل من كان في طاعة علي بن ابي طالب، فاقام في المدينة
شهرا فما قيل له في احد:ان هذا ممن اعان على عثمان الا
قتله، وقتل قوما من بني كعب على مائهم فيما بين مكة
والمدينة والقاهم في البئر ومضى الى‏اليمن، وقتل من همدان
بالجرف من كان مع علي بصفين فقتل اكثر من مئتين، وقتل
من الابناء كثيرا وهذا كله بعد قتل علي‏بن ابي طالب.
قال ابن يونس: كان عبيداللّه بن العباس قد جعل ابنيه
عبدالرحمن وقثم عند رجل من بني كنانة وكانا صغيرين، فلما
انتهى‏بسر الى بني كنانة بعث اليهما ليقتلهما، فلما راى
ذلك‏الكناني دخل بيته فاخذ السيف واشتد عليهم بسيفه
حاسراوهويقول:
الليث من يمنع حافات الدار
ولا يزال مصلتا دون الدار((55))
الا فتى اروع غير غدارفقال له بسر: ثكلتك امك واللّه ما اردنا
قتلك فلم عرضت نفسك للقتل ؟ فقال: اقتل دون
جاري‏فعسى اعذر عند اللّه وعند الناس. فضرب بسيفه حتى
قتل، وقدم بسر الغلامين فذبحهما ذبحا، فخرج نسوة من بني
كنانة‏فقالت قائلة منهن: يا هذا هؤلاء الرجال قتلت فعلام تقتل
الولدان ؟ واللّه ماكانوا يقتلون في جاهلية ولا اسلام،
واللّهان‏سلطانا لا يقوم الا بقتل الضرع الصغير والمدره((56))
الكبير، وبرفع الرحمة وعقوق الارحام لسلطان سوء. فقال لها
بسر:واللّه لقد هممت ان اضع فيكن السيف. فقالت: تاللّه انها
لاخت التي صنعت، وما انا بها منك بمنة. ثم قالت للنساء
اللواتي‏حولها: ويحكن تفر قن.
وفي الاصابة (3/9): عمرو بن عميس قتله بسر بن ارطاة لما
ارسله معاوية للغارة على عمال علي فقتل كثيرا من عماله
من‏اهل الحجاز واليمن.

صورة مفصلة لجرائم بسر بن ارطاة وغيره
كان بسر بن ارطاة((57)) قاسي القلب، فظا سفاكا للدماء، لا
رافة عنده ولارحمة، فامره معاوية ان ياخذ طريق
الحجازوالمدينة ومكة حتى ينتهي الى اليمن، وقال له: لا تنزل
على بلد اهله على طاعة علي الا بسطت عليهم لسانك حتى
يرواانهم لا نجاء لهم، وانك محيط بهم، ثم اكفف عنهم وادعهم
الى البيعة لي، فمن ابى فاقتله، واقتل شيعة علي حيث كانوا.
وفي رواية ابراهيم الثقفي في الغارات((58)) في حوادث سنة
اربعين: بعث معاوية بسر بن ابي ارطاة في ثلاثة آلاف وقال:
سرحتى تمر بالمدينة فاطرد الناس، واخف من مررت به،
وانهب اموال كل من اصبت له مالا ممن لم يكن له دخل
في‏طاعتنا،فاذا دخلت المدينة فارهم انك تريد انفسهم،
واخبرهم انه لا براءة لهم عندك ولا عذر حتى اذا ظنوا انك
موقع‏بهم فاكفف عنهم، ثم سر حتى تدخل مكة ولا تعرض فيها
لاحد، وارهب الناس عنك فيما بين المدينة ومكة،
واجعلهم‏شرودات حتى تاتي صنعاء والجند، فان لنا [ بهما
]((59)) شيعة وقد جاءني كتابهم.
فخرج بسر في ذلك البعث مع جيشه وكانوا اذا وردوا ماء اخذوا
ابل اهل ذلك الماء فركبوها، وقادوا خيولهم حتى يردواالماء
الاخر، فيردون تلك الابل ويركبون ابل هؤلاء، فلم يزل يصنع
ذلك حتى قرب الى المدينة، فاستقبلتهم قضاعة‏ينحرون لهم
الجزر حتى دخلوا المدينة، وعامل علي (ع) عليها ابو ايوب
الانصاري صاحب منزل رسول اللّه (ص) فخرج‏عنها هاربا ودخل
بسر المدينة، فخطب الناس وشتمهم وتهددهم يومئذ
وتوعدهم وقال: شاهت الوجوه ان اللّه تعالى‏ضرب مثلا قرية
كانت آمنة مطمئنة ياتيها رزقها رغدا. وقد اوقع اللّه تعالى ذلك
المثل بكم وجعلكم اهله، وكان بلدكم‏مهاجر النبي (ص)
ومنزله وفيه قبره ومنازل الخلفاء من بعده، فلم تشكروا نعمة
ربكم ولم ترعوا حق نبيكم، وقتل خليفة‏اللّه بين اظهركم،
فكنتم بين قاتل وخاذل ومتربص وشامت، ان كانت للمؤمنين
قلتم: الم نكن معكم ؟ وان كان للكافرين‏نصيب، قلتم: الم
نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين ؟ ثم شتم الانصار،
فقال: يا معشر اليهود وابناء العبيد بني زريق‏وبني النجار وبني
سالم وبني عبدالاشهل اما واللّه لاوقعن بكم وقعة تشفي غليل
صدور المؤمنين وآل عثمان، اما واللّهلادعنكم احاديث كالامم
السالفة، فتهددهم حتى خاف الناس ان يوقع بهم، ففزعوا
الى‏حويطب بن عبدالعزى، ويقال: انه‏زوج امه فصعد اليه المنبر
فناشده وقال: عترتك وانصار رسول اللّه وليست بقتلة عثمان،
فلم يزل به حتى سكن ودعاالناس الى بيعة معاوية فبايعوه
ونزل فاحرق دورا كثيرة منها: دار زرارة بن حرون((60)) احد
بني عمروابن عوف، وداررفاعة بن رافع الزرقي، ودار ابي ايوب
الانصاري. وفقد جابر بن عبداللّه الانصاري، فقال: مالي لا ارى
جابرا، يا بني‏سلمة لا امان لكم عندي او تاتوني بجابر. فعاذ جابر
بام سلمة غ، فارسلت الى بسر بن ارطاة فقال: لا اؤمنه حتى
يبايع‏فقالت له ام سلمة: اذهب فبايع، وقالت لابنها عمر: اذهب
فبايع، فذهبا فبايعاه.
وروى من طريق وهب بن كيسان، قال: سمعت جابر بن عبداللّه
الانصاري يقول: لما خفت بسرا وتواريت عنه قال‏لقومي: لا امان
لكم عندي حتى يحضر جابر، فاتوني وقالوا: ننشدك اللّه لما
انطلقت معنا فبايعت فحقنت دمك ودماءقومك فانك ان لم
تفعل قتلت مقاتلينا وسبيت ذرارينا، فاستنظرتهم الليل، فلما
امسيت دخلت على ام سلمة فاخبرتهاالخبر، فقالت: يا بني
انطلق فبايع احقن دمك ودماء قومك، فاني قد امرت ابن اخي
ان يذهب فيبايع، واني لاعلم انهابيعة ضلالة.
قال ابراهيم: فاقام بسر بالمدينة اياما ثم قال لهم: اني قد عفوت
عنكم وان لم تكونوا لذلك باهل، ما قوم قتل امامهم
بين‏ظهرانيهم باهل ان يكف عنهم العذاب، ولئن نالكم العفو
مني في الدنيا اني لارجو ان لا تنالكم رحمة اللّه غ في
الاخرة،وقد استخلفت عليكم ابا هريرة فاياكم وخلافه. ثم خرج
الى مكة.
وروى الوليد بن هشام ، قال: اقبل بسر فدخل المدينة فصعد
منبر الرسول (ص) ثم قال: يا اهل المدينة خضبتم
لحاكم‏وقتلتم عثمان مخضوبا، واللّه لا ادع في المسجد مخضوبا
الا قتلته. ثم قال لاصحابه: خذوا بابواب المسجد وهو يريد
ان‏يستعرضهم، فقام اليه عبداللّه بن الزبير وابو قيس احد بني
عامر بن لؤي فطلبا اليه حتى كف عنهم وخرج الى مكة،
فلماقرب منها هرب قثم بن العباس وكان عامل‏علي(ع)،
ودخلها بسر فشتم اهل مكة وانبهم ثم خرج عنها واستعمل
عليهاشيبة بن عثمان.
وروى عوانة، عن الكلبي: ان بسرا لما خرج من المدينة الى مكة
قتل في‏طريقه رجالا، واخذ اموالا، وبلغ اهل مكة خبره‏فتنحى
عنها عامة اهلها، وتراضى الناس بشيبة بن عثمان اميرا لما خرج
قثم بن العباس عنها، وخرج الى بسر قوم‏من‏قريش فتلقوه
فشتمهم ثم قال: اما واللّه لو تركت ورايي فيكم لتركتكم وما
فيها روح تمشي على الارض. فقالوا: ننشدك‏اللّه في اهلك
وعترتك. فسكت ثم دخل وطاف بالبيت وصلى ركعتين ثم
خطبهم فقال: الحمد للّه الذي اعزدعوتنا، وجمع‏الفتنا، واذل
عدونا بالقتل والتشريد، هذا ابن ابي طالب بناحية العراق في
ضنك وضيق قد ابتلاه اللّه بخطيئته، واسلمه‏بجريرته، فتفرق
عنه اصحابه ناقمين عليه، وولي الامر معاوية الطالب بدم
عثمان، فبايعوا، ولا تجعلوا على انفسكم سبيلا.فبايعوا، وفقد
سعيد بن العاص فطلبه فلم يجده واقام اياما ثم خطبهم فقال:
يا اهل مكة اني قد صفحت عنكم فاياكم‏والخلاف، فواللّه ان
فعلتم لاقصدن منكم الى التي تبير الاصل، وتحرب المال،
وتخرب الديار. ثم خرج الى الطائف.
قال ابراهيم الثقفي: ووجه رجلا من قريش الى نبالة وبها قوم
من شيعة علي(ع) وامره بقتلهم فاخذهم وكلم فيهم وقيل‏له:
هؤلاء قومك فكف عنهم حتى ناتيك بكتاب من بسر بامانهم
فحبسهم، وخرج منيع الباهلي من عندهم الى بسر
وهوبالطائف يستشفع اليه فيهم، فتحمل عليه بقوم من الطائف
فكلموه فيهم وسالوه الكتاب باطلاقهم فوعدهم
ومطلهم‏بالكتاب حتى ظن انه قد قتلهم القرشي المبعوث
لقتلهم، وان كتابه لا يصل اليهم حتى يقتلوا، ثم كتب لهم فاتى
منيع منزله‏وكان قد نزل على امراة بالطائف ورحله عندها فلم
يجدها في منزلها، فوطئ على ناقته بردائه وركب فسار يوم
الجمعة‏وليلة السبت لم ينزل عن راحلته قط، فاتاهم ضحوة
وقد اخرج القوم ليقتلوا واستبطئ كتاب بسر فيهم، فقدم رجل
منهم‏فضربه رجل من اهل الشام فانقطع سيفه، فقال الشاميون
بعضهم لبعض: شمسوا سيوفكم حتى تلين فهزوها وتبصر
منيع‏الباهلي بريق السيوف، فالمع بثوبه فقال القوم: هذا راكب
عنده خبر فكفوا، وقام به بعيره فنزل عنه وجاء على رجليه‏يشد
فدفع الكتاب اليهم فاطلقوا، وكان الرجل المقدم الذي ضرب
بالسيف فانكسر السيف اخاه.
قال ابراهيم: وروى علي بن مجاهد، عن ابن اسحاق((61)): ان
اهل مكة لما بلغهم ما صنع بسر خافوه وهربوا، فخرج
ابناعبيداللّه بن العباس وهما: سليمان، وداود، وامهما
حورية((62)) ابنة خالد بن قارظ الكنانية وتكنى ام حكيم، وهم
حلفاء بني‏زهرة وهما غلامان مع اهل مكة فاضلوهما عند بئر
ميمون بن الحضرمي، وميمون هذا اخو العلاء بن الحضرمي،
وهجم‏عليهما بسر فاخذهما وذبحهما فقالت امهما:
هامن احس بابني اللذين هما
كالدرتين تشظ‏ى عنهما الصدف((63))
وقد روي ان اسمهما: قثم وعبدالرحمن، وروي: انهما ضلا في
اخوالهما من بني‏كنانة، وروي: ان بسرا انما قتلهما باليمن
وانهماذبحا على درج صنعاء. وروى عبدالملك ابن نوفل عن
ابيه: ان بسرا لما دخل الطائف وقد كلمه المغيرة قال له:
لقدصدقتني ونصحتني فبات بها وخرج منها وشيعه المغيرة
ساعة ثم ودعه وانصرف عنه فخرج حتى مر ببني كنانة
وفيهم‏ابنا عبيداللّه بن العباس وامهما، فلما انتهى بسر اليهم
طلبهما، فدخل رجل من بني كنانة وكان ابوهما اوصاه بهما،
فاخذالسيف من بيته وخرج فقال له بسر: ثكلتك امك واللّه ما
كنا اردنا قتلك فل م عرضت نفسك للقتل ؟ قال: اقتل
دون‏جاري اعذر لي عند اللّه والناس. ثم شد على اصحاب بسر
بالسيف حاسرا وهو يرتجز:
آليت لا يمنع حافات الدار
ولا يموت مصلتا دون الجار((64))
الا فتى اروع غير غدارفضارب بسيفه حتى قتل، ثم قدم
الغلامان فقتلا، فخرج نسوة من بني كنانة فقالت‏امراة منهن:
هذه‏الرجال يقتلها فما بال الولدان ؟ واللّه ما كانوا يقتلون في
جاهلية ولا اسلام، واللّه ان سلطانا لا يشتد الا بقتل
الضرع‏الضعيف، والشيخ الكبير ورفع الرحمة، وقطع الارحام،
لسلطان سوء. فقال بسر: واللّه لهممت ان اضع فيكن‏السيف.
قالت:واللّه انه لاحب الي ان فعلت.

الصفحة التالية