(9) السنة والشيعة

  الغدير

(9) السنة والشيعة

بقلم: السيد محمد رشيد رضا

صاحب المنار

لم يقصد صاحب هذه الرسالة نقدا نزيها او حجاجا صحيحا، وان كان قد صبغها بصبغة الرد على العلا مة الحجة في علوية‏الشيعة السيد محسن الامين العاملي حياه اللّه وبياه لكنه لم يتهجم على حصونه المنيعة الا بسباب مقذع، او اهانة قبيحة،او تنابز بالالقاب، او هتك شائن، ومعظم قصده اغراء الدول الثلاث العربية: العراقية، والحجازية، واليمانية بالشيعة،باكاذيب وتمويهات، وعليه فليس من خطة الباحث نقد امثالها، غير انه لم نجد منتدحا من الايعاز الى شي‏ء من الاكاذيب‏والمخاريق المودعة فيها من وليدة فكرته او ما نقله عن غيره متطلبا من علماء الشيعة تخطئة ما يرونه فيها خطا، وهو يعلم‏ان الاعراض عنها هو الحزم، لما فيه من السياسة الدولية الخارجة عن محيط العلم والعلماء.

عزو التشيع الى ابن سبا. وجوابه

1 بدا رسالته بتاريخ التشيع ومذاهب الشيعة، فجعل مبتدع اصوله عبداللّه ابن سبا اليهودي، وراى خليفة السبئيين في‏ادارة دعاية التفرق بين المسلمين بالتشيع والغلو زنادقة الفرس، وعد من تعاليم غلاة الشيعة بدعة عصمة الائمة، وتحريف ‏القرآن، والبدع المتعلقة بالحجة المنتظر، والقول بالوهية بعض الائمة والكفر الصريح.

وقسم الامامية على المعتدلة القريبة من الزيدية، والغلاة القريبة من الباطنية، وقال: هم الذين لقحوا ببعض تعاليمهم‏الالحادية كالقول بتحريف القرآن، وكتمان بعض آياته، واغربها في زعمهم سورة خاصة باهل البيت يتناقلونها بينهم، حتى‏كتب الينا سائح سني مرة: انه سمع بعض خطبائهم في بلد من بلاد ايران يقراها يوم الجمعة على المنبر، وقد نقلها عنهم‏بعض دعاة النصرانية المبشرين، فهؤلاء الامامية الاثنا عشرية، ويلقبون بالجعفرية درجات. وعد من الامامية بدعة البابية ثم البهائية الذين يقولون بالوهية البهاء، ونسخه لدين الاسلام وابطاله لجميع مذاهبه. ومن‏وراء هذه الكلم المثيرة للفتن والاحن يرى نفسه الساعي الوحيد في توحيد الكلمة والاصلاح بعد السيد جمال الدين‏الافغاني، ثم بسط القول الخرافي والكلم القارصة.

والباحث يجد جواب كثير مما لفقه من المخاريق فيما مر من هذا الجزء من كتابنا، والسائح السني الذي اخبر صاحب المنارعن خطيب ايران لم يولد بعد، ومثله الخطيب الذي كان يهتف بتلك السورة المختلقة في الجمعات، ولا ان الشيعة تقيم لتلك‏السورة المزعومة وزنا، ولا تراها بعين الكتاب العزيز، ولا تجري عليها احكامه، وياليت الرجل راجع مقدمات تفسيرالعلا مة البلاغي آلاء الرحمن ((3-1125)) وما قاله في حق هذه السورة وهو لسان الشيعة وترجمان عقائدهم، ثم كتب ما كتب‏ حولها.

ونحن نرحب بهذا الحجاج الذي يستند فيه الى المبشر النصراني، ومن جهله الشائن عد البابية والبهائية من فرق الشيعة،والشيعة على بكرة ابيها لا تعتقد الا بمروقهم عن الدين، وبكفرهم وضلالهم ونجاستهم، والكتب المؤلفة في دحض‏اباطيلهم لعلماء الشيعة اكثر من ان تحصى، واكثرها مطبوع منشور.

فرية على اهل العراق وايران. وجوابه

2 قال: اختلال العراق دائما انما هو من الارفاض، فقد تهرى اديمهم من سم ضلالهم، ولم يزالوا يفرحون بنكبات ‏المسلمين ‏حتى ‏انهم اتخذوا يوم‏انتصار الروس على المسلمين عيدا سعيدا، واهل ايران زينوا بلادهم يومئذ فرحا وسرورا (ص‏51) ((3-1126)) .

الجواب: عجبا للصلافة! ايحسب هذا الانسان ان البلاد العراقية والايرانية غير مطروقة لاحد؟ او ان اخبارهم لا تصل الى‏غيرهما؟ او ان الاكثرية الشيعية في العراق قد لازمها العمى والصمم عما تفرد برؤيته او سماعه هذا المتقول؟ او انهم‏معدودون من الامم البائدة الذين طحنهم مر الحقب والاعوام؟ فلم يبق لهم من يدافع عن شرفهم، ويناقش الحساب مع‏من يبهتهم، فيسائل هذا المختلق عن اولئك النفر الذين يفرحون بنكبات المسلمين، اهم في عراقنا هذا مجرى الرافدين؟ ام‏يريد قارة لم تكتشف تسمى بهذا الاسم؟ ويعيد عليه هذا السؤال بعينه في ايران.

اما المسلمون القاطنون في تينك المملكتين ومن طرقهما من المستشرقين والسواح والسفراء والموظفين، فلا عهد لهم بهاتيك‏الافراح، والشيعة جمعاء تحترم نفوس المسلمين ودماءهم واعراضهم واموالهم مطلقا من غير فرق بين السني‏والشيعي ،فهي تستاء اذا ما انتابت اي احد منهم نائبة، ولم تقيد الاخوة الاسلامية المنصوص عليها في الكتاب الكريم بالتشيع.ويساءل الرجل ايضا عن تعيين اليوم، اي يوم هو هذا العيد؟ وفي اي شهر هو؟ واي مدينة ازدانت لاجله؟ واي قوم ناؤوابتلك المخزاة؟

لا جواب للرجل، الا الاستناد الى مثل ما استند اليه صاحب الرسالة من سائح سني مجهول او مبشر نصراني.

بغض الشيعة لبعض اهل البيت. وجوابه

3 قال تحت عنوان: بغض الروافض لبعض اهل البيت: ان الروافض كاليهود يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض الى ان قال : ويبغضون كثيرا من اولاد فاطمة رضي اللّه عنها آبل يسبونهم: كزيد بن علي بن الحسين.

وكذا يحيى ابنه، فانهم ايضا يبغضونه.

وكذا ابراهيم وجعفر ابنا موسى الكاظم رضي اللّه عنهم ولقبوا الثاني بالكذاب، مع انه كان من اكابر الاولياء، وعنه‏اخذ ابو يزيد البسطامي.

ويعتقدون ان الحسن بن الحسن المثنى وابنه عبداللّه المحض وابنه محمد الملقب بالنفس الزكية ارتدوا حاشاهم عن دين ‏الاسلام.

وهكذا اعتقدوا في ابراهيم بن عبداللّه،

وزكريا بن محمد الباقر،

ومحمد بن عبداللّه بن الحسين بن الحسن،

ومحمد بن القاسم‏بن الحسن،

ويحيى بن عمر، الذي كان من احفاد زيد بن علي بن الحسين.

وكذلك في جماعة حسنيين وحسينيين كانوا قائلين بامامة زيد بن علي بن الحسين، الى غير ذلك مما لا يسعه المقام،وهم حصروا حبهم بعدد منهم قليل، كل فرقة منهم تخص عددا وتلعن الباقين. هذا حبهم لاهل البيت والمودة في القربى‏ المسؤول عنها (ص‏52 54).

الجواب: هذه سلسلة اوهام حسبها الالوسي حقائق، او انه اراد تشويه سمعة الشيعة ولو باشياء مفتعلة، فذكراحكامابعضها باطل بانتفاء موضوعه، وجملة منها لانها اكاذيب.

اما زيد بن علي الشهيد فقد مر الكلام فيه وفي مقامه وقداسته عند الشيعة جمعاء. راجع (ص‏69 76).

واما يحيى بن زيد الشهيد ابن الشهيد، فحاشا ان يبغضه شيعي وهو ذلك الامامي البطل المجاهد، يروي عن ابيه الطاهر:ان الائمة اثنا عشر، وسماهم باسمائهم وقال: انه عهد معهود عهده الينا رسول اللّه ((3-1127)) . ورثاه شاعر الامامية دعبل الخزاعي‏في تائيته السائرة، وقراها للامام علي بن موسى الرضا (ع).

ولم توجد للشيعة حوله كلمة غمز فضلا عن بغضه، وغاية نظر الشيعة فيه كما في كتاب زيد الشهيد (ص‏175): انه كان‏معترفا بامامة الامام الصادق، حسن العقيدة، متبصرا بالامر، وقد بكى عليه الصادق (ع) واشتد وجده له، وترحم له.فسلام اللّه عليه وعلى روحه الطاهرة.

وفي وسع الباحث ان يستنتج ولاء الشيعة ليحيى بن زيد، مما اخرجه ابو الفرج في مقاتل الطالبيين ((3-1128)) (ص‏62) طبع‏ايران، قال: لما اطلق يحيى بن زيد وفك حديده، صار جماعة من مياسير الشيعة الى الحداد الذي فك قيده من رجله،فسالوه ان يبيعهم اياه، وتنافسوا فيه وتزايدوا حتى بلغ عشرين الف درهم، فخاف ان يشيع خبره فيؤخذ منه المال، فقال‏لهم: اجمعوا ثمنه بينكم. فرضوا بذلك واعطوه المال، فقطعه قطعة قطعة وقسمه بينهم، فاتخذوا منه فصوصا للخواتيم ‏يتبركون بها.

وقد اقرت‏الشيعة هذا في‏ اجيالها المتاخرة وحتى‏اليوم، ولم ينقم ذلك احد منهم.

واما ابراهيم بن موسى الكاظم، فليتني ادري وقومي بغض اي ابراهيم ينسب الينا؟ هل ابراهيم الاكبر احد ائمة الزيدية؟ الذي ظهر باليمن ايام ابي السرايا، والشيعة تروي عن الامام الكاظم انه ادخله في‏وصيته وذكره في مقدم اولاده المذكورين فيها، وقال: «انما اردت بادخال الذين ادخلتهم معه يعني الامام علي بن‏موسى‏ من ولدي، التنويه باسمائهم والتشريف لهم‏» ((3-1129)) . وترجمه شيخنا الاكبر المفيد في الارشاد ((3-1130)) ، بالشيخ الشجاع الكريم، وقال: ولكل واحد من ولد ابي الحسن موسى (ع)فضل ومنقبة مشهورة، وكان الرضا المقدم عليهم في الفضل. وقال سيدنا تاج الدين بن زهرة في غاية الاختصار ((3-1131)) : كان‏سيدا اميرا جليلا نبيلا عالما فاضلا، يروي الحديث عن آبائه:. وفذلكة راي الشيعة فيه ما في تنقيح المقال (1/34 و35): انه في غاية درجة التقوى، وهو خير دين.

ام ابراهيم الاصغر الملقب بالمرتضى؟ والشيعة تراه كبقية الذرية من الشجرة الطيبة، وتتقرب الى اللّه بحبهم. وحكى سيدناالحسن صدر الدين الكاظمي، عن شجرة ابن المهنا: ان ابراهيم الصغير كان عالما عابدا زاهدا، وليس هو صاحب ابي‏السرايا، واني لم اجد لشيعي كلمة غمز فيه لا في كتب الانساب ولا في معاجم الرجال، حتى يستشم منها بغض الشيعة‏اياه، وهذا سيدنا الامين العاملي عدهما من اعيان الشيعة، وترجمهما في الاعيان ((3-1132)) (5/474 482). فنسبة بغض اي منهماالى الشيعة فرية واختلاق.

واما جعفر بن موسى الكاظم، فاني لم اجد في تليف الشيعة بسط القول في ترجمته، ولم اقرا كلمة غمز فيه حتى تكون آية‏بغضهم اياه، ولم ار قط احدا من الشيعة لقبه بالكذاب، ليت المفتري دلنا على من ذكره، او على تاليف يوجد فيه، والشيعة‏انما تلقبه بالخواري وولده بالخواريين والشجريين كما في عمدة الطالب ((3-1133)) (ص‏208). وليتني ادري ممن اخذ عد جعفر من‏اكابر الاولياء؟ ومن الذي ذكر اخذ ابي يزيد البسطامي عنه؟

انما الموجود في المعاجم تلمذ ابي يزيد البسطامي طيفور بن عيسى بن آدم المتوفى (261) على الامام جعفر بن محمدالصادق، وهذا اشتباه من المترجمين كما صرح به المنقبون منهم، اذ الامام الصادق توفي (148) وابو يزيد في (261 264)ولم يعد من المعمرين، ولعله ابو يزيد البسطامي الاكبر طيفور بن عيسى بن شروسان الزاهد ((3-1134)) ، فالرجل خبط خبط‏عشواء في فريته هذه.

واما الحسن بن الحسن المثنى، فهو الذي شهد مشهد الطف مع عمه الامام الطاهر، وجاهد وابلى وارتث بالجراح، فلماارادوا اخذ الرؤوس وجدوا به رمقا، فحمله خاله ابو حسان اسماء بن خارجة الفزاري الى الكوفة وعالجه حتى برئ،ثم‏لحق بالمدينة ((3-1135)) . ويعرب عن عقيدة الشيعة فيه قول شيخهم الاكبر الشيخ المفيد في ارشاده: كان جليلا رئيسا فاضلا ورعا، وكان يلي‏صدقات امير المؤمنين في وقته، وله مع الحجاج خبر ذكره الزبير بن بكار…. وعده العلا مة الحجة السيد محسن الامين العاملي الذي رد عليه الالوسي بكلمته هذه من اعيان الشيعة، وذكر له ترجمة‏ضافية في ((3-1136)) (21/166 184).

فالقول بان الرافضة تعتقد بارتداده عن دين الاسلام قذف بفرية مقذعة تندى منها جبهة الانسانية.

اما عبداللّه المحض ابن الحسن المثنى فقد عده شيخ الشيعة ابو جعفر الطوسي في رجاله ((3-1137)) من اصحاب الصادق (ع)،وزاد ابن داود ((3-1138)) الباقر (ع). وقال جمال الدين بن المهنا في العمدة ((3-1139)) (ص‏87): كان يشبه رسول اللّه، وكان شيخ بني هاشم في‏زمانه، يتولى صدقات‏امير المؤمنين بعد ابيه الحسن.

والاحاديث في مدحه وذمه، وان تضاربت غير ان غاية نظر الشيعة فيها ما اختاره سيد الطائفة السيد ابن طاووس في‏اقباله ((3-1140)) (ص‏51) من صلاحه، وحسن عقيدته، وقبوله امامة الصادق (ع)، وذكر من اصل صحيح كتابا للامام الصادق‏وصف فيه عبداللّه بالعبد الصالح ودعا له ولبني عمه بالاجر والسعادة، ثم قال: وهذا يدل على ان الجماعة المحمولين يعني عبداللّه واصحابه الحسنيين كانوا عند مولانا الصادق معذورين وممدوحين‏ومظلومين، وبحقه عارفين، وقد يوجد في الكتب انهم كانوا للصادقين(ع) مفارقين، وذلك محتمل للتقية لئلا ينسب‏اظهارهم لانكار المنكر الى الائمة الطاهرين، ومما يدلك على انهم كانوا عارفين بالحق وبه شاهدين ما رويناه. وقال بعدذكر السند وانهائه الى الصادق: ثم بكى (ع) حتى علا صوته وبكينا، ثم قال: حدثني ابي، عن فاطمة بنت الحسين، عن‏ابيها انه قال: يقتل‏منك او يصاب نفر بشطالفرات، ما سبقهم‏الاولون ولايعدلهم الاخرون‏». ثم قال:

اقول : وهذه شهادة صريحة من طرق صحيحة بمدح الماخوذين من بني الحسن عليه وعليهم السلام وانهم مضوا الى‏اللّه جل جلاله بشرف المقام، والظفر بالسعادة والاكرام.

ثم ذكر احاديث تدل على حسن اعتقاد عبداللّه بن الحسن ومن كان معه من الحسنيين، فقال: اقول: فهل تراهم الا عارفين‏بالهدى وبالحق اليقين، وللّه متقين؟ انتهى.

فانت عندئذ جد عليم بان نسبة القول بردته وردة بقية الحسنيين الى الشيعة بعيدة عن مستوى الصدق.

واما محمد بن عبداللّه بن الحسن الملقب بالنفس الزكية، فعده الشيخ ابو جعفر الطوسي في رجاله من اصحاب الصادق(ع)، وقال ابن المهنا في عمدة الطالب ((3-1141)) (ص‏91): قتل باحجار الزيت، وكان ذلك مصداق تلقيبه النفس الزكية، لانه روي‏عن رسول اللّه(ص) انه قال: «تقتل باحجار الزيت من ولدي نفس زكية‏».

وذكر سيدنا ابن طاووس في الاقبال ((3-1142)) (ص‏53)، تفصيلا برهن فيه على حسن عقيدته، وانه خرج للامر بالمعروف‏والنهي عن المنكر، وانه كان يعلم بقتله ويخبر به، ثم قال: كل ذلك يكشف عن تمسكهم باللّه والرسول (ص).

هذا راي ‏الشيعة في‏ النفس ‏الزكية، وهم مخبتون ‏الى ‏ما في ‏مقاتل ‏الطالبيين ((3-1143)) (ص‏85) من انه افضل اهل بيته، واكبر اهل زمانه‏في علمه بكتاب اللّه وحفظه له، وفقهه في الدين، وشجاعته، وجوده، وباسه، والامامية حاشاهم عن قذفه بالردة عن‏الدين، والمفتري عليهم به قد احتمل بهتانا واثما مبينا.

واما ابراهيم بن عبداللّه قتيل باخمرى المكنى بابي الحسن، فعده شيخ الطائفة ((3-1144)) من رجال الصادق، وقال جمال الدين بن‏المهنا في العمدة ((3-1145)) (ص‏95): كان من كبار العلماء في فنون كثيرة. وذكره دعبل الخزاعي شاعر الشيعة في تائيته المشهورة ب‏ مدارس آيات التي رثى بها شهداء الذرية الطاهرة بقوله:

قبور بكوفان واخرى بطيبة / واخرى بفخ نالها صلواتي

واخرى بارض الجوزجان محلها / وقبر بباخمرى لدى الغربات

فلولا شهرة ابراهيم عند الشيعة بالصلاح وحسن العقيدة، واستيائهم بقتله، وكونه مرضيا عند ائمتهم صلوات اللّه عليهم‏ لم يرثه دعبل ولم يقرا رثاءه للامام علي بن موسى سلام‏اللّه عليه . ونحن نقول بما قال‏ابو الفرج في‏المقاتل ((3-1146)) (ص‏112): كان ابراهيم جاريا على شاكلة اخيه محمد في الدين والعلم والشجاعة والشدة. وعده السيد الامين العاملي من‏اعيان الشيعة، وبسط القول في ترجمته ((3-1147)) (5/308 324). فنسبة القول بردته عن الدين الى الشيعة بهتان عظيم.

واما زكريا بن محمد الباقر، فانه لم يولد بعد، وهو من مخلوقات عالم اوهام الالوسي، اذ مجموع اولاد ابي جعفر محمد الباقر(ع) الذكور ستة باتفاق الفريقين، ولم نجد فيما وقفنا عليه من تليف العامة والخاصة غيرهم، وهم: جعفر، عبداللّه، ابراهيم،علي، زيد، عبيداللّه ((3-1148)) . فنسبة القول بردة زكريا الى الشيعة باطلة بانتفاء الموضوع.

واما محمد بن عبداللّه بن الحسين بن الحسن، فان كان يريد حفيد الحسين الاثرم ابن الامام المجتبى، فلم يذكر النسابة فيه‏الا قولهم: انقرض عقبه سريعا، ولم يسموا له ولدا ولا حفيدا. وان اراد غيره فلم نجد في كتب الانساب له ذكرا،حتى‏تكفره الشيعة او تؤمن به، ولم نجد في الامامية من يكفر شخصا يسمى بهذا الاسم حسنيا كان او حسينيا.

واما محمد بن القاسم بن الحسن، فهو ابن زيد بن الحسن بن علي بن ابي طالب (ع) يلقب بالبطحاني ((3-1149)) ، عده شيخ‏الطائفة في رجاله ((3-1150)) من اصحاب الصادق سلام اللّه عليه ، وقال جمال الدين بن المهنا في العمدة ((3-1151)) (ص‏57): كان‏محمد البطحاني فقيها. ولم نجد لشيعي كلمة غمز فيه حتى تكون شاهدا للفرية المعزوة الى الشيعة.

اما يحيى بن عمر فهو ابو الحسين يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد ابن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب آسلام اللّه عليهم ، احد ائمة الزيدية، فحسبك في الاعراب عن راي الشيعة فيه ما في عمدة الطالب لابن المهنا ((3-1152)) (ص‏263) من قوله: خرج‏ بالكوفة داعيا الى‏الرضا من آل‏محمد، وكان من‏ازهد الناس، وكان مثقل الظهر بالطالبيات يجهدنفسه في برهن الى ان قال : فحاربه محمد بن عبداللّه ابن طاهر، فقتل، وحمل راسه الى سامراء، ولما حمل راسه الى‏محمدبن عبداللّه بن طاهر جلس بالكوفة للهنا (كذا)، فدخل عليه ابو هاشم داود بن القاسم الجعفري وقال: انك لتهنا بقتيل لوكان رسول اللّه (ص) حيا لعزي فيه ((3-1153)) ، فخرج وهو يقول:

يا بني طاهر كلوه مريئا / ان لحم النبي غير مري

ان وترا يكون طالبه اللـ / ـه لوتر بالفوت غير حري

ورثاه جمع من شعراء الشيعة الفطاحل منهم: ابو العباس ابن الرومي، رثاه بقصيدتين احداهما ذات (110) ابيات توجد في‏عمدة الطالب ((3-1154)) (ص‏220) مطلعها:

امامك فانظر اي نهجيك تنهج / طريقان شتى مستقيم واعوج

وجيمية اخرى اولها:

حييت ربع الصبا والخرد الدعج / الانسات ذوات الدل والغنج

ومنهم: ابو الحسين علي بن محمد الحماني الافوه، رثاه بشعر كثير مرت جملة منه في هذا الجزء (ص‏61، 62).

هذا صحيح راي الشيعة في هؤلاء السادة الائمة، ولم تقل الشيعة ولا تقول ولن تقول بارتداد احد منهم عن الدين ولابارتداد الحسنيين والحسينيين القائلين بامامة زيد بن علي بن الحسين المنعقدة على الرضا من آل محمد سلام اللّه عليهم. (كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا).

جنايات على جملة من العلويين

ونحن نسائل الرجل عن هؤلاء الذين يدافع عن شرفهم وجلالتهم، من ذا الذي قتلهم، واستاصل شافتهم، وحبسهم في‏غيابة الجب واعماق السجون؟ اهم الشيعة الذين اتهمهم بالقول بردتهم؟ ام قومه الذين يزعم انهم يعظمونهم؟ هلم معي واقرا صفحة التاريخ، فهو نعم المجيب.

اما زيد الشهيد، فعرفناك قاتله وقاطع راسه (ص‏75).

واما يحيى بن زيد، فقتله الوليد بن يزيد بن عبدالملك سنة (125)، وقاتله سلم بن‏احوزالهلالي، وجهز اليه‏الجيش نصر بن‏سيار، ورماه عيسى مولى عيسى ابن سليمان العنزي وسلبه ((3-1155)) .

والحسن بن الحسن المثنى، كتب‏الوليد بن عبدالملك الى عامله عثمان بن حيان المري: انظر الى الحسن بن الحسن فاجلده‏مائة ضربة، وقفه للناس يوما، ولا اراني الا قاتله، فلما وصله الكتاب، بعث اليه فجي‏ء به والخصوم بين يديه فعلمه‏علي‏بن الحسين(ع)بكلمات‏الفرج، ففرج‏اللّه عنه وخلوا سبيله ((3-1156)) . فخاف‏الحسن سطوة بني‏امية فاخفى نفسه، وبقي‏مختفياالى‏ان دس اليه‏السم سليمان بن عبدالملك وقتله سنة(97) ((3-1157)) .

وعبداللّه المحض، كان المنصور يسميه عبداللّه المذلة، قتله في حبسه بالهاشمية سنة (145) لما حبسه مع تسعة عشر من ولدالحسن ثلاث سنين، وقد غيرت السياط لون احدهم واسالت دمه، واصاب سوط احدى عينيه فسالت، وكان يستسقي‏الماء فلا يسقى، فردم عليهم الحبس فماتوا ((3-1158)) . وفي تاريخ اليعقوبي ((3-1159)) (3/106): انهم وجدوا مسمرين في الحيطان.

ومحمد بن عبداللّه النفس الزكية، قتله حميد بن‏قحطبة سنة(145)،وجاء براسه الى عيسى بن موسى، وحمله الى‏ابي‏جعفرالمنصور فنصبه بالكوفة، وطاف به ‏البلاد ((3-1160)) .

واما ابراهيم بن عبداللّه، فندب المنصور عيسى بن موسى من المدينة الى قتاله، فقاتل بباخمرى حتى قتل سنة (145)،وجي‏ء براسه الى المنصور فوضعه بين يديه، وامر به فنصب في السوق، ثم قال للربيع: احمله الى ابيه عبداللّه في السجن،فحمله اليه ((3-1161)) . وقال النسابة العمري في المجدي ((3-1162)) : ثم حمل ابن ابي الكرام الجعفري راسه الى مصر.

ويحيى بن عمر، امر به المتوكل فضرب دررا، ثم حبسه في دار الفتح بن خاقان، فمكث على ذلك ثم اطلق، فمضى الى ‏بغداد،فلم يزل بها حتى خرج الى الكوفة في ايام المستعين، فدعا الى الرضا من آل محمد، فوجه المستعين رجلا يقال له:كلكاتكين، ووجه محمد بن عبداللّه بن طاهر بالحسين بن اسماعيل، فاقتتلوا حتى قتل سنة (250) وحمل راسه الى محمد بن‏عبداللّه فوضع بين يديه في ترس، ودخل الناس يهنونه، ثم امر بحمل راسه الى المستعين من غد ((3-1163)) .

دعوى صحة جميع ما في الكتب الاربعة عندالشيعة. وجوابها

4 قال: ان الروافض زعموا ان اصح كتبهم اربعة: الكافي، وفقه من لا يحضره الفقيه، والتهذيب، والاستبصار. وقالوا: ان‏العمل بما في الكتب الاربعة من الاخبار واجب، وكذا بما رواه الامامي ودونه اصحاب الاخبار منهم، ونص عليه المرتضى،وابو جعفر الطوسي، وفخر الدين الملقب عندهم بالمحقق المحلي ((3-1164)) (ص‏55).

الجواب: تعتقد الشيعة ان هذه الكتب الاربعة اوثق كتب الحديث، واما وجوب العمل بما فيها من الاخبار، او بكل ما رواه‏امامي ودونه اصحاب الاخبار منهم فلم يقل به احد، وعلم الهدى المرتضى، وشيخ الطائفة ابو جعفر، ونجم الدين المحقق‏الحلي ابرياء مما قذفهم به، وهذه كتبهم بين ايدينا لا يوجد في اي منها هذا البهتان العظيم، واهل البيت ادرى بما فيه.

ويشهد لذلك رد علماء الشيعة لفريق مما روي من احاديثهم لطعن في اسناد او مناقشة في المتن، ويشهد لذلك تنويعهم‏الاخبار على اقسام اربعة: الصحيح، الحسن، الموثق، الضعيف، منذ عهد العلمين جمال الدين السيد احمد بن طاووس‏ الحسني وتلميذه آية اللّه العلامة الحلي.

وليت الرجل يقف على شروح هذه الكتب، وفي مقدمها مرآة العقول شرح الكافي للعلا مة المجلسي، ويشاهده كيف يحكم‏في كل سند بما يؤدي اليه اجتهاده من اقسام الحديث. او كان يراجع الجزء الثالث من المستدرك للعلم الحجة النوري، حتى‏يرشده الى الحق، ويعلمه الصواب، وينهاه عن التقول على امة كبيرة الشيعة بلا علم وبصيرة في امرها.

ثم زيف الكتب الاربعة المذكورة بما فيها من الاحاد، واشتمال بعض اسانيدها على رجال قذفهم باشياء هم برآء منها،وآخرين لا يقدح انحرافهم المذهبي في ثقتهم في الرواية، واحاديث هؤلاء من النوع الذي تسميه الشيعة بالموثق، وهناك‏اناس يرمون بالضعف لكن خصوص رواياتهم تلك مكتنفة بامارات الصحة، وعلى هذا عمل المحدثون من اهل السنة‏والشيعة في مدوناتهم الحديثية، فالرجل جاهل بدراية الحديث وفنونه، او راقه ان يتجاهل حتى يتحامل بالوقيعة، ولوراجع مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر، وشرحه للقسطلاني، وشرحه للعيني، وشرح مسلم‏للنووي وامثالها، لوجد فيها ما يشفي غلته، وكف عن نشر الاباطيل مدته ((3-1165)) .

قذف شيخنا الصدوق، ومعلم البشر المفيد، والفرية‏عليهما. وجوابه

5 قال: يروي الطوسي عن ابن المعلم وهو يروي عن ابن مابويه الكذوب صاحب الرقعة المزورة، ويروي عن المرتضى‏ايضا. وقد طلبا العلم معا وقرآ على شيخهما محمد بن النعمان، وهو اكذب من مسيلمة الكذاب، وقد جوز الكذب لنصرة‏المذهب (ص‏57).

الجواب: ان صاحب التوقيع الذي حسبه الرجل رقعة مزورة، هو علي بن الحسين بن موسى بن بابويه بالبائين‏الموحدتين لا المصدرة بالميم وهو الصدوق الاول: توفي (329) قبل مولد الشيخ المفيد ابن المعلم بسبع او تسع سنين، فانه‏ولد سنة (336، 338) فليس من الممكن روايته عنه، نعم له رواية عن ولده الصدوق ابي جعفر محمد بن علي وليس‏هو صاحب التوقيع.

وليتني علمت من ذا الذي اخبر الالوسي بان شيخ الامة المفيد المدفون في رواق الامامين الجوادين صاحب القبة والمقام‏المكين اكذب من مسيلمة الكذاب الكافر باللّه؟

ما اجراه على هذه القارصة الموبقة، وكيف احفه ((3-1166)) ؟! وهذا اليافعي يعرفه في مرآته (3/28) بقوله: كان عالم الشيعة وامام‏الرافضة، صاحب التصانيف الكثيرة، شيخهم المعروف بالمفيد وبابن المعلم ايضا، البارع في الكلام والجدل والفقه، وكان‏يناظر اهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية، وقال ابن ابي ط‏ي: كان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثيرالصلاة والصوم، خشن اللباس.

وقول ابن كثير في تاريخه ((3-1167)) (12/15): كان مجلسه يحضره كثير من العلماء من سائر الطوائف، ينم عن انه شيخ الامة‏الاسلامية لا الامامية فحسب، فيجب اكباره على اي معتنق للدين.

اهكذا ادب العلم والدين؟ افي الشريعة والاخلاق مساغ للنيل من اعراض العلماء والوقيعة فيهم والتحامل عليهم بمثل‏هذه القارصة؟ افي ناموس الاسلام ما يستباح به ان يحط بمسلم الى حضيض يكون اخفض من الكافر كلما شجر الخلاف‏واحتدم البغضاء؟ فضلا عن مثل الشيخ المفيد الذي هو من عمد الدين واعلامه، ومن دعاة الحق وانصاره، وهو الذي‏اسس مجد العراق العلمي وايقظ شعور اهليها، وماذا عليه؟ غير انه عرف المعروف الذي انكره الالوسي، وتسنم ذروة‏العلم والعمل التي تقاعس عنها المتهجم.

وليته اشار الى المصدر الذي اخذ عنه نسبة تجويز الكذب لنصرة المذهب الى الشيخ المفيد من كتبه او كتب غيره، او اسنادمتصل اليه. اما مؤلفاته فكلها خالية عن هذه الشائنة، ولا نسبها اليه احد من علمائنا، واما الاسناد فلا تجد احدااسنده اليه‏متصلا كان او مرسلا، فالنسبة غير صحيحة، وتعكير الصفو بالنسب المفتعلة ليس من شان المسلم الامي فضلا عن‏ مدعي العلم.

تعبد الامامية بالرقاع. وجوابها

6 قال تحت عنوان تعبد الامامية بالرقاع الصادرة من المهدي المنتظر: نعم، انهم اخذوا غالب مذهبهم كما اعترفوا من‏الرقاع المزورة التي لا يشك عاقل في انها افتراء على اللّه، والعجب من الروافض انهم سموا صاحب الرقاع بالصدوق وهوالكذوب، بل انه عن الدين المبين بمعزل.

كان يزعم انه يكتب مسالة في رقعة فيضعها في ثقب شجرة ليلا، فيكتب الجواب عنها المهدي صاحب الزمان بزعمهم،فهذه الرقاع عند الرافضة من اقوى دلائلهم واوثق حججهم، فتبا… .

واعلم ان الرقاع كثيرة منها: رقعة علي بن الحسين بن موسى بن مابويه القمي، فانه كان يظهر رقعة بخط الصاحب في‏جواب سؤاله، ويزعم انه كاتب ابا القاسم بن ابي الحسين بن روح احد السفرة على يد علي بن جعفر بن الاسود، ان‏يوصل له رقعته الى الصاحب اي المهدي وارسل اليه رقعة زعم انها جواب صاحب الامر له.

ومنها: رقاع محمد بن عبداللّه بن جعفر بن حسين بن جامع بن مالك الحريري ابو جعفر القمي، كاتب صاحب الامر ساله‏مسائل في ابواب الشريعة قال: قال لنا احمد بن الحسين: وقفت على هذه المسائل من اصلها والتوقيعات بين السطور. ذكرتلك الاجوبة محمد بن الحسن الطوسي في كتابه الغيبة ((3-1168)) ، وكتاب الاحتجاج ((3-1169)) .

والتوقيعات خطوط الائمة بزعمهم في جواب مسائل الشيعة، وقد رجحوا التوقيع على المروي باسناد صحيح لدى‏التعارض، قال ابن مابويه في الفقه بعد ذكر التوقيعات الواردة من الناحية المقدسة في باب الرجل يوصي الى الرجلين :هذا التوقيع عندي بخط ابي محمد بن الحسن بن علي، وفي الكافي للكليني رواية بخلاف ذلك التوقيع عن الصادق، ثم قال:لا افتي بهذا الحديث بل افتي بما عندي من خط الحسن بن علي.

ومنها: رقاع ابي العباس جعفر بن عبداللّه بن جعفر الحميري القمي.

ومنها: رقاع اخيه الحسين ورقاع اخيه احمد.

وابو العباس هذا قد جمع كتابا في الاخبار المروية عنه وسماه قرب الاسناد الى صاحب الامر.

ومنها: رقاع علي بن سليمان بن الحسين بن الجهم بن بكير بن اعين ابو الحسن الرازي، فانه كان يدعي المكاتبة ايضاويظهرالرقاع.

هذه نبذة مما بنوا عليه احكامهم ودانوا به، وهي نغبة من داماء ((3-1170)) ، وقد تبين بها حال دعوى الرافضي في تلقي دينهم عن‏العترة… (ص‏58، 61).

الجواب: كان حقا على الرجل نهي جمال الدين القاسمي عن ان يظهر كتابه الى غيره، كما كان على‏السيد محمدرشيدرضا ان‏يحرج على الشيعة بل اهل النصفة من قومه ايضا ان يقفوا على رسالته، اذ الاباطيل المبثوثة في طيهما تكشف عن السواة،وتشوه السمعة، ولا تخفى على اي مثقف، ولا يسترها ذيل العصبية، ولا تصلحها فكرة المدافع عنها، مهما كان القارئ‏شريف النفس، حرا في فكرته وشعوره.

كيف يخفى على الباحث ان الامامية لا تتعبد بالرقاع الصادرة من المهدي المنتظر؟ وكلام الرجل ومن لف لفه كما ياتي عن‏القصيمي في الصراع بين الاسلام والوثنية اوضح ما هناك من السر المستسر في عدم تعبدهم بها، وعدم ذكر المحامدة‏الثلاثة ((3-1171)) مؤلفي الكتب الاربعة التي هي عمدة مراجع الشيعة الامامية في تلكم التليف شيئا من الرقاع والتوقيعات‏الصادرة من الناحية المقدسة، وهذا يوقظ شعور الباحث الى ان مشايخ الامامية الثلاثة كانوا عارفين بما يؤول اليه امرالامة من البهرجة وانكار وجود الحجة، فكانهم كانوا منهيين عن ذكر تلك الاثار الصادرة من الناحية الشريفة في تليفهم‏مع انهم هم رواتها وحملتها الى الامة، وذلك لئلا يخرج مذهب العترة عن الجعفرية الصادقة الى المهدوية، حتى لايبقى‏لرجال العصبية العمياء مجال للقول بان مذهب الامامية ماخوذ من الامام الغائب الذي لا وجود له في مزعمتهم،وانهم يتعبدون بالرقاع المزورة في حسبانهم، وهذا سر من اسرار الامامة يؤكد الثقة بالكتب الاربعة والاعتماد عليها.

هذا ثقة الاسلام الكليني، مع ان بيئته بغداد تجمع بينه وبين سفراء الحجة المنتظر الاربعة، ويجمعهم عصر واحد، وقد توفي‏في الغيبة الصغرى سنة (329)، والف كتابه خلال عشرين سنة، تراه لم يذكر قط شيئا من توقيعات الامام المنتظر في كتابه‏الكافي الحافل المشتمل على ستة عشر الف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثا، مع ان غير واحد من تلك التوقيعات‏يروى من طرقه، وهو يذكر في كتابه كثيرا من توقيعات بقية الائمة من اهل بيت العصمة سلام اللّه عليهم.

وهذا ابو جعفر بن بابويه الصدوق، مع روايته عدة من تلك الرقاع الكريمة في تاليفه اكمال الدين وعقده لها بابافيه ((3-1172)) (ص‏266)، لم يذكر شيئا منها في كتابه الحافل من لا يحضره الفقيه.

نعم، في موضع واحد منه على ما وقفت يذكر حديثا في مقام الاعتضاد من دون ذكر وتسمية للامام (ع)، وذلك‏في ((3-1173)) (2/41) طبع لكهنو، قال: الخبر الذي روي فيمن افطر يوما من شهر رمضان متعمدا ان عليه ثلاث كفارات، فاني‏افتي به فيمن افطر بجماع محرم عليه او بطعام محرم عليه، لوجود ذلك في روايات ابي الحسين الاسدي (رضى‏ ا… عنه) فيماورد عليه من الشيخ ابي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس اللّه روحه.

وبعدهما شيخ الطائفة ابو جعفر الطوسي، فانه مع روايته توقيعات الاحكام الصادرة من الناحية المقدسة الى محمد بن‏عبداللّه بن جعفر الحميري في كتاب الغيبة ((3-1174)) (ص‏184 214 و 243 258)، لم يورد شيئا منها في كتابيه التهذيب‏والاستبصار اللذين يعدان من الكتب الاربعة عمد مصادر الاحكام.

الا تراهم اجمعوا على رواية توقيع اسحاق بن يعقوب عن الناحية المقدسة، ورواه ابو جعفر الصدوق عن ابي جعفرالكليني في الاكمال ((3-1175)) (ص‏266)، والشيخ ابو جعفر الطوسي باسناده عن الكليني ايضا في كتاب الغيبة ((3-1176)) (ص‏188)،وفيه احكام مسائل ثلاث عنونوها في كتبهم الاربعة، واستدلوا عليها بغير هذا التوقيع، وليس فيها منه عين ولا اثر الا وهي:

حرمة الفقاع تحليل الخمس‏ ثمن المغنية

1 حرمة الفقاع عنونها الكليني في الكافي (2/197)، والشيخ في التهذيب (2/313)، وفي الاستبصار (2/245)، وتوجد في الفقيه (3/217،361)، ولها عنوان في الوافي جمع الكتب الاربعة في الجزء الحادي عشر (ص‏88)، وتوجد من ادلة الباب خمسة توقيعات‏للامامين: ابي الحسن الرضا وابي جعفر الثاني. وليس فيها عن التوقيع المهدوي ذكر ((3-1177)) .

2 تحليل الخمس للشيعة عنونها الكليني في الكافي (1/425)، والشيخ في التهذيب (1/256 259) والاستبصار في الجزء الثاني (ص‏33 36)،وذكرها الصدوق في الفقيه في الجزء الثاني(ص‏14)، وهي معنونة في الوافي الجزء السادس (ص‏45 48)، ومن ادلة الباب‏مكاتبة الامامين: ابي الحسن الرضا وابي جعفر الجواد (ع). وليس فيها ذكر عن توقيع الحجة ((3-1178)) .

3 ثمن المغنية المسالة معنونة في‏الكافي (1/361)، وفي التهذيب (2/107)، وفي الاستبصار(2/36)، وتوجد في الفقيه (3/53)، وهي معنونة في‏جمعها الوافي في الجزء العاشر (ص‏32). ولا يوجد فيها ايعاز الى توقيع الامام المنتظر ((3-1179)) .

فكلمة الالوسي هذه ارشدتنا الى جانب مهم، وعرفتنا بذلك السر المكتوم، وارتنا ما هناك من حكمة صفح المشايخ عن‏تلكم الاحاديث الصادرة من الامام المنتظر وهي بين ايديهم وامام اعينهم. فانت جد عليم بانه لو كان هناك شي‏ء مذكورمنها في تلكم الاصول المدونة، لكان باب الطعن على المذهب الحق الامامية مفتوحا بمصراعيه، ولكان تطول عليهم‏السنة المتقولين، ويكثر عليهم الهوس والهياج ممن يروقه الوقيعة فيهم والتحامل عليهم.

اذن فهلم معي نسائل الرجل عن همزه ولمزه بمخاريقه، وتقولاته وتحكماته وتحرشه بالوقيعة، نسائله متى اخذت الامامية‏غالب مذهبهم من الرقاع وتعبدوا بها؟ ومن الذي اعترف منهم بذلك؟ وانى هو؟ وفي اي تاليف اعترف؟ ام باي راو ثبت ‏عنده ذلك؟

وانى للصدوق رقاع؟ ومتى‏كتبها؟ واين رواها؟ ومن ذا الذي نسبها اليه؟ وقد جهل‏الرجل بان صاحب‏الرقعة هووالده‏الذي ذكره بقوله: منها رقعة علي بن‏الحسين. وما المسوغ لتكفيره وهو من حملة علم القرآن والسنة النبوية، ومن الهداة الى الحق ومعالم الدين؟ دع هذه كلها ولا اقل‏من انه مسلم يتشهد بالشهادتين، ويؤمن باللّه ورسوله والكتاب الذي انزل اليه واليوم الاخر، اهكذا قرر ادب الدين، ادب‏العلم، ادب العفة، ادب الكتاب، ادب السنة؟ ام تامره به احلامه؟ ابهذا السباب المقذع، والتحرش بالبذاء والقذف يتاتى‏الصالح العام وتسعد الامة الاسلامية وتجد رشدها وهداها؟

ثم من الذي اخبره عن مزعمة الصدوق بنيل حاجته من ثقب الاشجار؟ والصدوق متى سال؟ وعماذا سال؟ حتى يكتب‏ويضع في ثقب شجرة او غيرها ليلا او نهارا ويجد جوابه فيها، ومن الذي روى عنه تلك الاسئلة؟ ومن راى اجوبتها؟ومن حكاها؟ ومتى ثبتت عند الرافضة حتى تكون من اقوى دلائلهم واوثق حججهم؟ نعم: فتبا….

وليتني اقف وقومي على تلك الرقاع الكثيرة وقد جمعها العلا مة المجلسي في المجلد الثالث عشر من البحار ((3-1180)) في اثنتي‏عشرة صحيفة من (ص‏237 249) والتي ترجع منها الى الاحكام انما تعد بالاحاد ولا تبلغ حد العشرات، فهل مستندتعبد الامامية من بدء الفقه الى غايته هذه الصحائف المعدودة؟ ام يحق ان تكون تلك المعدودة بالاحاد هي ماخذ غالب‏مذهبهم؟ انا لا ادري لكن القارئ يدري، (انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات اللّه) ((3-1181)) .

وليته كان يذكر رقعة علي بن الحسين بن بابويه بنصها، حتى تعرف الامة انها رقعة واحدة ليست الا ، وليس فيها ذكر من‏الاحكام حتى تتعبد بها الامامية، واليك لفظها برواية الشيخ في كتاب الغيبة ((3-1182)) :

كتب علي بن الحسين الى الشيخ ابي القاسم حسين بن روح على يد علي بن جعفر، ان يسال مولانا الصاحب ان يرزقه‏اولادا فقهاء. فجاء الجواب: «انك لا ترزق من هذه وستملك جارية ديلمية وترزق منها ولدين فقيهين‏» ((3-1183)) . اترى هذه الرقعة مما يؤخذ منه المذهب؟ او فيها مسة بالتعبد؟

واما رقاع محمد بن عبداللّه بن جعفر الحميري التي توجدفي كتابي الغيبة ((3-1184)) والاحتجاج ((3-1185)) ، فليست هي الا رقاعا اربعا، ذكر الشيخ في الغيبة منها اثنتين في (ص‏244 250)تحتوي احداهما تسع مسائل والاخرى خمسة عشر سؤالا، وزادهما الطبرسي في الاحتجاج رقعتين، ولو كان المفتري‏منصفا لكان يشعر بان عدم ادخال الشيخ هذه المسائل في كتابيه التهذيب والاستبصار انما هو لدحض هذه الشبهة وقطع‏هذه المزعمة.

وقد خفي على الرجل ان كتاب الاحتجاج ليس من تليف الشيخ الطوسي محمد بن الحسن، وانما هو للشيخ ابي منصوراحمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي.

وفي قوله: والتوقيعات…، جناية كبيرة وتمويه وتدجيل، فانه بعدما ادعى على الامامية ترجيح التوقيع على‏المروي‏بالاسناد الصحيح لدى التعارض، استدل عليه بقوله: قال ابن مابويه في الفقه بعد ذكر التوقيعات الواردة من‏الناحية المقدسة في باب الرجل يوصي الى رجل: هذا التوقيع عندي بخط ابي محمد بن الحسن بن علي ،… .

فانك لا تجد في الباب المذكور من الفقيه توقيعا واحدا ورد من الناحية المقدسة فضلا عن التوقيعات، وانما ذكر في اول‏الباب توقيعا واحدا عن الامام ابي محمد الحسن العسكري، وقد جعله الرجل ابا محمد بن الحسن ليوافق فريته، ذاهلاعن‏ان كنية الامام الغائب ابو القاسم لا ابو محمد، فلا صلة بما هناك لدعوى الرجل اصلا ، وها نحن نذكر عبارة الفقيه ‏حتى ‏يتبين الرشد من الغي.

قال في الجزء الثالث ((3-1186)) (ص‏275) باب الرجلين يوصى اليهما فينفرد كل واحد منهما بنصف التركة: كتب محمد بن الحسن الصفار (رضى‏ا… عنه) الى ابي محمد الحسن بن علي (ع): رجل اوصى الى رجلين ايجوز لاحدهماان ينفرد بنصف التركة والاخر بالنصف؟ فوقع (ع): «لا ينبغي لهما ان يخالفا الميت، ويعملان على حسب ما امرهما ان‏شاء اللّه». وهذا التوقيع عندي بخطه (ع).

وفي كتاب محمد بن يعقوب الكليني، ((3-1187)) عن احمد بن محمد، عن علي بن الحسن الميثمي، عن اخويه محمد واحمد، عن‏ابيهما، عن داود بن ابي يزيد، عن بريد ابن معاوية، قال: ان رجلا مات واوصى الى رجلين، فقال احدهما لصاحبه: خذنصف ما ترك واعطني النصف مما ترك. فابى عليه الاخر، فسالوا ابا عبداللّه (ع) عن ذلك فقال: «ذاك له‏». قال مصنف‏هذا الكتاب، ((3-1188)) : لست افتي بهذا الحديث، بل افتي بما عندي بخط الحسن بن علي (ع). انتهى. اقرا واحكم.

واما رقاع ابي العباس والحسين واحمد وعلي، فانها لم توجد قط في مصادر الشيعة، ولايذكر منها شي‏ء في‏ اصول‏ الاحكام، ومراجع الفقه الامامية، ولعمري لو كان المفتري يجد فيها شيئا منها لاعرب عنه بصراحة.

وابو العباس هو كنية عبداللّه بن جعفر الحميري وهو صاحب قرب الاسناد لا جعفر بن عبداللّه كما حسبه المغفل، وانماجعفر ومحمد الذي ذكره قبل ولم يعرفه والحسين واحمد اخوان اربعة اولاد ابي العباس المذكور، ولم ير في كتب الشيعة‏برمتها لغير محمد بن عبداللّه المذكور اثر من الرقاع المنسوبة اليهم، ولم يحفظ التاريخ لهم غير كلمة المؤلفين في تراجمهم:ان‏لهم مكاتبة. هذه حال الرقاع عند الشيعة وبطلان نسبة ابتناء احكامهم عليها.

وهناك اغلاط للرجل في كلمته هذه تكشف عن جهله المطبق واليك ما يلي:

موسى بن مابويه في غير موضع والصحيح: موسى بن بابويه.

ابا القاسم بن ابي الحسين‏ والصحيح: اباالقاسم الحسين

مالك الحريري. الفقه ‏والصحيح: مالك الحميري. الفقيه

ابي العباس جعفر بن عبداللّه والصحيح: ابي العباس عبداللّه

سليمان بن الحسين ‏والصحيح: سليمان بن الحسن

ابو الحسن الرازي ‏والصحيح: ابو الحسن الزراري

عجبا للرجل حين جاء ينسب وينقد ويرد ويفند، وهو لا يعرف شيئا من عقائد القوم وتعاليم مذهبهم ومصادر احكامهم‏وبرهنة عقائدهم، ولا يعرف الرجال واسماءهم، ويجهل الكتب ونسبها، ولا يفرق بين والد ولا ولد، ولا بين مولود وبين‏من لم يولد بعد، ولو كان يروقه صيانة ماء وجهه لكف القلم فهو استر لعورته.

افائك على الشيعة. وجوابها

7 ذكر في (ص‏64، 65) عدة من عقائد الشيعة، جملة منها مكذوبة عليهم: كشتمهم جمهور اصحاب رسول اللّه، وحكمهم‏بارتدادهم الا العدد اليسير، وقولهم: بان الائمة يوحى اليهم ((3-1189)) ، وان موت الائمة باختيارهم، وانهم اعتقدوا بتحريف‏القرآن ونقصانه، وانهم يقولون: بان الحجة المنتظر اذا ذكر في مجلس حضر فيقومون له ((3-1190)) ، وانكارهم كثيرا من‏ ضروريات الدين.

قال الاميني: نعم، الشيعة لا يحكمون بعدالة الصحابة اجمع، ولا يقولون الا بما جاء فيهم في الكتاب والسنة، وسنوقفك‏على‏تفصيله في النقد على كتاب الصراع بين الاسلام والوثنية. واما بقية المذكورات فكلها تحامل ومكابرة بالافك، ثم جاءبكلمة عوراء وقارصة شوهاء، الا وهي قوله في (ص‏65، 66):

وما تكلم يعني السيد محسن الامين به في المتعة يكفي لاثبات ضلالهم، وعندهم متعة اخرى يسمونها المتعة الدورية‏ويروون في فضلها ما يروون، وهي ان يتمتع جماعة بامراة واحدة، فتكون لهم من الصبح الى الضحى في متعة هذا، ومن‏الضحى الى الظهر في متعة هذا، ومن الظهر الى العصر في متعة هذا، ومن العصر الى المغرب في متعة هذا، ومن المغرب الى‏العشاء في متعة هذا، ومن العشاء الى نصف الليل في متعة هذا، ومن نصف الليل الى الصبح في متعة هذا. فلا بدع ممن جوزمثل هذا النكاح ان يتكلم بما تكلم به ويسميه الحصون المنيعة… ((3-1191)) .

نسبة المتعة الدورية وقل الفاحشة المبينة الى الشيعة افك عظيم تقشعر منه الجلود، وتكفهر منه الوجوه، وتشمئز منه‏الافئدة، وكان الاحرى بالرجل حين افك ان يتخذ له مصدرا من كتب الشيعة ولو سوادا على بياض من اي ساقط منهم،بل نتنازل معه الى كتاب من كتب قومه يسند ذلك الى الشيعة، او سماع عن احد لهج به، او وقوف منه على عمل ارتكبه‏اناس ولو من اوباش الشيعة وافنائهم، لكن المقام قد اعوزه عن كل ذلك لانه اول صارخ بهذا الافك الشائن، ومنه اخذالقصيمي في الصراع بين الاسلام والوثنية وغيره.

وليت الشيعة تدري متى كانت هذه التسمية؟ وفي اي عصر وقعت؟ ومن اول من سماها؟ ولم خلت عنها كتب‏الشيعة‏برمتها؟ انا اقول وعند جهينة الخبر اليقين : هو هذا العصر الذهبي، عصر النور، عصر الالوسي، وهو اول من سماهابعد ان اخترعها، والشيعة لم تعلمها بعد.

وليت الرجل ذكر شيئا من تلك الروايات التي زعم ان الشيعة ترويها في فضل المتعة الدورية، وليته دلنا على من رواها،وعلى كتاب او صحيفة هي مودعة فيها، نعم… الحق معه في عدم ذكر ذلك كله، لان الكذب لا مصدر له الا القلوب‏الخائنة، والصدور المملوكة للوسواس الخناس.

واما العلم الحجة سيدنا المحسن الامين صاحب الحصون المنيعة الذي يزعم الرجل انه يجوز مثل هذا النكاح، ففي اي من‏تليفه جوز ذلك؟ ولمن شافهه به؟ ومتى قاله؟ وانى نوه به؟ وها هو حي يرزق مد اللّه في عمره وهل هو الا رجل‏هم ((3-1192)) علم من اعلام الشريعة، وامام من ائمة الاصلاح، لا يتنازل الى الدنايا، ولا يقول بالسفاسف، ولا تدنس‏ساحة قدسه بهذه القذائف والفواحش.

هذه نبذة يسيرة من الافائك المودعة في رسالة السنة والشيعة وهي مع انها رسالة صغيرة لا تعدو صفحاتها (132) ولكن‏فيها من البوائق ما لعل عدتها اضعاف عدد الصفحات، وحسبك من نماذجها ما ذكرناه.

(ان الذين جاؤوا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم) ((3-1193)) .

LEAVE A COMMENT