(52) الفقيه عمارة
ولد (513) قتل (569)
ولاؤك مفروض على كل مسلم / وحبك مفروط وافضل مغنم
اذا المرء لم يكرم بحبك نفسه / غدا وهو عند اللّه غير مكرم
ورثت الهدى عن نص عيسى بن حيدر / وفاطمة لا نص عيسى بن مريم
وقال اطيعوا لابن عمي فانه / اميني على سر الاله المكتم
كذلك وصى المصطفى وابن عمه / الى منجد يوم الغدير ومتهم
على مستوى فيه قديم وحادث / وان كان فضل السبق للمتقدم
ملكت قلوب المسلمين ببيعة / امدت بعقد من ولائك مبرم
واوتيت ميراث البسيطة عن اب / وجد مضى عنها ولم يتقسم
لك الحق فيها دون كل منازع / ولو انه نال السماك بسلم
ولو حفظوا فيك الوصية لم يكن / لغيرك في اقطارها دون درهم ((4-1191))
وله قصيدة تاتي يرثي بها اهل القصر، قوله:
والارض تهتز في يوم الغدير كما / يهتز ما بين قصريكم من الاسل
الشاعر
الفقيه نجم الدين ابو محمد عمارة بن ابي الحسن علي بن زيدان بن احمد الحكمي اليمني،من فقهاء الشيعة الامامية ومدرسيهم ومؤلفيهم ومن شهداء اعلامهم على التشيع، وقدزان علمه الكامل وفضله الباهر ادبه الناصع المتقارب من شعره المتالق، وانك لاتدري اذا نظم شعرا هل هو ينضد درا ؟ او يفرغ في بوتقة القريض تبرا ؟ فقد ضم شعره الى الجزالة قوة، والى السلاسة رونقا، وفوق كل ذلك مودته المتواصلةلعترة الوحي، وقوله بامامتهم (ع) حتى لفظ نفسه الاخير ضحية ذلك المذهبالفاضل، وقد ابقت تليفه القيمة وآثاره العلمية والادبية له ذكرا خالدا مع الابد، منها:النكت العصرية في اخبار الوزراء المصرية، وتاريخ اليمن، وكتاب في الفرائض، وديوانشعره، وقصيدة كتبها الى صلاح الدين سماها: شكاية المتظلم ونكاية المتالم.
قال في كتابه النكت العصرية ((4-1192)) (ص7) عند ذكر نسبه: فاما جرثومة النسبفقحطان ثم الحكم بن سعد العشيرة المذحجي، واما الوطن فمن تهامة باليمن مدينةمرطان من وادي وساع، وبعدها من مكة في مهب الجنوب احد عشر يوما، وبهاالمولد والمربىواهلها بقية العرب في تهامة، وكانت رئاستهم وسياستهم تنتهي الىالمشيب بن سليمان وهو جدي من جهة الوالدة والى زيدان بن احمد وهو جدي لابي،وهما ابنا عم، وكان زيدان يقول: انا اعد اسلافي احد عشر جدا، ما منهم الا عالممصنف في عدة علوم، ولقد ادركت عمي علي بن زيدان، وخالي محمد بن المشيب،ورئاسة حكم بن سعد العشيرة تقف عليهما وتنتهي اليهما. الى ان قال: قلت لاخييحيى يوما: من القائل في جديك المشيب بن سليمان وزيدان بن احمد:
اذا طرقتك احداث الليالي / ولم يوجد لعلتها طبيب
واعوز من يجيرك من سطاها / فزيدان يجيرك والمشيب
هما ردا علي شتيت ملكي / ووجه الدهر من رغم قطوب
وقاما عنه خذلاني بنصري / قياما تستكين به الخطوب
فقال: هو السلطان علي بن حبابة الفرودي، كان قومه قد اخرجوه من ملكه وافقروهمن ملكه وولوا عليهم اخاه سلامة، فنزل بهما فسارا معه في جموع من قومهماحتىعزلا سلامة ووليا عليا واصلحا له قومه، وكان الذي وصل اليه من برهما وانفقاهعلى الجيش في نصرته، وحملا اليه من خيل ومن ابل ما ينيف على خمسين الفا منالذهب. قال يحيى: وفي ابي وخالي يقول مدبر الشاعر الحكمي من قصيدة طويلة :
ابواكما ردا على ابن حبابة / ملكا تبدد شمله تبديدا
كفل المشيب على الحسام بعوده / مذ صال زيدان به فاعيدا
وبنيتما ما شيدا من سؤدد / قدما فاشبه والد مولودا
وحدثني ابي قال: مرض عمك علي مرضا اشرف فيه على الموت ثم ابل منه، فانشدتهلرجل من بني الحارث يدعى سلم بن شافع كان قد وفد عليه يستعينه في دية قتيللزمته، فلما شغلنا بمرض صاحبنا ارتحل الحارثي الى قومه وارسل الي بقصيدة منها:
اذا اودى ابن زيدان علي / فلا طلعت نجومك يا سماء
ولا اشتمل النساء على جنين / ولا روى الثرى للسحب ماء
على الدنيا وساكنها جميعا / اذا اودى ابو الحسن العفاء
قال فبكى عمك وامرني باحضار الحارثي ودفع له الف دينار وساق عنه الدية بعدستة اشهر، وكان اذا رآه اكرمه ورفع مجلسه. وبسط القول في جود عمه علي بنزيدان وسعة ثروته وعظم شجاعته. ثم قال ما ملخصه: ادركت الحلم سنة تسعوعشرين وخمسمائة، وفي سنة احدى وثلاثين بعثني والدي الى زبيد مع الوزير مسلمابن سخت، فنزلت فيها ولازمت الطلب فاقمت اربع سنين لا اخرج عن المدرسةالالصلاة يوم الجمعة، وفي السنة الخامسة زرت الوالدين واقمت في زبيد ثلاث سنينوجماعة من الطلبة يقرؤون عندي مذهب الشافعي والفرائض في المواريث، ولي فيالفرائض مصنف يقرا في اليمن، وفي سنة تسع وثلاثين زارني والدي وخمسة من اخوتيالى زبيد، وانشدت والدي شيئا من شعري فاستحسنه، ثم قال: تعلم واللّه ان الادب نعمة من نعم اللّه عليك فلا تكفرها بذم الناس، واستحلفني ان لااهجو مسلما قط ببيت شعر فحلفت له على ذلك، وحججت مع الملكة الحرة ام فاتكملك زبيد، وخرجت مرة اخرى الى مكة سنة تسع واربعين وخمسمائة، وفي موسمهذه السنة مات امير الحرمين هاشم بن فليتة وولى الحرمين ولده قاسم بن هاشم،فالزمني السفارة عنه والرسالة المصرية، فقدمتها في شهر ربيع الاول سنة خمسينوخمسمائة والخليفة بها يومئذ الامام الفائز بن الظافر، والوزير له الملك الصالح طلائعبن رزيك، فلما احضرت للسلام عليهما في قاعة الذهب في قصر الخليفة انشدتهماقصيدة اولها:
الحمد للعيس بعد العزم والهمم / حمدا يقوم بما اولت من النعم
لا اجحد الحق عندي للركاب يد / تمنت اللجم فيها رتبة الخطم
قربن بعد مزار العز من نظري / حتى رايت امام العصر من امم
ورحن من كعبة البطحاء والحرم / وفدا الى كعبة المعروف والكرم
فهل درى البيت اني بعد فرقته / ما سرت من حرم الا الى حرم
حيث الخلافة مضروب سرادقها / بين النقيضين من عفو ومن نقم
وللامامة انوار مقدسة / تجلو البغيضين من ظلم ومن ظلم
وللنبوة ابيات ينص لنا / على الخفيين من حكم ومن حكم
وللمكارم اعلام تعلمنا / مدح الجزيلين من باس ومن كرم
وللعلى السن تثني محامدها / على الحميدين من فعل ومن شيم
وراية الشرف البذاخ ترفعها / يد الرفيعين من مجد ومن همم
اقسمت بالفائز المعصوم معتقدا / فوز النجاة واجر البر في القسم
لقد حمى الدين والدنيا واهلهما / وزيره الصالح الفراج للغمم
اللابس الفخر لم تنسج غلائله / الا يد لصنيع السيف والقلم
وجوده اوجد الايام ما اقترحت / وجوده اعدم الشاكين للعدم
قد ملكته العوالي رق مملكة / تعير انف الثريا عزة الشمم
ارى مقاما عظيم الشان اوهمني / في يقظتي انها من جملة الحلم
يوم من العمر لم يخطر على املي / ولا ترقت اليه رغبة الهمم
ليت الكواكب تدنو لي فانظمها / عقود مدح فما ارضى لكم كلمي
ترى الوزارة فيه وهي باذلة / عند الخلافة نصحا غير متهم
عواطف علمتنا ان بينهما / قرابة من جميل الراي لا الرحم
خليفة ووزير مد عدلهما / ظلا على مفرق الاسلام والامم
زيادة النيل نقص عند فيضهما / فما عسى يتعاطى منة الديم
وعهدي بالصالح وهو يستعيدها في حال النشيد مرارا، والاستاذون واعيان الامراءوالكبراء يذهبون في الاستحسان كل مذهب، ثم افيضت علي خلع من ثياب الخلافةالمذهبة، ودفع لي الصالح خمسمائة دينار، واذا بعض الاستاذين قد اخرج لي من عندالسيدة الشريفة بنت الامام الحافظ خمسمائة دينار اخرى، وحمل المال معي الى منزلي،واطلقت لي من دار الضيافة رسوم لم تطلق لاحد من قبلي، وتهادتني امراء الدولة الىمنازلهم للولائم، واستحضرني الصالح للمجالسة، ونظمني في سلك اهل المؤانسة،وانثالت علي صلاته وغمرني بره، ووجدت بحضرته من اعيان اهل الادب: الشيخالجليس ابا المعالي بن الحباب ((4-1193)) ، والموفق ابن الخلال صاحب ديوان الانشاء، واباالفتح محمود بن قادوس ((4-1194)) ، والمهذب ابا محمد الحسن بن الزبير، وما من هذه الحلبةاحد الا ويضرب في الفضائل النفسانية والرئاسة الانسانية باوفر نصيب، ويرميشاكلة الاشكال فيصيب.
وقال في (ص69): لما جلس شاور في دار الذهب، قام الشعراء والخطباء ولفيف منالناس الا الاقل ينالون من بني رزيك وضرغام نائب الباب ويحيى بن الخياطاسفهسلار ((4-1195)) العساكر، وكانت بيني وبين شاور انسة تامة مستحكمة، فانشدته فياليوم الثاني من جلوسه والجمع حافل قصيدة اولها:
صحت بدولتك الايام من سقم / وزال ما يشتكيه الدهر من الم
زالت ليالي بني رزيك وانصرمت / والحمد والذم فيها غير منصرم
كان صالحهم يوما وعادلهم / في صدر ذا الدست لم يقعد ولم يقم
هم حركوها عليهم وهي ساكنة / والسلم قد تنبت الاوراق في السلم
كنا نظن وبعض الظن ماثمة / بان ذلك جمع غير منهزم
فمذ وقعت وقوع النسر خانهم / من كان مجتمعا من ذلك الرخم
وكان ضرغام ينقم علي هذا البيت، ويقول: انا عندك من الرخم !
ولم يكونوا عدوا زل جانبه / وانما غرقوا في سيلك العرم
وما قصدت بتعظيمي سواك سوى / تعظيم شانك فاعذرني ولا تلم
ولو شكرت لياليهم محافظة / لعهدها لم يكن بالعهد من قدم
ولو فتحت فمي يوما بذمهم / لم يرض فضلك الا ان يسد فمي
واللّه يامر بالاحسان عارفة / منه وينهى عن الفحشاء في الكلم
فشكرني شاور وابناه في الوفاء لبني رزيك. انتهى.
كان يحمي الذمار بالذمارة، ويوفي بعهد من صاحبه ونادمه، ويدافع عنه بصراحةاللهجة، وله مواقف مشكورة تنم عن انه ذو حفاظ وذو محافظة، حضر يوما هووالرضي ابو سالم يحيى الاحدب بن ابي حصيبة الشاعر في قصر اللؤلؤ بعد موتالخليفة العاضد عند نجم الدين ايوب بن شادي، فانشد ابن ابي حصيبة نجم الدين ايوب، فقال:
يا مالك الارض لا ارضى له طرفا / منها وما كان منها لم يكن طرفا
قد عجل اللّه هذي الدار تسكنها / وقد اعد لك الجنات والغرفا
تشرفت بك عمن كان يسكنها / فالبس بها العز ولتلبس بك الشرفا
كانوا بها صدفا والدار لؤلؤة / وانت لؤلؤة صارت لها صدفا
فقال الفقيه عمارة يرد عليه:
اثمت يا من هجا السادات والخلفا / وقلت ما قلته في ثلبهم سخفا
جعلتهم صدفا حلوا بلؤلؤة / والعرف ما زال سكنى اللؤلؤ الصدفا
وانما هي دار حل جوهرهم / فيها وشف فاسناها الذي وصفا
فقال لؤلؤة عجبا ببهجتها / وكونها حوت الاشراف والشرفا
فهم بسكناهم الايات اذ سكنوا / فيها ومن قبلها قد اسكنوا الصحفا
والجوهر الفرد نور ليس يعرفه / من البرية الا كل من عرفا
لولا تجسمهم فيه لكان على / ضعف البصائر للابصار مختطفا
فالكلب يا كلب اسنى منك مكرمة ((4-1196)) / لان فيه حفاظا دائما ووفا
قال المقريزي ((4-1197)) : فلله در عمارة لقد قام بحق الوفاء ووفى بحسن الحفاظ كما هيعادته، لاجرم انه قتل في واجب من يهوى كما هي سنة المحبين، فاللّه يرحمه ويتجاوز عنه.
وله قصائد يرثي بها اهل القصر من الملوك الفاطميين بعد انقراض دولتهموفاءبعهدهم، منها قصيدة اولها:
لا تندبن ليلى ولا اطلالها / يوما وان ظعنت بها اجمالها
واندب هديت قصور سادات عفت / قد نالهم ريب الزمان ونالها
درست معالمهم لدرس ملوكهم / وتغيرت من بعدهم احوالها
ومنها:
رميت يا دهر كف المجد بالشلل / وجيده بعد حسن الحلي بالعطل
سعيت في منهج الراي العثور فان / قدرت من عثرات الدهر فاستقل
جدعت مارنك الاقنى فانفك لا / ينفك ما بين قرع السن والخجل ((4-1198))
هدمت قاعدة المعروف عن عجل / سعيت مهلا اما تمشي على مهل
لهفي ولهف بني الامال قاطبة / على فجيعتها في اكرم الدول
قدمت مصر فاولتني خلائفها / من المكارم ما اربى على الامل
قوم عرفت بهم كسب الالوف ومن / كمالها انها جاءت ولم اسل
وكنت من وزراء الدست حين سما / راس الحصان يهاديه على الكفل
ونلت من عظماء الجيش مكرمة / وخلة حرست من عارض الخلل
يا عاذلي في هوى ابناء فاطمة / لك الملامة ان قصرت في عذلي
باللّه در ساحة القصرين وابك معي / عليهما لا على صفين والجمل
وقل لاهليهما واللّه ما التحمت / فيكم جراحي ولا قرحي بمندمل
وماذا عسى كانت الافرنج فاعلة / في نسل آل امير المؤمنين علي
هل كان في الامر شيء غير قسمة ما / ملكتم بين حكم السبي والنقل
وقد حصلتم عليها واسم جدكم / محمد وابوكم غير منتقل
مررت بالقصر والاركان خالية / من الوفود وكانت قبلة القبل
فملت عنها بوجهي خوف منتقد / من الاعادي ووجه الود لم يمل
اسلت من اسفي دمعي غداة خلت / رحابكم وغدت مهجورة السبل
ابكي على ما تراءت من مكارمكم / حال الزمان عليها وهي لم تحل
دار الضيافة كانت انس وافدكم / واليوم اوحش من رسم ومن طلل
وفطرة الصوم اذ اضحت مكارمكم / تشكو من الدهر حيفا غير محتمل
وكسوة الناس في الفصلين قد درست / ورث منها جديد عندهم وبلي
وموسم كان في يوم الخليج لكم / ياتي تجملكم فيه على الجمل
واول العام والعيدين كم لكم / فيهن من وبل جود ليس بالوشل
والارض تهتز في يوم الغدير كما / يهتز ما بين قصريكم من الاسل
والخيل تعرض في وشي وفي شية / مثل العرائس في حلي وفي حلل
ولا حملتم قرى الاضياف من سعة / الاطباق الا على الاكتاف والعجل
وما خصصتم ببر اهل ملتكم / حتى عممتم به الاقصى من الملل
كانت رواتبكم للذمتين وللـ / ـضيف المقيم وللطاري من الرسل
ثم الطراز بتنيس الذي عظمت / منه الصلات لاهل الارض والدول
وللجوامع من احسانكم نعم / لمن تصدر في علم وفي عمل
وربما عادت الدنيا فمعقلها / منكم واضحت بكم محلولة العقل
واللّه لا فاز يوم الحشر مبغضكم / ولا نجا من عذاب اللّه غير ولي
ولا سقي الماء من حر ومن ظما / من كف خير البرايا خاتم الرسل
ولا راى جنة اللّه التي خلقت / من خان عهد الامام العاضد بن علي
ائمتي وهداتي والذخيرة لي / اذا ارتهنت بما قدمت من عملي
تاللّه لم اوفهم في المدح حقهم / لان فضلهم كالوابل الهطل
ولو تضاعفت الاقوال واتسعت / ما كنت فيهم بحمد اللّه بالخجل
باب النجاة هم دنيا وآخرة / وحبهم فهو اصل الدين والعمل
نور الهدى ومصابيح الدجى ومحل / الغيث ان ربت الانواء في المحل
ائمة خلقوا نورا فنورهم / من محض خالص نور اللّه لم يفل
واللّه ما زلت عن حبي لهم ابدا / ما اخر اللّه لي في مدة الاجل
قتل المترجم بسبب هذه القصيدة مع جمع نسب اليهم التدبير على صلاحالدينومكاتبة الفرنج واستدعاؤهم اليه حتى يجلسوا ولدا للعاضد، وكانوا ادخلوا معهمرجلا من الاجناد ليس من اهل مصر، فحضر عند صلاح الدين واخبره بماجرىفاحضرهم فلم ينكروا الامر ولم يروه منكرا، فامر بصلبهم وصلبوا يوم السبتفي شهر رمضان سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالقاهرة، وقد قبض عليهم يوم الاحدالثالث والعشرين من شعبان، وصلب مع الفقيه عمارة قاضي القضاة ابو القاسم هبةاللّهبن عبداللّه بن الكامل، وابن عبدالقوي داعي الدعاة، كان يعلم بدفائن القصر فعوقبليدل عليها فامتنع من ذلك فمات واندرست، والعويرس ناظر الديوان، وشبريا كاتبالسر، وعبدالصمد الكاتب احد امراء مصر، ونجاح الحمامي، ومنجم نصراني كان قدبشرهم بان هذا الامر يتم لهم.
قال الصفدي في الغيث المسجم ((4-1199)) : انه لا يبعد ان يكون القاضي الفاضل سعى فيهلاكه وحرض عليه ، لان صلاح الدين لما استشاره في امره قال: ينفى. قال:يرجىرجوعه. قال: يؤدب. قال: الكلب يسكت ثم ينبح. قال: يقتل. قال: الملوك اذاارادوا فعلوا. وقام من فوره، فامر بصلبه مع القاضي العويرس وجماعة معه منشيعتهم، ولما اخذ ليشنق قال: مروا بي على باب القاضي الفاضل ، لحسن ظنه فيه،فلما رآه قام واغلق بابه فقال عمارة:
عبد العزيز قد احتجب / ان الخلاص من العجب
وذكر عماد الدين الكاتب في الخريدة لتاج الدين الكندي ابي اليمن بعد صلب المترجم
عمارة في الاسلام ابدى خيانة / وبايع فيها بيعة وصليبا
وامسى شريك الشرك في بغض احمد / واصبح في حب الصليب صليبا
وكان خبيث الملتقى ان عجمته / تجد منه عودا في النفاق صليبا
سيلقى غدا ما كان يسعى لنفسه / ويسقى صديدا في لظى وصليبا
كان للمترجم مكانة عالية عند بني رزيك، وله فيهم شعر كثير يوجد في ديوانه وكتابه النكت العصرية، وفي الثاني ((4-1200)) : ان الملك الصالح طلائع بعث اليه بثلاثة آلاف دينار في ثلاثة اكياس، وكتب فيها بخطه:
قل للفقيه عمارة يا خير من / قد حاز فهما ثاقبا وخطابا
اقبل نصيحة من دعاك الى الهدى / قل حطة وادخل الينا البابا
تجد الائمة شافعين ولا تجد / الا لدينا سنة وكتابا
وعلي ان اعلي محلك في الورى / واذا شفعت الي كنت مجابا
وتعجل الالاف وهي ثلاثة / ذهبا وقل لك النضار مذابا
فراجعه عمارة بقوله:
حاشاك من هذا الخطاب خطابا / يا خير املاك الزمان نصابا
لكن اذا ما افسدت علماؤكم / معمور معتقدي وصار خرابا
ودعوتم فكري الى اقوالكم / من بعد ذاك اطاعكم واجابا
فاشدد يديك على صفاء محبتي / وامنن علي وسد هذا البابا
توفي للفقيه المترجم في حياته ستة اولاد ذكور ورثاهم، الا وهم: عبداللّه، ويحيى،ومحمد، وعطية، واسماعيل، وحسين، وتوفي اولا ولداه عبداللّه ويحيى ثم بعدهمامحمد في سنة (556) ليلة الاثنين (4) جمادى الاولى بمصر، ورثاهم بقصيدة اولها
اصبت في خير اعضائي واعضادي / وخير اهلي اذا عدوا واولادي
بابلج الوجه من سعد العشيرة لم / يعرف بغير الندى والبشر في النادي
وله في رثاء محمد قصيدة مطلعها:
سابكي على ابني مدتي وحياتي / ويبكيه عني الشعر بعد مماتي
ومنها:
اتبلي المنايا مهجة ابن ذخرته / لدهري ويبلوني بخمس بنات
وتوفي بعدهم عطية، ورثاه بقصيدة منها:
عطية ان صادفت روح محمد / اخيك وصنويك العليين من قبل
فسلم عليهم لا شقيت وقل لهم / سقيت اباكم بعدكم جرعة الثكل
وقال في رثائه:
عطية ان ذقت طعم الحمام / فان فراقك عندي امر
هوى كوكب منك بعد الطلوع / ذوى غصن منك بعد الثمر
ولو لم تكن قمرا زاهرا / لما مت عند خسوف القمر
وتوفي بعدهم ولده اسماعيل سنة(561) في ربيع الاخر، ورثاه بقصيدة اولها:
ما كنت آلف منزلي الا به / ولقد كرهت الدار بعد مصابه
وقال يرثيه:
اارجو بقاء ام صفاء حياة / وقد بددت شملي النوى بشتات
يقول فيها:
اتبلي الليالي لي بنيا ذخرته / وتبقي لي الايام شر بناتي
ومنها:
وما عشت الا سبعة من سني الورى / سقى عهدهن اللّه من سنوات
وقال في رثائه:
حسبت الدهر في ولدي / يساعدني ويسعدني
ويقول فيها:
لاسماعيل اشواقي / تزيد على مدى الزمن
واسماعيل لي شغل / عن اللذات يشغلني
واسماعيل لا اسلو / ه حتى الموت يصرعني
سابكيه واندبه / بنوح زائد الشجن
كما قمرية ناحت / ببغداد على غصن
وابقى بعده اسفا / مدى الايام والزمن
وتوفي حسين سنة (563) ورثاه بقوله:
اترى يكون لي الخلاص قريب ((4-1201)) / فالموت بعدك يا بني يطيب
عللت فيك الحزن كل تعلة / لم تنفعني شربة وطبيب
ورثاه بقصيدة اولها:
داويت ما نفع العليل دوائي / بل زاد سقما في خلال ضنائي
يقول فيها:
ما عاش الا سبعة من عمره / وناى الى دار البلى لبلائي
وله في رثائه من قصيدة مستهلها:
قل للمنية لا شوى / لم يخط سهمك اذ رمى
ومنها:
ما كان الا سبعة / وثلاثة ثم انقضى
وقال في رثائه:
خطبتني الخطوب بالهم لما / حدثتني بالسن الحدثان
ومنها:
يا لها نكبة على نكبة جا / ءت وجرحا يبكي بجرح ثان
ومصاب على مصاب وثكل / بعد ثكل اصيب منه جناني
ويقول فيها:
كل عام للموت عندي نصيب / في سراة البنين والاخوان
ونختم الترجمة وهي ختام هذا الجزء من الكتاب بقول المترجم يدعو ربه:
يا رب هيئ لنا من امرنا رشدا / واجعل معونتك الحسنى لنا مددا
ولا تكلنا الى تدبير انفسنا / فالنفس تعجز عن اصلاح ما فسدا
انت الكريم وقد جهزت من املي / الى اياديك وجها سائلا ويدا
وللرجاء ثواب انت تعلمه / فاجعل ثوابي دوام الستر لي ابدا ((4-1202))
انتهى الجزء الرابع من كتاب الغدير ويتلوه الخامس ان شاء اللّه.
وآخر دعوانا ان الحمد للّه رب العالمين