(49) القاضي الجليس

  الغدير

(49) القاضي الجليس

المتوفى (561)

1

دعاه لوشك البين داع فاسمعا / واودع جسمي سقمه حين ودعا

ولم يبق في قلبي لصبري موضعا / وقد سار طوع الناي والبعد موضعا

اجن اذا ما الليل جن كبة / وابدي اذا ما الصبح ازمع ادمعا

وما انقدت طوعا للهوى قبل هذه / وقد كنت الوى عنه لينا واخدعا

الى ان يقول:

تصاممت عن داعي‏الصبابة‏والصبا / ولبيت داعي آل احمد اذ دعا

عشوت بافكاري الى ضوء علمهم / فصادفت منه منهج الحق مهيعا

علقت بهم فليلح في ذاك من لحا / توليتهم فلينع ذلك من نعى

تسرعت في مدحي لهم متبرعا / واقلعت عن تركي له متورعا

هم الصائمون القائمون لربهم / هم الخائفوه خشية وتخشعا

هم القاطعو الليل البهيم تهجدا / هم العامروه سجدا فيه ركعا

هم الطيب الاخيار والخير في الورى / يروقون مراى او يشوقون مسمعا

بهم تقبل الاعمال من كل عامل / بهم ترفع الطاعات ممن تطوعا

باسمائهم يسقى الانام ويهطل الغما / م وكم كرب بهم قد تقشعا

هم القائلون الفاعلون تبرعا / هم العالمون العاملون تورعا

ابوهم وصي المصطفى حاز علمه / واودعه من قبل ما كان اودعا

اقام عمود الشرع بعد اعوجاجه / وساند ركن الدين ان يتصدعا

وواساه بالنفس النفيسة دونهم / ولم يخش ان يلقى عداه فيجزعا

وسماه مولاهم وقد قام معلنا / ليتلوه في كل فضل ويشفعا

فمن كشف الغماء عن وجه احمد / وقد كربت اقرانه ان يقطعا

ومن هز باب الحصن في يوم خيبر / فزلزل ارض المشركين وزعزعا

وفي يوم بدر من احن قليبها / جسوما بها تدمي وهاما مقطعا

وكم حاسد اغراه بالحقد فضله / وذلك فضل مثله ليس يدعى

لوى غدره يوم الغدير بحقه / واعقبه يوم البعير واتبعا

وحاربه القرآن عنه فما ارعوى / وعاتبه الاسلام فيه فما وعى

اذا رام ان يخفي مناقبه جلت / وان رام ان يطفي سناه تشعشعا

متى هم ان يطوي شذى المسك كاتم / ابى عرفه المعروف الا تضوعا

ومنها:

ايا امة لم ترع للدين حرمة / ولم تبق في قوس الضلالة منزعا

باي كتاب ام باية حجة / نقضتم بها ما سنه اللّه اجمعا

غصبتم ولي الحق مهجة نفسه / وكان لكم غصب الامامة مقنعا

والجمتم آل النبي سيوفكم / تفري من السادات سوقا واذرعا

وحللتم في كربلاء دماءهم / فاضحت بها هيم الاسنة شرعا

وحرمتم ماء الفرات عليهم / فاصبح محظورا لديهم ممنعا

القصيدة (56) بيتا

2

وله في رثاء السبط الامام الشهيد (ع) قوله:

ان خانها الدمع الغزير / فمن الدماء لها نصير

دعها تسح ولا تشح / فرزؤها رزء كبير

ما غصب فاطمة تراث / محمد خطب يسير

كلا ولا ظلم الوصي و / حقه الحق الشهير

نطق النبي بفضله وهو / المبشر والنذير

جحدوه عقد ولاية / قد غر جاحده‏ الغرور

غدروا به حسدا له / وبنصه شهد الغدير

حظروا عليه ما حباه / بفخره وهم حضور

يا امة رعت السها / وامامها القمر المنير

ان ضل بالعجل اليهـ / ـو د فقد اضلكم البعير

لهفي لقتلى الطف اذ / خذل المصاحب والعشير

وافاهم في كربلا / يوم عبوس قمطرير

دلفت لهم عصب الضـ / ـلال كانما دعي النفير

عجبا لهم لم يلقهم من / دونهم قدر مبير

ايمار فوق الارض فيـ / ـض دم الحسين ولا تمور

اترى الجبال درت / ولم تقذفهم منها صخور

ام كيف اذ منعوه و / رد الماء لم تغر البحور

حرم الزلال عليه / لما حللت لهم الخمور

القصيدة (36) بيتا

3

وله من قصيدة تناهز (29) بيتا مطلعها:

كم قد عصيت مقال الناصح الناهي / ولذت منكم بحبل واهن واه

ويقول فيها:

حبي لال رسول اللّه يعصمني / من كل اثم وهم ذخري وهم جاهي

يا شيعة الحق قولي بالوفاء لهم / وفاخري بهم من شئت او باهي

اذا علقت بحبل من ابي حسن / فقد علقت بحبل في يد اللّه

حمى الاله به الاسلام فهو به / يزهي على كل دين قبله زاه

بعل البتول وما كنا لتهدينا / ائمة من نبي اللّه لولا هي

نص النبي عليه في الغدير فما / زواه الا ظنين دينه واه

الشاعر

ابو المعالي عبدالعزيز بن الحسين بن الحباب الاغلبي ((4-1105)) السعدي الصقلي المعروف‏بالقاضي الجليس، من مقدمي شعراء مصر وكتابهم، ومن ندماء الملك الصالح طلائع‏بن رزيك الذي مرت ترجمته (ص‏344)، واحسب ان تلقيبه بالجليس كان لمجالسته‏اياه متواصلا، وهو ممن اغرق نزعا في موالاة العترة الطاهرة كما ينم عنه شعره،ولمعاصره الفقيه عمارة اليمني الاتي ذكره شعر يمدحه، منه قصيدة في كتابه النكت ‏العصرية (ص‏158) قالها سنة احدى وخمسين وخمسمائة، اولها:

هي سلوة حلت عقود وفائها / مذ شف ثوب الصبر عن برحائها

ومنها:

لم اسال الركبان عن اسمائها / كفلا بها لولا هوى اسمائها

وسالت ايامي صديقا صادقا / فوجدت ما ارجوه جل رجائها

ومنها:

ولقد هجرت الى الجليس مهاجرا / عصبا يضيم الدهر جار فنائها

مستنجدا لابي المعالي همة / تغدو المعالي وهي بعض عطائها

لما مدحت علاه ايقنت العدى / ان الزمان اجار من عدوائها

واغد سعدي الاوامر ابلج / يلقى سقيمات المنى بشفائها

ومنها:

نذرت مصافحة الغمام اناملي / فوفت غمائم كفه بوفائها

وقال،كما في نكته العصرية (ص‏252)، وقد حدث للقاضي الجليس مرض اخره عن‏حضور مجلس الملك الصالح طلائع بن رزيك:

وحق المعالي يا اباها وصنوها / يمين امرئ عاداته القسم البر

لقد قصرت عما بلغت من العلى / واحرزته ابناء دهرك والدهر

متى كنت يا صدر الزمان بموضع / فرتبتك العليا وموضعك الصدر

ولما حضرنا مجلس الانس لم يكن / على وجهه اذ غبت انس ولا بشر

فقدناك فقدان النفوس حياتها / ولم يك فقد الارض اعوزها القطر

واظلم جو الفضل اذ غاب بدره / وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

ترجمه العماد في الخريدة واثنى عليه بالفضل المشهور، وابن كثير في‏تاريخه ((4-1106)) (12/251)، وابن شاكر في فوات الوفيات (1/278) فقال: تولى ديوان‏الانشاء للفائز مع ((4-1107)) الموفق بن الخلال، ومن شعره:

ومن عجبي ان الصوارم والقنا / تحيض بايدي القوم وهي ذكور

واعجب من ذا انها في اكفهم / تاجج نارا والاكف بحور

وله في طبيب:

واصل بليتي من قد غزاني / من السقم الملح بعسكرين

طبيب طبه كغراب بين / يفرق بين عافيتي وبيني

اتى الحمى وقد شاخت وباخت / فعاد لها الشباب بنسختين

ودبرها بتدبير لطيف / حكاه عن سنان او حنين

وكانت نوبة في كل يوم / فصيرها بحذق نوبتين

وله في طبيب ايضا:

يا وارثا عن اب وجد / فضيلة الطب والسداد

وحاملا رد كل نفس / همت عن الجسم بالبعاد

اقسم لو قد طببت دهرا / لعاد كونا بلا فساد

وله:

حيا بتفاحة مخضبة / من شفني حبه وتيمني

فقلت ما ان رايت مشبهها / فاحمر من خجلة فكذبني

وله:

رب بيض سللن باللحظ بيضا / مرهفات جفونهن جفون

وخدود للدمع فيها خدود / وعيون قد فاض فيها عيون

وقال ايضا:

المت بنا والليل يزهي بلمة / دجوجية لم يكتهل بعد فوداها

فاشرق ضوء الصبح وهو جبينها / وفاحت ازاهير الربى وهي رياها

اذا ما اجتنت من وجهها العين روضة / اسالت خلال الروض بالدمع امواها

واني لاستسقي السحاب لربعها / وان لم تكن الا ضلوعي ماواها

اذا استعرت نار الاسى بين اضلعي / نضحت على حر الحشا برد ذكراها

وما بي ان يصلى الفؤاد بحرها / ويضرم لولا ان في القلب سكناها

كان القاضي الجليس كبير الانف، وكان الخطيب ابو القاسم هبة اللّه بن البدر المعروف‏بابن الصياد مولعا بانفه وهجائه، وذكر انفه في اكثر من الف مقطوع، فانتصر له ابوالفتح ابن قادوس المترجم في هذا الجزء (ص‏338) فقال:

يا من يعيب انوفنا الشـ / ـم التي ليست تعاب

الانف خلقة ربنا / وقرونك الشم اكتساب

وله شعر في رثاء والده وقد غرق في البحر بريح عاصف. انتهى. والمترجم هو الذي قرظ ابا محمد بن الزبير الحسن بن علي المصري المتوفى سنة(561) عند الملك الصالح حتى قدمه، فلما مات شمت به ابن الزبير ولبس في جنازته‏ثيابا مذهبة، فنقص عند الناس بهذا السبب واستقبحوا فعله، ولم يعش بعد الجليس‏الا شهرا واحدا ((4-1108)) .

كان الملك الصالح طلائع لا يزال يحضر، في ليالي الجمع، جلساؤه وبعض امرائه لسماع‏قراءة صحيح مسلم والبخاري وامثالهما من كتب الحديث، وكان الذي يقرا رجلا ابخر، فلعهدي وقد حضر المجلس مع الامير علي بن الزبير والقاضي‏الجليس ابي محمد، وقد امال وجهه الى القاضي ابن الزبير وقال له:

وابخر قلت: لا تجلس بجنبي

فقال ابن الزبير:

اذا قابلت بالليل البخاري

فقال القاضي الجليس:

فقلت وقد سالت بلا احتشام / لانك دائما من فيك خاري

انشد بعض جلساء الملك الصالح بمجلسه بيتا من الاوزان التي يسميها المصريون ‏الزكالش‏ ويسميها العراقيون كان وكان.

النار بين ضلوعي / وانا غريق في دموعي

كني فتيلة قنديل / اموت غريق وحريق

وكان عنده القاضي الجليس والقاضي ابن الزبير فنظما معناه بديها، فقال الجليس

هل ‏عاذر ان رمت خلع عذاري / في شم سالفة ولثم عذار

تتالف الاضداد فيه ولم تزل / في سالف الايام ذات نفار

وله من الزفرات لفح صواعق / وله من العبرات لج بحار

كذبالة القنديل قدر هلكها / ما بين ماء في‏ الزجاج ونار

وقال ابن الزبير:

كاني وقد سالت سيول مدامعي / فاذكت حريقا في الحشا والترائب

ذبالة قنديل تقوم بمائها / وتشعل فيها النار من كل جانب ((4-1109))

كتب ابو المعالي الى القاضي الرشيد المصري ((4-1110)) قوله:

ثروة المكرمات بعدك فقر / ومحل العلى ببعدك قفر

بك تجلى اذا حللت الدياجي / وتمر الايام حيث تمر

اذنب الدهر في مسيرك ذنبا / ليس منه سوى ايابك عذر ((4-1111))

حكي انه استاذن هو والقاضي الرشيد ذات يوم على احد الوزراء فلم ياذن لهماواعتذر عن المواجهة، ووجدا عنده غلظة من الحجاب، ثم عاوداه مرة‏اخرى ‏واستاذنا عليه، فقيل لهما: انه نائم. فخرجا من عنده فقال القاضي الرشيد:

توقع لايام اللئام زوالها / فعما قليل سوف تنكر حالها

فلو كنت تدعو اللّه في كل حالة / لتبقى عليهم ما امنت انتقالها

وقال القاضي الجليس:

لئن انكرتم منا ازدحاما / ليجتنبنكم هذا الزحام

وان نمتم عن الحاجات عمدا / فعين الدهر عنكم لا تنام

فلم يكن بعد ايام حتى نكب الوزير نكبة عظيمة. مرآة الجنان (3/302).

قال الصفدي في نكت الهميان ((4-1112)) : كان الموفق بن الخلال خال القاضي الجليس،فحصل لابن الخلال نكبة وحصل للقاضي بسبب خاله ابن الخلال صداع، فكتب‏القاضي الى القاضي الرشيد:

تسمع مقالي يا ابن الزبير / فانت خليق بان تسمعه

نكبنا بذي نسب شابك / قليل الجدى في زمان الدعه

اذا ناله الخير لم نرجه / وان صفعوه صفعنا معه

توفي القاضي الجليس سنة (561) وقد اناف على السبعين، كما في فوات ‏الوفيات ((4-1113)) .

ذكر سيدنا العلامة السيد احمد العطار البغدادي في الجزء الاول من كتابه: الرائق، جملة‏من شعر شاعرنا الجليس، منها قصيدة يرثي بها اهل البيت الطاهرين، ويمدح الملك‏الصالح بن رزيك ويذكر مواقفه المشكورة في خدمة آل اللّه، اولها:

لولا مجانبة الملوك الشاني / ما تم شاني في الغرام بشاني

(50) بيتا

وقصيدة في رثاء العترة الطاهرة تناهز (66) بيتا، مطلعها:

ارايت جراة طيف هذا الزائر / ما هاب عادية الغيور الزائر

وافى وشملته الظلام ولم يكن / ليزور الا في ظلام ساتر

فكانه انسان عين لم يلح / مذ قط الا في سواد الناظر

ما حكم اجفاني كحكم جفونها / شتان بين سواهر وسواحر

وقصيدة يمدح بها الامام امير المؤمنين صلوات اللّه عليه ويذكر الملك الصالح ويثني ‏عليه، تبلغ (72) بيتا، مستهلها:

على كل خير من وصالك مانع / وفي كل لحظ من جمالك شافع

وقصيدة (62) بيتا يدعم بها امرة الامام امير المؤمنين (ع) بعد رسول اللّه(ص). ويرثي ‏الامام السبط(ع)، ويذكر الملك الصالح بن رزيك ويطريه، اولها:

الا هل لدمعي في الغمام رسيل / وهل لي الى برد الغليل سبيل

وذكر له قصيدة لامية تبلغ (51) بيتا في المديح والرثاء لاهل البيت الطاهر صلى اللّه عليهم وسلم.

LEAVE A COMMENT