(48) ابن العودي النيلي

  الغدير

(48) ابن العودي النيلي

المولود (478)

المتوفى (حدود558)

متى يشتفي من لاعج القلب مغرم / وقد لج في الهجران من ليس يرحم

اذا هم ان يسلو ابى عن سلوه / فؤاد بنيران الاسى يتضرم

ويثنيه عن سلوانه لفضيلة / عهود التصابي والهوى المتقدم

رمته بلحظ لا يكاد سليمه /من الخبل والوجد المبرح يسلم

اذا ما تلظت في الحشا منه لوعة / طفتها دموع من اماقيه تسجم

مقيم على اسر الهوى وفؤاده / تغور به ايدي الهموم وقتهم ((4-1094))

يجن الهوى عن عاذليه تجلدا / فيبدي جواه ما يجن ويكتم

يعلل نفسا بالاماني سقيمة / وحسبك من داء يصح ويسقم

وقد غفلت عنا الليالي واصبحت / عيون العدى عن وصلنا وهي نوم

فكم من غصون قد ضممت ثديها / الي وافواه بها كنت الثم

اجيل ذراعي لاهيا فوق منكب / وخصر غدا من ثقله يتظلم

وامتاح راحا من شنيب كانه / من الدر والياقوت في السلك ينظم

فلما علاني الشيب وابيض عارضي / وبان الصبا واعوج مني المقوم

واضحى مشيبي للعذار ملثما / به ولراسي بالبياض يعمم

وامسيت من وصل الغواني ممنعا / كاني من شيبي لديهن مجرم

بكيت على ما فات مني ندامة / كاني خنس في البكا او متمم ((4-1095))

واصفيت مدحي للنبي وصنوه / وللنفر البيض الذين هم هم

هم التين والزيتون آل محمد / هم شجر الطوبى لمن يتفهم

هم جنة الماوى هم الحوض في غد / هم اللوح والسقف الرفيع المعظم

هم آل عمران هم الحج والنسا / هم سبا والذاريات ومريم

هم آل ياسين وطه وهل اتى / هم النحل والانفال ان كنت تعلم

هم الاية الكبرى هم الركن والصفا / هم الحج والبيت العتيق المكرم

هم في غد سفن النجاة لمن وعى / هم العروة الوثقى التي ليس تفصم

هم‏الجنب جنب اللّه في البيت والورى / هم العين عين اللّه في الناس تعلم

هم الال فينا والمعالي هم العلى / ينمم في منهاجهم حيث يمموا

هم الغاية القصوى هم منتهى المنى / سل النص في القرآن ينبئك عنهم

هم في غد للقادمين سقاتهم / اذا وردوا والحوض بالماء مفعم

فلولاهم لم يخلق اللّه خلقه / ولا هبطا للنسل حوا وآدم

هم باهلوا نجران من داخل العبا / فعاد المناوي فيهم وهو مفحم

واقبل جبريل يقول مفاخرا / لميكال من مثلي وقد صرت منهم

فمن مثلهم في العالمين وقد غدا / لهم سيد الاملاك جبريل يخدم

ومن ذا يساويهم بفضل ونعمة / من الناس والقرآن يؤخذ عنهم

ابوهم امير المؤمنين وجدهم / ابو القاسم الهادي النبي المكرم

هم شرعوا الدين الحنيفي والتقى / وقاموا بحكم اللّه من حيث يحكم

وخالهم ابراهيم والام فاطم / وعمهم الطيار في الخلد ينعم

الى اللّه ابرا من رجال تتابعوا / على قتلهم يا للورى كيف اقدموا

حموهم لذيذ الماء والورد مفعم / واسقوهم كاس الردى وهو علقم

وعاثوا بل المصطفى بعد موته / بما قتل الكرار بالامس منهم

وثاروا عليه ثورة جاهلية / على انه ما كان في القوم مسلم

والقوهم في الغاضريات صرعا / كانهم قف على الارض جثم ((4-1096))

تحاماهم وحش الفلا وتنوشهم / بارياشها طير الفلا وهي حوم ((4-1097))

باسيافهم اردوهم ولدينهم / اريق باطراف القنا منهم الدم

وما قدمت يوم الطفوف امية / على السبط الا بالذين تقدموا

وانى لهم ان يبرؤوا من دمائهم / وقد اسرجوها للخصام والجموا

وقد علموا ان الولاء لحيدر / ولكنه ما زال يؤذى ويظلم

تعدوا عليه واستبدوا بظلمه / واخر وهو السيد المتقدم

وقد زعموها فلتة كان بدؤها / وقال اقتلوا من كان في ذاك يخصم

وافضوا الى الشورى بها بين ستة / وكان ابن عوف منهم المتوسم

وما قصدوا الا ليقتل بينهم / علي وكان اللّه للطهر يعصم

والا فليث لا يقاس باضبع / واين من الشمس المنيرة انجم

فواعجبا من اين كانوا نظائرا / وهل غيره طب من الغي فيهم

ولكن امور قدرت لضلالهم / وللّه صنع في الارادة محكم

عصوا ربهم فيه ضلالا فاهلكوا / كما هلكت من قبل عاد وجرهم

فما عذرهم للمصطفى في معادهم / اذا قال لم خنتم عليا وجرتم

وما عذرهم ان قال ماذا صنعتم / بصنوي من بعدي وماذا فعلتم

عهدت اليكم بالقبول لامره / فلم حلتم عن عهده وغدرتم

نبذتم كتاب اللّه خلف ظهوركم / وخالفتموه بئس ما قد صنعتم

وخلفت فيكم عترتي لهداكم / فكم قمتم في ظلهم وقعدتم

قلبتم لهم ظهر المجن وجرتم / عليهم واحساني اليكم كفرتم

وما زلتم بالقتل تطغون فيهم / الى ان بلغتم فيهم ما اردتم

كانهم كانوا من الروم فالتقت / سراياكم صلبانهم وظفرتم

ولكن اخذتم من بني بثاركم / فحسبكم خزيا على ما اجتراتم

منعتم تراثي ابنتي لا ابا لكم / فلم انتم آباءكم قد ورثتم

وقلتم نبي لا تراث لولده / اللاجنبي الارث فيما زعمتم

فهذا سليمان لداود وارث / ويحيى لزكريا فلم ذا منعتم

فان كان منه للنبوة وارثا / كما قد حكمتم في الفتاوى وقلتم

فقد ينبغي نسل النبيين كلهم / ومن جاء منهم بالنبوة يوسم

وقلتم حرام متعة الحج والنسا / اعن ربكم ام عنكم ما شرعتم

زناتكم تعفون عنهم ومن اتى / اليكم من المستمتعين قتلتم

الم يات ما استمتعتم من حليلة / فتوا لها من اجرها ما فرضتم

فهل نسخ القرآن ما كان قد اتى / بتحليله ام انتم قد نسختم

وكل نبي جاء قبل وصيه / مطاع وانتم للوصي عصيتم

ففعلكم في الدين اضحى منافيا / لفعلي وامري غير ما قد امرتم

وقلتم مضى عنا بغير وصية / الم يوص لو طاوعتم وامتثلتم

وقد قال من لم يوص من قبل موته / يمت جاهلا بل انتم قد جهلتم

نصبت لكم بعدي اماما يدلكم / على اللّه فاستكبرتم وظلمتم

وقد قلت في تقديمه وولائه / عليكم بما شاهدتم وسمعتم

علي غدا مني محلا وقربة / كهارون من موسى فلم عنه حلتم

شقيتم به شقوى ثمود بصالح / وكل امرئ يبقى له ما يقدم

وملتم الى الدنيا فضلت عقولكم / الا كل مغرور بدنياه يندم

لحى اللّه قوما اجلبوا وتعاونوا / على حيدر فيما اساؤوا واجرموا

زووا عن امير النحل بالظلم حقه / عنادا له والطهر يغضي ويكظم

وقد نصها يوم الغدير محمد / وقال الا يا ايها الناس فاعلموا

لقد جاءني في النص بلغ رسالتي / وها انا في تبليغها المتكلم

علي وصيي فاتبعوه فانه / امامكم بعدي اذا غبت عنكم

فقالوا رضيناه اماما وحاكما / علينا ومولى وهو فينا المحكم

راوا رشدهم في ذلك اليوم وحده / ولكنهم عن رشدهم في غد عموا

فلما توفي المصطفى قال بعضهم / ايحكم فينا لا وباللات نقسم

ونازعه فيها رجال ولم يكن / لهم قدم فيها ولا متقدم

وظلوا عليها عاكفين كانهم / على غرة كل لها يتوسم

يقيم حدود اللّه في غير حقها / ويفتي اذا استفتي بما ليس يعلم

يكفر هذا راي هذا بقوله / وينقض هذا ما له ذاك يبرم

وقالوا اختلاف الناس في الفقه رحمة / فلم يك من هذا يحل ويحرم

اربان للانسان ام كان دينهم / على النقص من دون الكمال فتمموا

ام اللّه لا يرضى بشرع نبيه / فعادوا وهم في ذاك بالشرع اقوم

ام المصطفى قد كان في وحي ربه / ينقص في تبليغه ويجمجم

ام القوم كانوا انبياء صوامتا / فلما مضى المبعوث عنهم تكلموا

ام الشرع فيه كان زيغ عن الهدى / فسووه من بعد النبي وقوموا

ام الدين لم يكمل على عهد احمد / فعادوا عليه بالكمال واحكموا

اما قال اني اليوم اكملت دينكم / واتممت بالنعماء مني عليكم

وقال اطيعوا اللّه ثم رسوله / تفوزوا ولا تعصوا اولي الامر منكم

فلم حرموا ما كان حلا وحللوا / بفتواهم ما جاز وهو محرم

ترى اللّه فيما قال قد زل ام هذى / نبي الهدى ام كان جبريل يوهم

لقد ابدعوا مما نووا من خلافهم / وقال اقبلوا مما يقول وسلموا

والا تركتم ان ابيتم رماحنا / واسيافنا فيكم تسدى وتلحم

وما مات حتى اكمل اللّه دينه / ولم يبق امر بعد ذلك مبهم

ولكن حقود اظهرت وضغائن / وبغي وجور بين الظلم منهم

يقرب مفضول ويبعد فاضل / ويسكت منطيق وينطق ابكم

وما اخروا فيها عليا لموجب / ولكن تعد منهم وتظلم

وكم شرعوا في نقض ما شاد احمد / ولكن دين اللّه لا يتهدم

وحاشا لدين شيد الحق ركنه / بسيف علي يعتريه التهدم

فحسبهم في ظلم آل محمد / من اللّه في العقبى عقاب وماثم

فان غصبوهم امر دنيا دنية / فما لهم في الحشر ابقى وادوم

فهل عظمت في الدهر قط مصيبة / على الناس الا وهي في الدين اعظم

تولى باجماع على الناس اول / ونص على الثاني بها وهو مغرم

وقال اقيلوني فلست بخيركم / فلم نصها لو صح ما كان يزعم

واثبتها في جوره بعد موته / صهاكية خشناء للخصم تكلم

ولو ادرك الثاني لمولى حذيفة / لولاه دون الغير والانف يرغم

وقد نالها شورى من القوم ثالث / وجرد سيف للوصي ولهذم

اشورى واجماع ونص خلافة / تعالوا على الاسلام نبكي ونلطم

وصاحبها المنصوص عنها بمعزل / يديم تلاوات الكتاب ويختم

ولو انه كان المولى عليهم / اذن لهداهم فهو بالامر اعلم

هو العالم الحبر الذي ليس مثله / هو البطل القرم الهزبر الغشمشم

وما زال في بدر واحد وخيبر / يفل جيوش المشركين ويحطم

يكر ويعلوهم بقائم سيفه / الى ان اطاعوا مكرهين واسلموا

وما دخلوا الاسلام دينا وانما / منافقة كي يرفع السيف عنهم

وقالوا علي كان في الحكم ظالما / ليكثر بالدعوى عليه التظلم

وقالوا دماء المسلمين اراقها / وقد كان في القتلى بري‏ء ومجرم

فقلت لهم مهلا عدمتم صوابكم / وصي النبي المصطفى كيف يظلم

اراق دماء المسلمين فوالذي / هدانا به ما كان في القوم مسلم

ولكنه للناكثين بعهده / وممن تعدى منهم كان ينقم

اما قال اقضاكم علي محمد / كذا قد رواه الناقد المتقدم

فان جار ظلما في القضايا بزعمكم / علي فمن زكاه لا شك اظلم

فيا ليتني قد كنت بالامس حاضرا / فاشركه في قتلهم واصمم

والقى الهي دونهم بدمائهم / فننظر عند اللّه من يتندم

فمن كعلي عند كل ملمة / اذا ما التقى الجمعان والنقع مفعم

ومن ذا يساميه بعلم ولم يزل / يقول سلوني ما يحل ويحرم

سلوني ففي جنبي علم ورثته / عن المصطفى ما فاه مني به الفم

سلوني عن طرق السموات انني / بها من سلوك الارض والطرق اعلم

ولو كشف اللّه الغطا لم ازد به / يقينا على ما كنت ادري واعلم

وكاين له من آية وفضيلة / ومن مكرمات ما تعم وتكتم

فمن ختمت اعماله عند موته / بخير فاعمالي بحبيه تختم

فيا رب بالاشباح آل محمد / نجوم الهدى للناس والافق مظلم

وبالقائم المهدي من آل احمد / وآبائه الهادين والحق معصم

تفضل على العودي منك برحمة / فانت اذا استرحمت تعفو وترحم

تجاوز بحسن العفو عن سيئاته / اذا ما تلظت في المعاد جهنم

ومن عليه من لدنك برافة / فانك انت المنعم المتكرم

فان كان لي ذنب عظيم جنيته / فعفوك والغفران لي منه اعظم

وان كنت بالتشبيب في الشعر ابتدي / فاني بمدح الصفوة الزهر اختم

وله قصيدة اخرى يذكر فيها حديث الغدير ويراه نصا على الامامة والخلافة لاميرالمؤمنين (ع) بعد النبي الاعظم صلوات اللّه عليه وآله اولها:

بفنا الغري وفي عراص العلقم / تمحى الذنوب عن المسي‏ء المجرم

قبران قبر للوصي وآخر / فيه الحسين فعج عليه وسلم

هذا قتيل بالطفوف على ظما / وابوه في كوفان ضرج بالدم

واذا دعا داعي الحجيج بمكة / فاليهما قصد التقي المسلم

فاقصدهما وقل السلام عليكما / وعلى الائمة والنبي الاكرم

انتم بنو طه وقاف والضحى / وبنو تبارك والكتاب المحكم

وبنو الاباطح والمسلخ والصفا / والركن والبيت العتيق وزمزم

بكم النجاة من الجحيم وانتم / خير البرية من سلالة آدم

انتم مصابيح الدجى لمن اهتدى / والعروة الوثقى التي لم تفصم

واليكم قصد الولي وانتم / انصاره في كل خطب مولم

وبكم يفوز غدا اذا ما اضرمت / في الحشر للعاصين نار جهنم

من مثلكم في العالمين وعندكم / علم الكتاب وعلم ما لم يعلم

جبريل خادمكم وخادم جدكم / ولغيركم في ما مضى لم يخدم

ابني رسول اللّه ان اباكم / من دوحة فيها النبوة ينتمي

آخاه من دون البرية احمد / واختصه بالامر لو لم يظلم

نص الولاية والخلافة بعده / يوم الغدير له برغم اللوم

ودعا له الهادي وقال ملبيا / يا رب قد بلغت فاشهد واعلم

حتى اذا قبض النبي واصبحوا / مثل الذباب تلوح حول المطعم

نكثت ببيعته رجال اسلمت / افواههم وقلوبهم لم تسلم

وتداولوها بينهم فكانها / كاس تدور على عطاش حوم

القصيدة (57) بيتا

الشاعر

الربيب ابو المعالي سالم بن علي بن سلمان بن علي المعروف بابن العودي العودي ((4-1098)) آالتغلبي النيلي، نسبة الى بلدة النيل على نهر النيل المستمد من الفرات الممتد نحوالشرق الجنوبي، وكانت ولادته بها سنة (478).

لم اقف على ترجمة ابي المعالي ابسط مما نشرته مجلة الغري النجفية الغراء في العدد الآ(22 و 23) من السنة السابعة بقلم الدكتور مصطفى جواد البغدادي، ذلك البحاثة‏المنقب، واليك نصه، قال:

كان ابو المعالي من الشعراء الذين اشتهر شعرهم وقلت اخبار سيرهم، فهو كوكب من‏كواكب الادب، ومشاهد نوره مجهولة حقيقته او حقائق اوصافه، وكان في الايام التي‏جمع فيها عماد الدين الاصفهاني اخبار الشعراء ، ولذلك قال في نعته: شاب شبت له‏نار الذكاء، وشاب لنظمه صرف الصهباء بصافي الماء، ودر من فيه شؤبوب الفصاحة،يسقي من ينشده شعره راح الراحة، وردت واسطا سنة خمسين يعني خمسين‏ وخمس مائة فذكر لي انه كان بها للاسترفاد، وقام في بعض الايام ينشد خادم الخليفة آفاتنا ((4-1099)) فسبقه غيره الى الانشاد، فقعد ولم يعد اليه وسلم على رفده وعليه، وصمم‏عزم الرحيل الى وطنه بالنيل، ولقيته بعد ذلك في سنة اربع وخمسين بالهمامية. انتهى. واشارة العماد الى انه كان شابا من فلتات الشباب.

ويلوح لنا من اثناء هذا الخبر ان ابن العودي كان مع تحريره انشاده لاسترفاده ابي ‏النفس، معتدا بشعره، والشاعر الابي المسترفد لا يورثه اباؤه الا الحرمان واساءة‏الزمان. ومن شعره الذي نقله قطب الدين ابو يعلى محمد بن علي بن حمزة العلوي الاقساسي،تغزله بامراة نصف اي متوسطة العمر :

ابى القلب الا ام فضل وان غدت / تعد من النصف الاخير لداتها

لقد زادها عندي المشيب ملاحة / وان زعم الواشي وساء عداتها

فان غيرت منها الليالي ففي الحشا / لها حرق ما تنطفي زفراتها

فما نال منها الدهر حتى تكاملت / كمالا واعيى الواصفين صفاتها

سبتني بفرع فاحم وبمقلة / لها لحظات ما تفك عناتها

وثغر زهت فيه ثنايا كانها / حصى برد تشفي الصدار ((4-1100)) شفاتها

ولما التقينا بعد بعد من النوى / وقد حان نحوي بالسلام التفاتها

رايت عليها للجمال بقية / فعاد لنفسي في الهوى نشواتها

وانشد القاضي عبدالمنعم بن مقبل الواسط‏ي له:

هم اقعدوني في الهوى واقاموا / وابلوا جفوني بالسهاد وناموا

وهم تركوني للعتاب دريئة / اؤنب في حبيهم والام

ولو انصفوا في الحب قسمة بيننا ((4-1101)) / لهاموا كما بي صبوة وهيام

ولكنهم لما استدر لنا الهوى / كرمت بحفظ‏ي للوداد ولاموا

ولما تنادوا للرحيل وقوضت / لبينهم بالابرقين خيام

رميت بطرفي نحوهم متاملا / وفي القلب مني لوعة وضرام

وعدت وبي مما اجن صبابة / لها بين اثناء الضلوع كلام

اذا هاج بي وجد وشوق كانما / تضمر اعشار الفؤاد سهام

ولائمة في الحب قلت لها اقصري / فمثلي لا يسلي هواه ملام

ااسلو الهوى بعد المشيب ولم يزل / يصاحبني مذ كنت وهو غلام

ولما جزعنا الرمل رمل عنيزة / وناحت باعلى الدوحتين حمام

صبوت اشتياقا ثم قلت لصاحبي / الا انما نوح الحمام حمام

تجهز لبين او تسل عن الهوى / فما لك من ليلي الغداة لمام

وكيف يرجى النول عند بخيلة / تروم الثريا وهي ليس ترام

مهفهفة الاعطاف اما جبينها / فصبح واما فرعها فظلام

فيا ليت لي منها بلوغا الى المنى / حلالا فان لم يقض لي فحرام

وهذه المعاني التي اودعها ابن العودي قصيدة مالوفة متعالمة بين الشعراء، الا ان نسج‏شعره عربي بحت يضفي على تلك المعاني ما لا يستطيعه النسج السابري ، وقد نقل‏الصفدي ابياتا من هذه القصيدة ((4-1102)) ومن غيرها من شعر ابن العودي وذكر: ان شعره‏متوسط. ولا نرى في هذا الحكم حنقا فانه متوسط حقا من حيث المعاني، ولكنه في‏حبكه وتاليفه من الطبقة الاولى ، فان العرب تنظر الى المباني قبل المعاني، بحكم ما في‏لغتها من موسيقى وجرس ورنين، وهذا لا يعني انها تقر من النظم ما لا معنى له ، لان شرط صحة المباني احتواؤها على صحة المعاني كائنة ما كانت.

وقد نظم ابن العودي في الشعر المذهبي الذي اكثر منه: السيد الحميري، وابن حماد،والعوني، والناشي‏ء الاصغر، وابن علويه الاصفهاني ((4-1103)) ، والوراق القمي. ولما دخل‏ابن شهرآشوب العراق في اواسط القرن السادس الفى شعر ابن العودي في المذهب‏تستهديه الاذان افواه الشداة والمنشدين، فضمن كتابه مناقب آل ابي طالب‏شيئامنه ((4-1104)) وكثيرا من شعر الناظمين في المذهب. وبعد ترك ابن شهرآشوب العراق‏الى الشام حدثت ببغداد فتن مذهبيه ووثب الحنابلة كعادتهم باعدائهم في المذهب،فاحرقوا كتبهم وفيها دواوين شعرائهم واضطهدوهم اضطهادا فظيعا، فضاع كل ذلك‏الادب غثه وسمينه وصار طعمة للنار، والظاهر ان ذلك الضرب من النظم في شعر ابن‏العودي هو الذي حمل محب الدين محمدا المعروف بابن النجار البغدادي على ان يقول‏في ترجمة ابن العودي: كان رافضيا خبيثا يهجو الصحابة. ومن شعر ابن العودي في اقامته مدة بواسط:

يؤرقني في واسط كل ليلة / وساوس هم من نوى وفراق

فيا للهوى هل راحم لمتيم / يعل بكاس للفراق دهاق

خليلي هل ما فات يرجى وهل لنا / على الناي من بعد الفراق تلاقي

فان كنت ابدي سلوة عن هواكم / فان صباباتي بكم لبواقي

الا يا حمامات على نهر سالم / سلمت ووقاك التفرق واقي

تعالين نبد النوح كل بشجوه / فان اكتتام الوجد غير مطاق

على ان وجدي غير وجدك في ‏الهوى / فدمعي مهراق ودمعك راقي

وما كنت ادري بعد ما كان بيننا / من الوصل اني للفراق ملاقي

فها انت قد هيجت لي حرق الجوى / وابديت مكنون الهوى لوفاقي

واسهرتني بالنوح حتى كانما / سقاك بكاسات التفرق ساقي

فلا تحسبي اني نزعت عن الهوى / وكيف نزوعي عنه بعد وفاقي

ولكنني اخفيت ما بي من الجوى / لكي لا يرى الواشون ما انا لاق

قال الشريف قطب الدين ابو يعلى محمد بن علي بن حمزة: انشدني الربيب ابو المعالي‏سالم بن العودي في منزلي مستهل صفر سنة خمسين وخمسمائة:

ما حبست الكتاب عنك لهجر / لا ولا كان ذاكم عن تجافي

غير ان الزمان يحدث للمر / ء امورا تنسيه كل مصافي

شيم مرت الليالي عليها / والليالي قليلة الانصاف

وهذه ابيات حكمية كريمة منتزعة معانيها من صميم الحقيقة الحيوية. وقال الحسن بن هبة اللّه التغلبي المعروف بابن مصري الدمشقي: انشدني ابو المعالي‏سالم بن علي العودي لنفسه:

دع الدنيا لمن امسى بخيلا / وقاطع من تراه لها وصولا

ولا تركن الى الايام واعلم / بان الدهر لا يبقي جليلا

فكم قد غرت الدنيا اناسا / وكم قد اقنت الدنيا قبيلا

وما هذي الحياة وان تراخت / بممتعة بها الا قليلا

فويل لابن آدم من مقام / يكون به العزيز غدا ذليلا

قال: وانشدني ابو المعالي لنفسه:

ااخي انك ميت / فدع التعلل بالتمادي

لا تركنن الى الحيا / ة فان عزك في نفاد

ازف الرحيل فلا تكن / ممن يسير بغير زاد

يا غافلا والموت يقـ /  ـدح في سنيه بلا زناد

لا بد يوما للنبا / ت اذا تكامل من حصاد

وانشدني لنفسه:

لا اقتضيك على السماح فانه / لك عادة لكنني انا مذكر

ان السحاب اذا تمسك بالندى / رغبوا اليه بالدعاء فيمطر

وانشدني لنفسه:

سيدي عد الى الوصا / ل فقد شفني الضنا

وترفق بعاشق / ما له عنك من غنى

ان تكن تطلب الصوا / ب بوصل فها انا

او ترد بالنوى دنو / حمامي فقد دنا

وانشد:

يا عاتبين على عان يحبكم / لا تجمعوا بين عتب في الهوى وعنا

ان كان صدكم عني حدوث غنى / فما لنا عنكم حتى الممات غنى

ومن شعره قوله:

يقولون لو داويت قلبك لارعوى / بسلوانه عن حب ليلى وعن جمل

وهيهات يبرا بالتمائم والرقى / سليم الثنايا الغر والحدق النجل

ولم اقف على سنة وفاة ابن العودي، الا ان سنة ولادته اعني سنة (478) ورؤية‏عماد الدين الاصفهاني له سنة (554) بالهمامية قرب واسط، لا تتركان للظن ان‏يغالى‏في بقائه طويلا بعد سنة (554) المذكورة، بل لا اراه قد جاوز سنة (558) فانهاتجعل عمره ثمانين سنة، وذلك من نوادر الاعمار في هذه الديار. انتهى .

LEAVE A COMMENT