(29) ابو الرقعمق الانطاكي

  الغدير

(29) ابو الرقعمق الانطاكي

((4-330)) المتوفى (399)

كتب الحصير الى السرير / ان الفصيل ابن البعير

فلمثلها طرب الامـ / ـير الى طباهجة بقير ((4-331))

فلامنعن حمارتي / سنتين من علف الشعير

لاهم الا ان تطـ / ـير من الهزال مع الطيور

فلاخبرنك قصتي / فلقد وقعت على الخبير

ان الذين تصافعوا / بالقرع في زمن القشور

اسفوا علي لانهم / حضروا ولم اك في الحضور

لو كنت ثم لقيل هل / من آخذ بيد الضرير

ولقد دخلت على الصديـ / ـق البيت في اليوم المطير

متشمرا متبختر / اللصفع بالدلو الكبير

فادرت حين تبادروا/ دلوي فكان على المدير

يا للرجال تصافعوا / فالصفع مفتاح السرور

لا تغفلوه فانه / ‏يستل احقاد الصدور

هو في المجالس كالبخو / ر فلا تملوا من بخور

ولاذكرن اذا ذكرت / ‏احبتي وقت السحور

ولاحزنن لانهم‏ / لما دنا نضج القدور

رحلوا وقد خبزوا الفطيـ / ـر ففاتهم اكل الفطير

لا والذي نطق النبي / بفضله يوم الغدير

ما للامام ابي علي / في البرية من نظير ((4-332))

الشاعر

ابو حامد احمد بن محمد الانطاكي نزيل مصر المعروف بابي الرقعمق، احد الشعراءالمشاهير المتصرفين في فنون الشعر، وله شوطه البعيد في اساليب البيان غير انه ربماخلط الجد بالهزل. نشا بالشام ثم رحل الى مصر واخذ فيها شهرة طائلة ومكانة من‏الادب عظيمة، ومدح ملوكها وزعماءها ورؤساءها، وممن مدح: المعز ابو تميم معد بن‏المنصور بن القائم بن المهدي عبيداللّه، وابنه زفر عزيز مصر، والحاكم ابن العزيز،وجوهر القائد، والوزير ابو الفرج يعقوب بن كلس ونظراؤهم، وصادف فيها جماعة‏من اهل الهزل والمجون فاوغل فيهما كل الايغال حتى نبز بابي الرقعمق، وقد يقال: انه‏هو الذي سمى نفسه بذلك، وقد اعلن في شعره انه حليف الرقاعة، بقوله:

استغفر اللّه من عقل نطقت به / ما لي وللعقل ليس العقل من شاني

لا والذي دون هذا الخلق صيرني / احدوثة وبحب الحمق اغراني

والبيتان من قصيدة له سجل بها ليل تنيس ((4-333)) وهي مدينة مصرية كان بها في بعض‏العهود خمسمائة صاحب محبرة يكتبون الحديث، ومطلع القصيدة:

ليلي بتنيس ليل الخائف العاني / تفنى الليالي وليلي ليس بالفاني

وينم عن توغله في المجون قوله من قصيدة:

كفي ملامك ياذات الملامات / فما اريد بديلا بالرقاعات

كانني وجنود الصقع تتبعني / وقد تلوت مزامير الرطانات

قسيس دير تلا مزماره سحرا / على القسوس بترجيع ورنات

وقد مجنت وعلمت المجون فما / ادعى بشي‏ء سوى رب المجانات

وذاك اني رايت العقل مطرحا / فجئت اهل زماني بالحماقات

وقوله من قصيدة:

ففي ما شئت من حمق ومن هوس / قليله لكثير الحمق اكسير

كم رام ادراكه قوم فاعجزهم / وكيف يدرك ما فيه قناطير

لاشكرن حماقاتي لان بها / لواء حمقي في الافاق منشور

ولست ابغي بها خلا ولا بدلا / هيهات غيري بترك الحمق معذور

لا عيب في سوى اني اذا طربوا / وقد حضرت يرى في الراس تفجير

وقوله من قصيدة:

فاسمعن مني ودعني / ‏من كثير وقليل

وصغير وكبير / ودقيق وجليل

قد ربحنا بالحما / قات على اهل العقول

فرعى اللّه ويبقي / ‏كل ذي عقل قليل

ما له في الحمق والخفـ / ـة مثلي من عديل

فمتى اذكر قالوا / شيخنا طبل الطبول

شيخنا شيخ ولكن‏ / ليس بالشيخ النبيل

واكثر شعره جيد على اسلوب صريع الدلاء والقصار البصري كما قاله ابن‏خلكان ((4-334)) ، ويستشهد بشعره في الادب كما في باب المشاكلة ((4-335)) من التلخيص وسائركتب البيان، وقد استشهد عليها بقوله:

قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه / قلت اطبخوا لي جبة وقميصا

قال السيد العباسي في معاهد التنصيص ((4-336)) (1/225): هو قول ابي الرقعمق، يروى انه‏قال: كان لي اخوان اربعة وكنت انادمهم ايام الاستاذ كافور الاخشيدي، فجاءني‏رسولهم في يوم بارد وليست لي كسوة تحصنني من البرد، فقال: اخوانك يقراون عليك‏السلام ويقولون لك: قد اصطبحنا اليوم وذبحنا شاة سمينة فاشته علينا ما نطبخ لك‏منها، قال: فكتبت اليهم:

اخواننا قصدوا الصبوح بسحرة / فاتى رسولهم الي خصوصا

قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه / قلت اطبخوا لي جبة وقميصا

قال: فذهب الرسول بالرقعة، فما شعرت حتى عاد ومعه اربع خلع واربع‏صرر في‏كل‏صر ة عشرة دنانير، فلبست احدى الخلع وسرت اليهم.

ترجمه الثعالبي في يتيمة الدهر ((4-337)) (1/269 296) وذكر من شعره اربعمائة واربعة‏وتسعين بيتا، وقال: نادرة الزمان، وجملة الاحسان، وممن تصرف بالشعر الجزل في‏انواع الجد والهزل، واحرز قصد الفضل، وهو احد المداح المجيدين والفضلاء المحسنين،وهو بالشام كابن الحجاج بالعراق. ولعل كونه كابن الحجاج السابق ذكره‏ ينم عن‏تشيعه، فان ذلك اظهر اوصاف ابن الحجاج واجل ما يؤثر عنه، فقد عرفه من عرفه‏بولائه الصلب لاهل بيت الوحي (ع) والتجهم امام اضدادهم والوقيعة فيهم، فقاعدة‏التشبيه تستدعي ان يكون شاعرنا المترجم مثله او قريبا منه، على ان صاحب نسمة‏السحر ((4-338)) عده ممن تشيع وشعر، وعقد له ترجمة‏ضافية الذيول.

نعم، ويشبه ابن الحجاج في تغلب المجون على شعره، ولا يبعد جدا ان يكون هذامرمى كلام الثعالبي. ومن شعره قصيدة في ممدوح ((4-339)) له علوي، منها قوله ((4-340))

وعجيب ‏والحسين له / راحة بالجود تنسكب

ان شربي عنده رنق‏ / ولديه مربعي جدب

وله الورد المعاذ به / والجناب الممرع الخصب

وهو الغيث الملث اذا / اعوزتنا درها السحب ((4-341))

والى الرسي ملجؤنا / من صروف الدهر والهرب

سيد شادت علاه له / في العلا آباؤه‏النجب‏

وله بيت تمد له / فوق مجرى الانجم الطنب

حسبه بالمصطفى شرفا/ وعلي حين ينتسب

رتبة في العز شامخة‏ / قصرت عن نيلها الرتب

ذاك فخر ليس تنكره / لكم عجم ولا عرب

‏ولانتم من بفضلهم / جاءت الاخبار والكتب

‏واليكم كل منقبة‏ / في الورى تعزى وتنتسب

‏وبكم في كل معركة / تفخر الهندية القضب

‏وبكم في كل عارفة / ترفع الاستار والحجب‏

واذا سمر القنا اشتجرت / ‏فبكم تستكشف الكرب

وله من قصيدة اولها:

باح وجدا بهواه‏ / حين لم يعط مناه

مغرم اغرى به السقـ / ـم فما يرجى شفاه

كاد يخفيه نحول الـ / ـجسم حتى لا تراه

لو ضنا يخفي عن الـ / ـعين لاخفاه ضناه

ومنها قوله:

حبذا الرسي مولى / رضي الناس ولاه

جعل اللّه اعاديـ / ـه من السوء فداه

فلقد ايقن بالثر / وة من حل ذراه

من رقى حتى تناهى‏ / في المعالي مرتقاه

فاق ان يبلغ في الـ / ـسؤدد والمجد مداه

ملك مذ كان بالـ / ـسطوة ممنوع حماه

بحر جود ليس يدرى‏ / اين منه منتهاه

لم يضع من كان ابـ / ـرا هيم في الناس رجاه‏

لا ولا يفرق من‏ / صرف زمان ان عراه

من به استكفى اذى الـ / ـايام والدهر كفاه

كيف لا امدح من لم / ‏يخل خلق من نداه

‏ومن غرر محاسنه قوله يمدح من قصيدة، اولها:

قد سمعنا مقاله واعتذاره / واقلناه ذنبه وعثاره

والمعاني لمن عنيت ولكن / بك عرضت فاسمعي يا جاره

من مراديه انه ابد الدهـ / ـر تراه محللا ازراره

عالم انه عذاب من اللـ / ـه مباح لاعين النظاره

هتك اللّه ستره فلكم هتـ / ـك من ذي تستر استاره

سحرتني الحاظه وكذاكـ / ـل مليح الحاظه سحاره

ما على مؤثر التباعد والا / عراض لو آثر الرضا والزياره

وعلى انني وان كان قد عذ / ب بالهجر مؤثر ايثاره

لم ازل لا عدمته من حبيب / اشتهي قربه وآبى نفاره

يقول في مدحها:

لم يدع للعزيز في سائر الار / ض عدوا الا واخمد ناره

فلهذا اجتباه دون سوا / ه واصطفاه لنفسه واختاره

لم تشيد له الوزارة مجدا / لا ولا قيل رفعت مقداره

بل كساها وقد تخرمها الدهـ / ـر جلالا وبهجة ونضاره

كل يوم له على نوب الدهـ / ـر وكر الخطوب بالبذل غاره

ذو يد شانها الفرار من البخـ / ـل وفي حومة الوغى كراره

هي فلت عن العزيز عداه / بالعطايا وكثرت انصاره

هكذا كل فاضل يده تمـ / ـسي وتضحي نفاعة ضراره

فاستجره فليس يامن الا / من تفيا بظله واستجاره

فاذا ما رايته مطرقا يعـ / ـمل فيما يريده افكاره

لم يدع بالذكاء والذهن شيئا / في ضمير الغيوب الا اناره

لا ولا موضعا من الارض الا / كان بالراي مدركا اقطاره

زاده اللّه بسطة وكفاه / خوفه من زمانه وحذاره

وذكر النويري من شعره في نهاية الارب ((4-342)) في الجزء الثالث (ص‏190) قوله:

لو نيل بالمجد في‏ العلياء منزلة / لنال بالمجد اعناق السماوات

يرمي الخطوب براي يستضاء به / اذا دجا الراي من اهل البصيرات

فليس تلقاه الا عند عارفه / او واقفا في صدور السمهريات ((4-343))

ترجمه ابن خلكان في تاريخه ((4-344)) (1/42) وقال بعد الثناء عليه ونقل كلام‏الثعالبي‏المذكور وذكر ابيات من شعره: وذكره الامير المختار المسبحي في تاريخ مصر، وقال: توفي سنة تسع وتسعين وثلثمائة، وزاد غيره في يوم الجمعة لثمان بقين من شهررمضان، وقيل: في شهر ربيع الاخر، واظنه توفي بمصر.

وترجمه ((4-345)) اليافعي وارخ وفاته كما ذكر في مرآة الجنان (2/452)، وابن العماد الحنبلي‏في الشذرات (3/155)، والسيد العباسي في معاهد التنصيص (1/226)، والزركلي في ‏الاعلام (1/74)، وصاحب تاريخ آداب اللغة (2/264).

LEAVE A COMMENT