(27) ابن الحجاج البغدادي

  الغدير

(27) ابن الحجاج البغدادي

المتوفى (391)

يا صاحب القبة البيضاء في النجف / من زار قبرك واستشفى لديك شفي

زوروا ابا الحسن الهادي لعلكم / تحظون بالاجر والاقبال والزلف

زوروا لمن تسمع النجوى لديه فمن / يزره بالقبر ملهوفا لديه كفي

اذا وصلت فاحرم قبل تدخله / ملبيا واسع سعيا حوله وطف

حتى اذا طفت سبعا حول قبته / تامل الباب تلقى وجهه فقف

وقل سلام من اللّه السلام على / اهل السلام واهل العلم والشرف

اني اتيتك يا مولاي من بلدي / مستمسكا من حبال الحق بالطرف

راج بانك يا مولاي تشفع لي / وتسقني من رحيق شافي اللهف

لانك العروة الوثقى فمن علقت / بها يداه فلن يشقى ولم يخف

وان اسماءك الحسنى اذا تليت / على مريض شفي من سقمه الدنف

لان شانك شان غير منتقص / وان نورك نور غير منكسف

وانك الاية الكبرى التي ظهرت / للعارفين بانواع من الطرف

هذي ملائكة الرحمن دائمة / يهبطن نحوك بالالطاف والتحف

كالسطل والجام والمنديل جاء به / جبريل لا احد فيه بمختلف

كان النبي اذا استكفاك معضلة / من الامور وقد اعيت لديه كفي

وقصة الطائر المشوي عن انس / تخبر بما نصه المختار من شرف

والحب والقضب والزيتون حين اتوا / تكرما من اله العرش ذي اللطف

والخيل راكعة في النقع ساجدة / والمشرفيات‏ قد ضجت ‏على ‏الحجف ((4-267))

بعثت اغصان بان في جموعهم / فاصبحوا كرماد غير منتسف

لو شئت مسخهم في دورهم مسخوا / او شئت قلت لهم يا ارض انخسفي

والموت طوعك والارواح تملكها / وقد حكمت فلم تظلم ولم تحف

لا قدس اللّه قوما قال قائلهم / بخ بخ لك من فضل ومن شرف

وبايعوك بخم ثم اكدها / محمد بمقال منه غير خفي

عاقوك واطرحوا قول النبي ولم / يمنعهم قوله هذا اخي خلفي

هذا وليكم بعدي فمن علقت / به يداه فلن يخشى ولم يخف ((4-268))

القصيدة تناهز (64) بيتا ولها قصة تاتي في الترجمة ان شاء اللّه. وله من قصيدة اجاب بها عن قصيدة ابن سكرة ((4-269)) المتحامل بها على آل اللّهوشاعرهم ابن الحجاج المترجم‏ اخذناها من ديوانه المخطوط سنة (620) بقلم عمربن اسماعيل بن احمد الموصلي، اولها:

لا اكذب اللّه ان الصدق ينجيني / يد الامير بحمد اللّه تحييني

الى ان قال:

فما وجدت شفاء تستفيد به / الا ابتغاءك تهجو آل ياسين

كافاك ربك اذ اجرتك قدرته / بسب اهل العلى الغر الميامين

فقر وكفر هميع ((4-270)) انت بينهما / حتى الممات بلا دنيا ولا دين

فكان قولك في الزهراء فاطمة / قول امرى‏ء لهج بالنصب مفتون

عيرتها بالرحا والزاد تطحنه / لا زال زادك حبا غير مطحون

وقلت ان رسول اللّه زوجها / مسكينة بنت مسكين لمسكين

كذبت ياابن‏التي باب استها سلس الـ /  ـاغلاق بالليل مفكوك الزرافين ((4-271))

ست النساء غدا في الحشر يخدمها / اهل الجنان بحور الخرد العين

فقلت ان امير المؤمنين بغى / على معاوية في يوم صفين

وان قتل الحسين السبط قام به / في اللّه عزم امام غير موهون

فلا ابن مرجانة فيه بمحتقب ((4-272)) / اثم المسي‏ء ولا شمر بملعون

وان اجر ابن سعد في استباحته / آل النبوة اجر غير ممنون

هذا وعدت الى عثمان تندبه / بكل شعر ضعيف اللفظ ملحون

فصرت بالطعن من هذا الطريق الى / ما ليس يخفى على البله المجانين

وقلت افضل من يوم الغدير اذا / صحت روايته يوم الشعانين

ويوم عيدك عاشورا تعد له / ما يستعد النصارى للقرابين

تاتي بيوتكم فيه العجوز وهل / ذكر العجوز سوى وحي الشياطين

عاندت ربك مغترا بنقمته / وباس ربك باس غير مامون

فقال كن انت قردا في استه ذنب / وامر ربك بين الكاف والنون

وقال كن لي فتى تعلو مراتبه / عند الملوك وفي دور السلاطين

واللّه قد مسخ الادوار قبلك في / زمان موسى وفي ايام هارون

بدون ذنبك فالحق عندهم بهم / ودع لحاقك بي ان كنت تنويني

القصيدة (58) بيتا.

وله من قصيدة قوله:

بالمصطفى وبصهره / ووصيه يوم الغدير

الشاعر

ابو عبداللّه الحسين بن احمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحجاج النيلي البغدادي،احد العمد والاعيان من علماء الطائفة، وعبقري من عباقرة حملة العلم والادب، وقدعده صاحب رياض العلماء ((4-273)) من كبراء العلماء، كما عده ابن خلكان ((4-274)) وابو الفداءمن كبار الشيعة، والحموي في معجم ادبائه ((4-275)) من كبار شعراء الشيعة، وآخر من‏فحول الكتاب، فالشعر كان احد فنونه، كما ان الكتابة احدى محاسنه الجمة، وله في‏العلم قنن راسية، وقدم راسخة، غير ان انتشار ادبه الفائق، ومقاماته البديعة فيه،وتعريف الادباء اياه بادبه الباهر، وقريضه الخسرواني والثناء عليه بانه ثاني معلميه‏كما في نسمة السحر ((4-276)) ، اخفى صيت علمه الغزير، وغط‏ى ذكره العلمي، ونحن نقوم ‏بواجب الحقين جميعا.

ينم عن مقامه الرفيع في العلوم الدينية وتضلعه فيها وشهرته في عصره بها توليه‏الحسبة ((4-277)) مرة بعد اخرى في عاصمة العالم في ذلك اليوم بغداد، وهي من المناصب‏الرفيعة العلمية التي كانت يخص توليها في العصور المتقادمة بائمة الدين، وزعماءالاسلام، وكبراء الامة، وهي كما قال الماوردي في الاحكام السلطانية ((4-278)) (ص‏224):من قواعد الامور الدينية، وقد كان ائمة الصدر الاول يباشرونها. انتهى.

الحسبة: هي الامر بالمعروف، والنهي عن المنكر بين الناس كافة، وممن وليها ببغدادقبل المترجم: الفيلسوف الكبير احمد بن الطيب السرخسي صاحب التليف القيمة في‏فنون متنوعة المقتول سنة (283) وتولاها بعد عزل المترجم عنها فقيه الشافعية‏وامامها ابو سعيد الحسن بن احمد الاصطخري المتوفى سنة (328)، على ما يقال كما في‏تاريخ ابن خلكان ((4-279)) ، ومرآة الجنان لليافعي ((4-280)) وغيرهما. قال الماوردي في الاحكام السلطانية ((4-281)) (ص‏209): فمن شروط والي الحسبة ان‏يكون حرا، عدلا، ذا راي وصرامة، وخشونة في الدين، وعلم بالمنكرات الظاهرة. واختلف الفقهاء من اصحاب الشافعي: هل يجوز له ان يحمل الناس فيما ينكره من‏الامور التي اختلف الفقهاء فيها على رايه واجتهاده ام لا ؟ على وجهين: احدهما، وهو قول ابي سعيد الاصطخري، ان له ان يحمل ذلك على‏ رايه‏واجتهاده، فعلى هذا يجب على المحتسب ان يكون عالما من اهل الاجتهاد في احكام‏الدين ليجتهد رايه فيما اختلف فيه . انتهى.

وقال رشيد الدين الوطواط المتوفى سنة (573): ان اولى الامور بان تصرف اعنة‏العناية الى ترتيب نظامه، وتقصر الهمم على مهمة اتمامه، امر يتعلق به ثبات الدين،ويتوقف عليه صلاح المسلمين، وهو امر الاحتساب، فان فيه تثبيت الزائغين عن‏الحق، وتاديب المنهمكين في الفسق، وتقوية اعضاد ارباب الشرع وسواعدها، واجراء معاملات الدين على قوانينها وقواعدها، وينبغي ان يكون متقلد هذا الامرموصوفا بالديانة، معروفا بالصيانة، معرضا عن مراصد الريب، بعيدا عن مواقف التهم‏والعيب، لابسا مدارع السداد، سالكا مناهج الرشاد. معجم الادباء (19/31).

ففي تولية شاعرنا المترجم الحسبة مرة بعد اخرى، غنى وكفاية عن سرد جمل الثناءعلى علمه وفقهه واطراء عدله ورايه، واجتهاده في جنب اللّه وصرامته، وخشونته في‏الدين، ورشاده وسداده، وقد تولاها مرتين في بغداد: مرة على عهد الخليفة العباسي‏المقتدر باللّه كما سمعته من ابن خلكان واليافعي، واخرى اقامه عليها عز الدولة في‏وزارة ابن بقية الذي استوزره عز الدولة سنة (362) وتوفي سنة (367)، وقد كتب‏المترجم اليه في وزارته قصيدة، اولها:

ايهاذا الوزير ان انت انصفت / والا فقم مع الجيران

ويقول فيها:

ليت شعري الست محتسب / الناس فلم ليس تعرفون مكاني

اما ادبه: فهو كما اوعزنا اليه احد نوابغ شعراء الشيعة، والمقدم بين كتابها،حتى قيل: انه‏كامرئ القيس في الشعر ((4-282)) لم يكن بينهما من يضاهيهما، ويقع ديوانه في عشر مجلدات،والغالب عليه العذوبة والانسجام، وتاتي المعاني البديعة في طريقته الى الفاظ سهلة،واسلوب حسن، وسبك مرغوب فيه. وفي نسمة السحر ((4-283)) : انه يعد المعلم الثاني، والمعلم الاول اما المهلهل بن وائل او امرؤالقيس، اخترع منهجا لم يسبق اليه وتبعه فيه الناس، ومن اتباعه ابو الرقعمق وصريع‏ الدلاء.

قال الثعالبي ((4-284)) : سمعت به من اهل البصيرة في الادب وحسن المعرفة بالشعر، على انه‏فرد زمانه في فنه الذي شهر به، وانه لم يسبق الى طريقته، ولم يلحق شاوه في نمطه، ولم‏ير كاقتداره على ما يريده من المعاني التي تقع في طرزه، مع سلاسة الالفاظ وعذوبتهاوانتظامها في الملاحة والبلاغة. انتهى.

رتب ديوانه البديع الاسطرلابي هبة اللّه بن حسن المتوفى سنة (534) على‏واحدواربعين ومائة باب، وجعل كل باب في فن من فنون الشعر وسماه: درة التاج من شعرابن الحجاج ((4-285)) ، وهي محفوظة في باريس (رقم‏5913) وبها مقدمة لابن الخشاب ‏النحوي.

وللشريف الرضي انتخاب ما استجوده من شعره سماه: الحسن من شعر الحسين ((4-286)) ،ورتبه على الحروف، وكان ذلك في حياة المترجم، وله في ذلك شعر يوجد في المجلدالاخير من ديوانه، وهو قوله:

اتعرف شعري الى من ضوى / فاضحى على ملكه يحتوي

الى البدر حسنا الى سيدي / الشريف ابي الحسن الموسوي

الى من اعوذه كلما / تلقيته بالعزيز القوي

فتى كنت مسخا بشعري السخيف / وقد ردني فيه خلقا سوي

تاملته وهو طورا يصح / وطورا بصحته يلتوي

فميز معوجه والردي / فيه من الجيد المستوي

وصحح اوزانه بالعروض / وقرر فيه حروف الروي

وارشده لطريق السداد / فاصلح شيطان شعري الغوي

وبين موقع كف الصناع / في نسج ديباجه الخسروي

فاقسم باللّه والشيخ في / اليمين على الحنث لا ينطوي

لو ان زرادشت اصغى له / لازرى على المنطق الفهلوي

وصادف زرع كلامي البليغ / فيه شديد الظما قد ذوي

فما زال يسقيه ماء الطرا / وماء البشاشة حتى روي

فلا زال يحيا وقلب الحسود / بالغيظ من سيدي مكتوي

له كبد فوق جمر الغضا / على النار مطروحة تشتوي

قال الثعالبي ((4-287)) : ان ديوان شعره لا تنحط قيمته عن ستين دينارا لتنافسهم في‏ملحه‏ووفور رغبتهم فيه، وقال: وديوان شعره اسير في الافاق من الامثال، واسرى من‏الخيال، وذكر في اليتيمة شطرا مهما من فنون شعره في (62) صحيفة في الجزء الثالث.

والغالب على شعره الهزل والمجون، كانهما لازما غريزته، ومطبوعا قريحته، وخمرتاطينته، وكان اذا استرسل فيهما فلا يجعجع به حضور ملك او هيبة امير، وياتي بما عنده‏غير مكترث للسامعين، فلا يستقبل منهم الا عطفا وقبولا، كما ان جل شعره يعرب‏عن ولائه الخالص لاهل البيت والوقيعة في مناوئيهم.

خلفاء عصره وملوكه

ادرك ابن الحجاج جمعا من خلفاء بني العباس وهم:

1 المعتمد على اللّه ابن المتوكل: المتوفى (279).

2 المعتضد باللّه ابو العباس: المتوفى (289).

3 المكتفي باللّه: المتوفى (295).

4 المقتدر باللّه: المتوفى (320).

5 الراضي باللّه: المتوفى (329).

6 المستكفي باللّه: المتوفى (338).

7 القاهر باللّه: المتوفى (339).

8 المتقي للّه: المتوفى (358).

9 المطيع للّه: المتوفى (364).

10 الطائع للّه: المتوفى (393).

وعاصر من ملوك آل بويه من الذين ملكوا العراق:

1 معز الدولة فاتح العراق: المتوفى سنة (356).

2 عز الدولة ابا منصور بختيار ابن معز الدولة: المقتول (367).

3 عضد الدولة فنا خسرو ابن ركن الدولة: المتوفى (372).

4 شرف الدولة ابن عضد الدولة: المتوفى (379).

5 صمصام الدولة ابن عضد الدولة: المقتول (388).

6 بهاء الدولة ابا نصر ابن عضد الدولة: المتوفى (403).

وكان، كما قال الثعالبي ((4-288)) ، على طول عمره يتحكم على وزراء الوقت ورؤساءالعصر، تحكم الصبي على اهله، ويعيش في اكنافهم عيشة راضية، ويستثمر نعمة‏صافية ضافية. ويوجد في ديوانه شعر كثير مدحا ورثاء وهجاء في رجالات عصره من الخلفاءوالوزراء والامراء والكتاب والمثقفين تربو عدتهم فيما قراناه من مجلدات ديوانه‏ على‏ ستين، منهم:

ابو عبداللّه هارون ابن المنجم ‏المتوفى (288)

ابو الفضل عباس بن الحسن ‏المتوفى (296)

الوزير ابو محمد المهلبي ‏المتوفى (352)

ابو الطيب المتنبي الشاعر المتوفى (354)

الوزير ابو الفضل بن العميد المتوفى (360) المطيع للّه الخليفة العباسي ‏المتوفى (364)

ابو الفتح بن العميد المتوفى (366)

الوزير ابو ريان خليفة عضد الدولة ببغداد

الوزير ابو طاهر بن بقية‏ المتوفى (367)

عز الدولة بختيار بن بويه ‏المتوفى (367)

عمران بن شاهين ‏المتوفى (369)

الامير ابو تغلب غضنفر المتوفى (369)

عضد الدولة فناخسرو المتوفى (372)

ابو الفتح بن شاهين ‏المتوفى (372)

ابو الفرج بن عمران بن شاهين ‏المتوفى (373)

ابو المعالي بن محمد بن عمران ‏المتوفى (373)

شرف الدولة بن بويه ‏المتوفى (379)

ابو اسحاق ابراهيم الصابي ‏المتوفى (384)

القاضي ابو علي التنوخي ‏المتوفى (384)

الوزير الصاحب بن عباد المتوفى (385)

ابن سكرة العباسي الشاعر المتوفى (385)

ابو علي محمد بن الحسن الحالتي ‏المتوفى (388)

ابو القاسم عبد العزيز بن يوسف ‏المتوفى (388)

الوزير ابو نصر سابور بن اردشير المتوفى (416)

الوزير ابو منصور محمد المرزبان‏ المتوفى (416)

ابو احمد بن حفص، عارض المترجم في امور الحسبة.

الوزير ابو الفرج محمد بن العباس بن فسانجس.

قال الثعالبي في اليتيمة ((4-289)) (3/70): كان الوزير ابو الفرج والوزير ابو الفضل ابن‏العميد قد خلوا في الديوان لعقوبة اصحاب المهلبي الوزير ابي محمد الحسن‏ عقب‏موته، وامرا ان تلوث ثياب الناس بالنفط ان قربوا من الباب، وقد كان المهلبي فعل‏مثل هذا، فحضر ابن الحجاج فعجب وخاف النفط فانصرف، فقال:

الصفع بالنفط في الثياب / ما لم يكن قط في حسابي

ليس يقوم الوصول عندي / مقام خيطين من‏ثيابي

يا رب من كان سن هذا / فزده ضعفا من العذاب

في قعر حمراء ليس فيها / غير بني البظر والقحاب

تفعل في لحمه المهري ((4-290)) / ما يفعل الجمر بالكباب

فالقرد عندي يجل عمن / يسن هذا على الكلاب

اكثر المترجم من مدائح اهل البيت (ع) والنيل من مناوئيهم نظراء مروان بن ابي‏حفصة، حتى انه ربما كان ينتقد على تشديده الوط‏ء والنكير المحتدم على فظائع القوم‏اعداء ال اللّه بلهجة حادة، وسباب مقذع، غير ان ذلك كله كان نفثة مصدور، وانة‏متوجع من الظلم الواقع على ساداته ائمة اهل البيت (ع)، لا ولعا منه في البذاء او وقيعة‏في الاعراض لمحض الشهوة ومتابعة الهوى، ولذلك وقع شعره مقبولا عند مواليه ‏صلوات اللّه عليهم‏ وكانوا اذا مروا باللغو منه مروا كراما.

حدث ((4-291)) سيدنا الاجل زين الدين علي بن عبدالحميد النيلي النجفي ((4-292)) في كتابه‏الدرالنضيد في تعازي الامام الشهيد: ان ه كان في زمان ابن الحجاج رجلان صالحان‏يزدريان بشعره كثيرا، وهما: محمد بن قارون السيبي وعلي بن زرزور السورائي، فراى‏الاول منهما ليلة في الواقعة كانه اتى الى روضة الحسين (ع) وكانت فاطمة الزهراء(عليهاالسلام) حاضرة هناك، مسندة ظهرها الى ركن الباب الذي هو على‏يسارالداخل، وسائر الائمة الى مولانا الصادق (ع) ايضا جلوس فى مقابلها في الزاوية بين‏ضريحي الحسين (ع) وولده علي الاكبر الشهيد، متحدثين بما لا يفهم، ومحمد بن‏قارون المقدم قائم بين ايديهم، قال السورائي: وكنت انا ايضا غير بعيد عنهم، فرايت‏ابن الحجاج مارا في الحضرة المقدسة، فقلت لمحمد بن قارون: الا تنظر الى الرجل‏كيف يمر في الحضرة ؟ فقال: انا لا احبه حتى انظر اليه. قال: فسمعت الزهراء بذلك، فقالت له مثل المغضبة: اما تحب ابا عبداللّه ؟ احبوه فانه‏من لا يحبه ليس من شيعتنا. ثم خرج الكلام من بين الائمة (ع)، بان من لا يحب اباعبداللّه فليس بمؤمن. قال الشيخ محمد بن قارون: ولم ادر من قاله منهم، ثم انتبهت‏فزعا مرعوبا مما فرطت في حق ابي عبداللّه من قبل ذلك. قال: ثم نسيت المنام ولم اذكره الى ان اتيح لي زيارة السبط الشهيد سلام اللّه عليه‏آفاذا بجماعة في الطريق من اصحابنا يروون شعر ابن الحجاج فلحقتهم، فاذا فيهم‏علي‏بن زرزور وسلمت عليه، وقلت: كنت تنكر رواية شعر ابن الحجاج وتكرهها، فمابالك الان تسمعه وتصغي الى انشاده ؟ فقال: احدثك بما رايت فيما يراه النائم،فقص‏علي بمثل ما رايته في الطيف حرفى ا وحكيته بما رايت، ثم اتفقا على مدح الرجل‏وايراد اشعاره، وبث مآثره ونشر مناقبه.

وايضا: ان السلطان مسعود بن بابويه ((4-293)) لما بنى سور المشهد الشريف ودخل الحضرة‏الشريفة وقبل اعتابها واحسن الادب، وقف ابو عبداللّه المترجم بين يديه وانشدقصيدته الفائية التي ذكرناها، فلما وصل منها الى الهجاء اغلظ له الشريف سيدناالمرتضى ونهاه ان ينشد ذلك في باب حضرة الامام (ع) فقطع عليه فانقطع، فلماجن‏عليه الليل راى ابن الحج اج الامام عليا (ع) في المنام وهو يقول: لا ينكسرخاطرك فقد بعثنا المرتضى علم الهدى يعتذر اليك، فلا تخرج اليه حتى ياتيك. ثم راى‏الشريف المرتضى في تلك الليلة النبي الاعظم (ص) والائمة (ع) حوله جلوس، فوقف‏بين ايديهم وسلم عليهم، فحس منهم عدم اقبالهم عليه، فعظم ذلك عنده وكبر لديه،فقال: يا موالي انا عبدكم وولدكم ومواليكم فبم استحققت هذا منكم ؟ فقالوا: بماكسرت خاطر شاعرنا ابي عبداللّه بن الحجاج، فعليك ان تمضي اليه وتدخل عليه‏وتعتذر اليه وتاخذه وتمضي به الى مسعود بن بابويه وتعرفه عنايتنا به وشفقتنا عليه،فقام السيد من ساعته ومضى الى ابي عبداللّه فقرع عليه الباب، فقال ابن الحجاج:سيدي الذي بعثك الي امرني ان لا اخرج اليك، وقال: انه سياتيك، فقال : نعم سمعاوطاعة لهم. ودخل عليه واعتذر اليه، ومضى به الى السلطان وقصا القصة عليه كماراياه، فاكرمه وانعم عليه وخصه بالرتب الجليلة، وامر بانشاد قصيدته.

ولادته ووفاته

لم يختلف اثنان في تاريخ وفاة المترجم له وانه توفي في جمادى الاخرة سنة (391)بالنيل، وهي بلدة على الفرات بين بغداد والكوفة، وحمل الى مشهد الامام الطاهرالكاظمية‏ ودفن فيه، وكان اوصى ان يدفن هناك بحذاء رجلي الامام (ع) ويكتب‏على قبره: (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) ((4-294)) ورثاه الشريف الرضي بقصيدة‏ توجد في ديوانه ((4-295)) (2/562)، وذكر ابن الجوزي منها ابياتا في المنتظم ((4-296)) (7/217).

ولم نقف في طيات الكتب والمعاجم على تاريخ ولادته، لكن الباحث عنها يقطع‏بان‏الرجل ولد في المائة الثالثة وعاش عمرا طويلا حدود المائة والثلاثين‏ وهناك‏شواهد قوى ة على هذا منها:

1 ما ذكر ابن شهرآشوب في المعالم ((4-297)) من قراءته على ابن الرومي المتوفى (282).

2 توليه الحسبة قبل الامام الاصطخري المتوفى (328) كما في تاريخ ابن خلكان ((4-298)) ،ومرآة الجنان لليافعي ((4-299)) ، وغيرهما، قالوا: انه تولى حسبة بغداد واقام مدة، ويقال:انه عزل بابي سعيد الاصطخري، وله في عزله ابيات مشهورة. انتهى. والاصطخري قد تولى الحسبة بامر المقتدر باللّه سنة (320) كما في شذرات‏الذهب ((4-300)) (2/312) وغيره.

3 شعره الموجود في ديوانه في هجاء ابي عبداللّه هارون بن علي بن ابي منصورالمنجم المتوفى (288)، وقال في ديوانه: قاله وهو حدث السن.

4 قصيدته الموجودة في ديوانه في ابي الفضل عباس بن الحسين وزير المكتفي باللّهالمقتول سنة (296). وقد ذكر كثيرا في شعره المنظوم في اواسط القرن الرابع شيخوخته، منه ابيات يمدح بهاابا منصور بختيار ابن معز الدولة المقتول (367) منها:

قلت اقبلي رايي وراي / الشيخ محمود موافق

وله في الوزير ابي طاهر بن بقية المتوفى (366) يطلب منه تنجز جرايته ورزقا لابنه في‏ ديوان بادويا ابيات منها قوله:

طلبت ما يطلبه مثلي الشيوخ الفسقه وانت لا تجد قط شاعرا يذكر شيخوخته وهرمه في شعره كابن الحجاج، كقوله في ابي‏ محمد يحيى بن فهد:

ايها الشاعر الجديد الذي / يعبث بالشاعر النفيس الخليع

انت مثل الثوب الجديد / وشعري مثل قب الغلالة‏ المرقوع ((4-301))

انا شيخ طبيعتي تنثر البعر / على كل شاعر مطبوع

وقوله فيما كتبه الى ابي محمد بن فهد المذكور، وقد ولد للمترجم مولود:

قولوا ليحيى بن فهد يا من / جعلت مما يخشى فداه

اليس قد جاءني غلام / يجلب بالحسن من رآه

كالشمس والشمس في ضحاها / والبدر والبدر في دجاه

يفتنني ريه ويحنو في / المهد قلبي على خصاه

كانني مع وفور نسلي / لم ار من قبله سواه

ومن قصيدة ذات (129) بيتا في الوزير ابي نصر التي اولها:

يا عاذلي كيف اصنع / وليس في الصبر مطمع

قوله:

خذها اليك عروسا / لها من الحسن برقع

الاذن لا العين منها / بحسنها تتمتع

خطيبها فيك شيخ / مهملج الفكر مصقع

ويمدح عضد الدولة فنا خسرو المتوفى (372) بقصيدة ذات (41) بيتا، ويذكر فيها شيبه‏وهرمه، والباحث جد عليم بانه من المعمرين وليد القرن الثالث مهما وقف على قوله‏في احدى مقطوعاته:

وقائلة تعيش / مظلوما بسيف ((4-302))

فقلت لها اباكي ذاك حزني / على مائة فجعت بها ونيف

فبعد ذلك كله لا يبقى وزن في تضعيف ابن كثير في تاريخه (11/329) قول ابن خلكان‏بانه عزل عن حسبة بغداد بابي سعيد الاصطخري المتوفى(328)، كما لا يبعد عندئذ مافي المعالم من تلمذه على ابن الرومي المتوفى (283)، اذ تلمذه عليه انما كان في الادب في‏الاليات، ومن الممكن ان يكون ذلك قبل ان يبلغ الحلم ايضا، كتلمذ الشريف الرضي‏على استاذه السيرافي وله دون العشر من عمره كما ياتي في ترجمته. ((4-303))

مصادر ترجمة ابن الحجاج

يتيمة الدهر (3/25)

تاريخ الخطيب (8/14)

معجم الادباء (4/6)

تاريخ ابن خلكان (1/170)

معالم العلماء (ص‏136)

الكامل لابن الاثير (9/63)

المنتظم لابن الجوزي (7/216)

تاريخ ابن كثير (1/329)

تاريخ ابي الفداء (3/242)

مرآة الجنان (2/444)

معاهد التنصيص (2/62)

مجالس المؤمنين (ص‏459)

شذرات الذهب (3/136)

ايضاح المقاصد للبهائي، مخطوط

كشف الظنون (1/498)

رياض العلماء للميرزا عبداللّه، مخطوط

امل الامل للشيخ الحر

رياض الجنة للسيد الزنوزي، مخطوط

روضات الجنات (ص‏239)

نسمة السحر فيمن تشيع وشعر، مخطوط

سفينة البحار (1/225)

تتميم الامل لابن ابي شبانة، مخطوط

الشيعة وفنون الاسلام (ص‏106)

تنقيح المقال (1/318)

دائرة المعارف الاسلامية (1/130)

اعلام الزركلي (1/245)

دائرة المعارف للبستاني (1/439)

دائرة المعارف لفريد وجدي (6/12)

LEAVE A COMMENT