(26) الجوهري الجرجاني

  الغدير

(26) الجوهري الجرجاني

المتوفى حدود (380)

اما اخذت عليكم اذ نزلت بكم / غدير خم عقودا بعد ايمان

وقد جذبت بضبعي خير من وطئ / ‏ال بطحاء من مضر العليا وعدنان

وقلت واللّه يابى ان اقصر او / اعفي الرسالة عن شرح وتبيان

هذا علي لمولى من بعثت له / مولى وطابق سري فيه اعلاني

هذا ابن عمي ووالي منبري واخي / ووارثي دون اصحابي واخواني

محل هذا اذا قايست من بدني / محل هارون من موسى بن عمران ((4-248))

وله في المناقب لابن شهرآشوب ((4-249)) (2/203) قوله:

وغدير خم ليس ينكر فضله / الا زنيم فاجر كفار

من ذا عليه الشمس بعد مغيبها / ردت ببابل فاستبن يا حار

وعليه قد ردت ليوم المصطفى / يوما وفي هذا جرت اخبار

حاز الفضائل والمناقب كلها / انى تحيط بمدحه الاشعار

الشاعر

ابو الحسن علي بن احمد الجرجاني ويعرف بالجوهري، كما ذكر ذلك في غير مورد من‏شعره، مقياس من مقاييس الادب، واحد اعضاد العربية، ومن المفلقين في صياغة‏القريض، كان من صنائع الوزير الصاحب بن عباد وندمائه وشعرائه، تعاط‏ى صناعة‏الشعر في ريعان من عمره واوليات امره، وكان يرمي الى المغازي البعيدة بلفظ قريب،وترتيب سهل، وكان في اعطاء المحاسن اياه زمامها كما قيل:

جذع يبن على المذاكي‏ القرح ((4-250)) .

وكان الصاحب يعجب به اشد الاعجاب، ويروقه مستحسن شعره المجانس لحسن‏روائه، ومناسبة روحه وشمائله خفة وظرفا، وقد اصطنعه لنفسه واختاره للسفارة بينه‏وبين العمال والامراء، فكان يمثله في رسالاته احسن تمثيل، فيملا العيون جمالا،والقلوب كمالا، وقد اطراه ابلغ اطراء فيما كتبه الى ابي العباس الضبي احد شعراءالغدير باصبهان واستحثه على اكرامه وجلب مراضيه، والكتاب مذكور في‏اليتيمة ((4-251)) (4/26) وها نحن ناخذ منه لبابه، قال: فان يقل مولاي: من ذا الذي هذا خطبه وهذه خطته ؟ اقل: من فضله برهان حق،وشعره لسان صدق، ومن اطبق اهل جلدته على انه معجزة بلدته، فلا يعد لجرجان‏بعيدا ولا قريبا، او لاختها طبرستان قديما ولا حديثا مثله، ومن اخذ برقاب النظم‏اخذه، وملك رق القوافي ملكه، ذاك على اقتبال شبابه وريعان عمره، وقبل ان تحدثه الاداب، وقيل جري المذكيات غلاب، ابو الحسن الجوهري ايده اللّه،وبناؤه منذ حين وخصوصه بي كالصبح المبين، الا ان لمشاهدة الحاضر ومعاينة‏الناظر، مزية لا يستقصيها الخبر، وان امتد نفسه وطال عنانه ومرسه، وقد الف‏الى‏هذه الفضيلة التي فرع بنيها ((4-252)) ، واوفى على ذوي التجربة والتقدمة فيها، نفاذا في‏ادب الخدمة، ومعرفة بحق الندام والعشرة، وقبولا يملا به مجلس الحفلة، انصاتاللمتبوع الا اذا وجب القول، واعظاما للمخدوم الا اذا خرج الامر، وظرفا يشحن‏مجلس الخلوة، وحديثا يسكت به العنادل، ويطاول البلابل، فان اتفق ان يفسح له في‏الفارسية نظماونشرا طفح آذيه، وسال آتيه، فالسنة اهل مصره الا الافراد بروق‏اذاوطئوا اعقاب العجم، وقيود اذا تعاطوا لغات العرب، حتى ان الاديب منهم المقدم‏والعليم المسوم يتلعثم اذا حاضر بمنطقه، كانه لم يدر من عدنان، ولم يسمع من قحطان،ومن فضول اخينا او فضله انه يدعي الكتابة، ويدارس البلاغة، ويمارس الانشاء،ويهذي فيه ما شاء، وكنت اخرجته الى ناصر الدولة ابي الحسن محمد بن ابراهيم،فوفق التوفيق كله صيانة لنفسه، وامانة في ودائع لسانه ويده، واظهارا لنسك لم اعهده‏في مسكه، حتى خرج وسلم على نقده، وان نقده لشديد لمثله، ومولاي يجريه بحضرته‏مجراه بحضرتي، فطعامه ومنامه وقعوده وقيامه اما بين يدي، او باقرب المجالس لدي،ولا يقولن: هذا اديب وشاعر، او وافد وزائر، بل يحسبه قد تخفف بين يديه‏اعواماواحقابا، وقضى في التصرف لديه صبا وشبابا، وهذا انما يحتاج الى وسيط‏وشفيع ما لم ينشر بزه، ولم يظهر طرزه، والا فسيكون بعد شفيع من سواه، ووسيط من‏عداه، فهناك بحمد اللّه درقه وحدقه ((4-253)) ، ووجنة مطرفه، وما اكثر ما يفاخرنا بمناظرجرجان وصحاريها ورفارفها وحواشيها، فليملا مولاي عينه من منتزهات اصبهان،فعسى طماحه ان يخف وجماحه ان يقل.

والثعالبي لم يال جهدا في الثناء عليه ((4-254)) ، وقال: عهدي به وقد ورد نيسابور رسولا الى‏الامير ابي الحسن في سنة سبع وسبعين وثلثمائة، وذكر نبذا راقية من شعره في مجلدات‏اليتيمة، وترجمه صاحب رياض العلماء ((4-255)) ، ووصف فضله وشعره، ومن قوله في رثاءالامام السبط الشهيد (ع).

وجدي بكوفان ما وجدي بكوفان / تهمي عليه ضلوعي قبل اجفاني

ارض اذا نفخت ريح العراق بها / اتت بشاشتها اقصى خراسان

ومن قتيل باعلى كربلاء على جهـ / ـد الصدى فتراه غير صديان

وذي صفائح يستسقي ‏البقيع به / ري الجوانح من روح ورضوان

هذا قسيم رسول اللّه من آدم / قدا معا مثل ما قد الشراكان

وذاك سبطا رسول اللّه جدهما / وجه الهدى وهما في الوجه عينان

واخجلتا من ابيهم يوم يشهدهم / مضرجين نشاوى من دم قان

يقول يا امة حف الضلال بها / واستبدلت للعمى كفرا بايمان

ماذا جنيت عليكم اذ اتيتكم / بخير ما جاء من آي وفرقان

الم اجركم وانتم في ضلالتكم / على شفا حفرة من حر نيران

الم اؤلف قلوبا منكم فرقا / مثارة بين احقاد واضغان

اما تركت كتاب اللّه بينكم / وآية العز في جمع وقرآن

الم اكن فيكم غوثا لمضطهد / الم اكن فيكم ماء لظمن

قتلتم ولدي صبرا على ظما / هذا وترجون عند الحوض احساني

سبيتم ثكلتكم امهاتكم / بني البتول وهم لحمي وجثماني

مزقتم ونكثتم عهد والدهم / وقد قطعتم بذاك النكت اقراني

يا رب خذ لي منهم اذ هم ظلموا / كرام رهط‏ي وراموا هدم بنياني

ما ذا تجيبون والزهراء خصمكم / والحاكم اللّه للمظلوم والجاني

اهل الكساء صلاة اللّه ما نزلت / عليكم الدهر من مثنى ووحدان

انتم نجوم بني حواء ما طلعت / شمس النهار وما لاح السماكان

مازلت منكم على شوق يهيجني / والدهر يامرني فيه وينهاني

حتى اتيتك والتوحيد راحلتي / والعدل زادي وتقوى اللّه امكاني

هذي حقائق لفظ كلما برقت / ردت بلالائها ابصار عميان

هي الحلى لبني طه وعترتهم / هي ‏الردى لبني حرب ومروان

هي الجواهر جاء الجوهري بها / محبة لكم من ارض جرجان ((4-256))

وله قصيدة يرثي بها الامام الشهيد قتيل الطف (ع) في يوم عاشوراء، ذكرها له‏الخوارزمي في مقتله ((4-257)) ، وابن شهرآشوب في مناقبه ((4-258)) ، والعلامة المجلسي في المجلد العاشر من البحار ((4-259)) .

يا اهل عاشور يا لهفي على الدين / خذوا حدادكم يا آل ياسين

اليوم شقق جيب الدين وانتهبت / بنات احمد نهب الروم والصين

اليوم قام باعلى الطف نادبهم / يقول من ليتيم او لمسكين

اليوم خضب جيب المصطفى بدم / امسى عبير نحور الحور والعين

اليوم خر نجوم الفخر من مضر / على مناخر تذليل وتوهين

اليوم اطفئ نور اللّه متقدا / وجررت لهم التقوى على الطين

اليوم هتك اسباب الهدى مزقا / وبرقعت غرة الاسلام بالهون

اليوم زعزع قدس من جوانبه / وطاح بالخيل ساحات الميادين

اليوم نال بنو حرب طوائلها / مما صلوه ببدر ثم صفين

اليوم جدل سبط المصطفى شرقا / من نفسه بنجيع غير مسنون

زادوا عليه بحبس الماء غلته / تبا لراي فريق منه مغبون

نالوا ازمة دنياهم ببغيهم / فليتهم سمحوا منها بماعون

حتى يصيح بقنسرين ((4-260)) راهبها / يا فرقة الغي يا حزب الشياطين

اتهزؤون براس بات منتصبا / على القناة بدين اللّه يوصيني

آمنت ويحكم باللّه مهتديا / وبالنبي وحب المرتضى ديني

فجدلوه صريعا فوق جبهته / وقسموه باطراف السكاكين

واوقروا صهوات الخيل من احن / على اساراهم فعل الفراعين

مصعدين على اقتاب ارحلهم / محمولة بين مضروب ومطعون

اطفال فاطمة الزهراء قد فطموا / من الثدي بانياب الثعابين

يا امة ولي الشيطان رايتها / ومكن الغي منها كل تمكين

ما المرتضى وبنوه من معاوية / ولا الفواطم من هند وميسون

آل الرسول عباديد ((4-261)) السيوف فمـ / ـن هام على وجهه خوفا ومسجون

يا عين لا تدعي شيئا لغادية / تهمي ولا تدعي دمعا لمحزون

قومي على جدث بالطف فانتفضي / بكل لؤلؤ دمع فيك مكنون

يا آل احمد ان الجوهري لكم / سيف يقطع عنكم كل موضون

وذكر له الثعالبي كثيرا من شعره في اليتيمة ((4-262)) (4/29 41) ومما ذكر له من قصيدة في‏ شريف حسني قوله:

لا عتب ان بذلت عيني بما اجد / فقد بكى لي عوادي لما عهدوا

لو ان لي جسدا يقوى لطفت به / على العزاء ولكن ليس لي جسد

تبعتهم بذماء كان يمسكه / تعلل بخيال كلما بعدوا

يا ليلة غمضت عني كواكبها / ترفقي بجفون غمضها رمد

اهوى الصباح وما لي فيه منتصف / من الظلام ولكن طالما اجد

لو ان لي امدا في الشوق ابلغه / صبرت عنك ولكن ليس لي امد

بكيت بعد دموعي في الهوى جلدي / وهل سمعت بباك دمعه جلد

تذوب نار فؤادي في الهوى بردا / وهل سمعت بنار ذوبها برد

قالوا الفت ربا جي ((4-263)) فقلت لهم / الحب اهل وادراك المنى ولد

اندى محاسن جي انه بلد / طلق النهار ولكن ليله نكد

اذا استحب بلاد للمعاش بها / فحيثما نعمت حالي به بلد

وللمكارم قوم لا خفاء بهم / هم يعرفون بسيماهم اذا شهدوا

للّه معشر صدق كلما تليت / على الورى سورة من مجدهم سجدوا

ذرية ابهرت طه بجدهم / وهل اتى بابيهم حين تنتقد ((4-264))

وان تصنع شعر في ذوي / كرم يا ابن النبي فشعري فيك مقتصد

اصبت فيك رشادي غير مجتهد / وليس كل مصيب فيك مجتهد

بسطت عرض فناء الدهر مكرمة / طرائق الحمد في حافاتها قدد ((4-265))

توفي المترجم بجرجان بعد سنة(377) وقبل سنة(385)، فقد بعثه الصاحب ابن عبادرسولا الى الامير ابي الحسن ناصر الدولة سنة (377)، ووجهه بعدها الى ابي العباس‏الضبي الى اصفهان، ولما انقلب من اصبهان الى جرجان لم تطل به الايام حتى اصبح‏مقبورا، كما ذكره الثعالبي ((4-266)) ، فوفاة المترجم في حياة الصاحب المتوفى (385)تستدعي وقوعها بين التاريخين حدود (380).

LEAVE A COMMENT