(21) الامير ابو فراس الحمداني

  الغدير

(21) الامير ابو فراس الحمداني

المولود (320، 321) المتوفى (357)

الحق مهتضم والدين مخترم / وفي‏ء آل رسول اللّه مقتسم

والناس عندك لا ناس فيحفظهم ((3-1528)) / سوم الرعاة ولا شاء ولا نعم

اني ابيت قليل النوم ارقني / قلب تصارع فيه الهم والهمم

وعزمة لا ينام الليل صاحبها / الا على ظفر في طيه كرم

يصان مهري لامر لا ابوح به / والدرع والرمح والصمصامة الحذم ((3-1529))

وكل مائرة الضبعين مسرحها / رمث الجزيرة والخذراف والعنم ((3-1530))

وفتية قلبهم قلب اذا ركبوا / وليس رايهم رايا اذا عزموا

ياللرجال اما للّه منتصر / من الطغاة اما للّه منتقم

بنو علي رعايا في ديارهم / والامر تملكه النسوان والخدم

محلؤون فاصفى شربهم وشل / عند الورود واوفى ودهم لمم ((3-1531))

فالارض الا على ملاكها سعة / والمال الا على اربابه ديم

فما السعيد بها الا الذي ظلموا / وما الغني بها الا الذي حرموا ((3-1532))

للمتقين من الدنيا عواقبها / وان تعجل منها الظالم الاثم

اتفخرون عليهم لا ابا لكم / حتى كان رسول اللّه جدكم

وما توازن فيما بينكم شرف / ولا تساوت لكم في موطن قدم

ولا لكم مثلهم في المجد متصل / ولا لجدكم معشار جدهم ((3-1533))

ولا لعرقكم من عرقهم شبه / ولا نثيلتكم من امهم امم ((3-1534))

قام النبي بها يوم الغدير لهم / واللّه يشهد والاملاك والامم

حتى اذا اصبحت في غير صاحبها / باتت تنازعها الذؤبان والرخم

وصيروا امرهم شورى كانهم / لا يعرفون ولاة الحق ايهم

تاللّه ما جهل الاقوام موضعها / لكنهم ستروا وجه الذي علموا

ثم ادعاها بنو العباس ملكهم / ولا لهم قدم فيها ولا قدم

لا يذكرون اذاما معشر ذكروا / ولا يحكم في امر لهم حكم

ولا رآهم ابو بكر وصاحبه / اهلا لما طلبوا منها وما زعموا

فهل هم مدعوها غير واجبة / ام هل ائمتهم في اخذها ظلموا

اما علي فادنى من قرابتكم / عند الولاية ان لم تكفر النعم

اينكر الحبر عبداللّه نعمته /ابوكم ام عبيداللّه ام قثم

بئس الجزاء جزيتم في بني حسن / اباهم العلم الهادي وامهم

لا بيعة ردعتكم عن دمائهم / ولا يمين ولا قربى ولا ذمم

هلا صفحتم عن الاسرى بلا سبب / للصافحين ببدر عن ‏اسيركم ((3-1535))

هلا كففتم عن الديباج سوطكم ((3-1536)) / وعن بنات رسول اللّه شتمكم ((3-1537))

ما نزهت لرسول اللّه مهجته / عن السياط فهلا نزه الحرم

ما نال منهم بنو حرب وان عظمت / تلك الجرائر الا دون نيلكم

كم غدرة لكم في الدين واضحة / وكم دم لرسول اللّه عندكم

انتم له شيعة ((3-1538)) فيما ترون وفي / اظفاركم من بنيه الطاهرين دم

هيهات لا قربت قربى ولا رحم / يوما اذا اقصت الاخلاق‏ والشيم

كانت مودة سلمان له رحما / ولم يكن بين نوح وابنه رحم

يا جاهدا في مساويهم يكتمها / غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم ((3-1539))

ليس ‏الرشيد كموسى في القياس ولا / مامونكم كالرضا لو انصف الحكم

ذاق الزبيري غب‏الحنث وانكشفت / عن ابن فاطمة الاقوال والتهم ((3-1540))

باؤوا بقتل الرضا من بعد بيعته / وابصروا بعض يوم رشدهم وعموا

يا عصبة شقيت من بعد ما سعدت / ومعشرا هلكوا من بعدما سلموا

لبئسما لقيت منهم وان بليت / بجانب الطف تلك الاعظم الرمم ((3-1541))

لاعن ابي مسلم في نصحه صفحوا / ولا الهبيري نجا الحلف والقسم ((3-1542))

ولا الامان لاهل الموصل اعتمدوا /فيه الوفاء ولا عن غيهم حلموا ((3-1543))

ابلغ لديك بني العباس مالكة ((3-1544)) / لا يدعوا ملكها ملا كها العجم

اي المفاخر امست في منازلكم / وغيركم آمر فيها ومحتكم

انى يزيدكم في مفخر علم / وفي الخلاف عليكم يخفق العلم

يا باعة الخمر كفوا عن مفاخركم / لمعشر بيعهم يوم الهياج دم

خلوا الفخار لعلا مين ان سئلوا / يوم السؤال وعمالين ان علموا

لا يغضبون لغير اللّه ان غضبوا / ولا يضيعون حكم اللّه ان حكموا

تنشى التلاوة في ابياتهم سحرا / وفي بيوتكم الاوتار والنغم

منكم علية ام منهم وكان لكم / شيخ المغنين ابراهيم ام لهم ((3-1545))

اذا تلوا سورة غنى امامكم / قف بالطلول التي لم يعفها القدم

ما في بيوتهم للخمر معتصر / ولا بيوتكم للسوء معتصم

ولا تبيت لهم خنثى تنادمهم / ولا يرى لهم قرد ولا حشم ((3-1546))

الركن والبيت والاستار منزلهم / وزمزم والصفا والحجر والحرم

وليس من قسم في الذكر نعرفه / الا وهم غير شك ذلك القسم

ما يتبع الشعر

توجد هذه القصيدة كما رسمناها (58) بيتا في ديوانه ((3-1547)) المخطوط، المشفوع بشرحه لابن خالويه النحوي المعاصر له‏المتوفى بحلب في خدمة بني حمدان سنة(370)، وخمس منها العلا مة الشيخ ابراهيم يحيى العاملي (54) بيتا، وذكر تخميسه‏في منن الرحمن (1/143)، مستهله:

يا للرجال لجرح ليس يلتئم / عمر الزمان وداء ليس ينحسم

حتى متى ايها الاقوام والامم / الحق مهتضم…..

اودى هدى الناس حتى ان‏احفظهم / للخير صار بقول السوء الفظهم

فكيف توقظهم ان كنت موقظهم / والناس عندك…..

وهي التي شرحها ابو المكارم محمد بن عبدالملك بن احمد بن هبة اللّه بن ابي جرادة الحلبي المتوفى (565)، وشرحها ابن‏امير الحاج بشرحه المعروف المطبوع، وتوجد بتمامها في الحدائق الوردية ((3-1548)) المخطوط، وذكرها القاضي في مجالس‏المؤمنين ((3-1549)) (ص‏411)، والسيد ميرزا حسن الزنوزي في رياض الجنة في الروضة الخامسة ستين بيتا، وهي التي شطرهاالعلا مة السيد محسن الامين العاملي. واليك نص البيتين الزائدين:

امن تشاد له الالحان سائرة / عليهم ذو المعالي ام عليكم ((3-1550))

صلى الاله عليهم كلما سجعت / ورق فهم للورى كهف ومعتصم ((3-1551))

واسقط ناشر الديوان منها ابياتا وذكرها (53) بيتا، واحسب انه التقط ابياتا ما كان يروقه مفادها، ودونك الاشارة‏اليها:

1 وكل مائرة الضبعين مسرحها …

2 وفتية قلبهم قلب اذا ركبوا …

3 فما السعيد بها الا الذي ظلموا …

4 للمتقين من الدنيا عواقبها …

5 ليس الرشيد كموسى في القياس ولا …

6 يا باعة الخمر كفوا عن مفاخركم …

7 صلى الاله عليهم كلما سجعت ((3-1552))

هذه ‏القصيدة تعرف ‏بالشافية، وهي‏من‏القصائد الخالدة التي تصافقت المصادر على ذكرها، او ذكر بعضها ((3-1553)) او الايعاز اليها،مطردة متداولة بين الادباء، محفوظة عند الشيعة وقسمائهم منذ عهد نظمها ناظمها امير السيف والقلم والى الان،وستبقى‏خالدة مع الدهر، وذلك لما عليها من‏مسحة‏البلاغة، ورونق‏الجزالة، وجودة‏السرد، وقوة الحجة، وفخامة‏المعنى ،وسلاسة اللفظ، ولما انشد ناظمها الامير، امر خمسمائة سيف وقيل اكثر ان تشهر في المعسكر ((3-1554)) ، نظمها لما وقف‏على‏قصيدة ابن سكرة العباسي، التي اولها:

بني علي دعوا مقالتكم / لا ينقص الدر وضع من وضعه

وللامير ابي فراس هائية يمدح بها اهل البيت، وفيها ذكر الغدير وهي:

يوم بسفح الدار لا انساه / ارعى له دهري الذي اولاه

يوم عمرت العمر فيه بفتية / من نورهم اخذ الزمان بهاه

فكان اوجههم ضياء نهاره / وكان اوجههم نجوم دجاه

ومهفهف كالغصن حسن قوامه / والظبي منه اذا رنا عيناه

نازعته كاسا كان ضياءها / لما تبدت في الظلام ضياه

في ليلة حسنت لنا بوصاله / فكانما من حسنها اياه

وكانما فيها الثريا اذ بدت / كف يشير الى الذي يهواه

والبدر منتصف الضياء كانه / متبسم بالكف يسترقاه

ظبي لو ان الدر مر بخده / من دون لحظة ناظر ادماه

ان لم اكن اهواه او اهوى الردى / في العالمين لكل ما يهواه

فحرمت قرب الوصل منه مثل ما / حرم الحسين الماء وهو يراه

اذ قال اسقوني فعوض بالقنا / من شرب عذب الماء ما ارواه

فاجتز راس طالما من حجره / ادنته كفا جده ويداه

يوم بعين اللّه كان وانما / يملي لظلم الظالمين اللّه

وكذاك لو اردى عداة نبيه / ذو العرش ما عرف النبي عداه

يوم عليه تغيرت شمس الضحى / وبكت دما مما راته سماه

لا عذر فيه لمهجة لم تنفطر / او ذي بكاء لم تفض عيناه

تبا لقوم تابعوا اهواءهم / فيما يسوؤهم غدا عقباه

اتراهم لم يسمعوا ما خصه / منه النبي من المقال اباه

اذ قال يوم غدير خم معلنا / من كنت مولاه فذا مولاه

هذي وصيته اليه فافهموا / يا من يقول بان ما اوصاه

اقروا من القرآن ما في فضله / وتاملوه وافهموا فحواه

لو لم تنزل فيه الا هل اتى / من دون كل منزل لكفاه

من كان اول من حوى القرآن من / لفظ النبي ونطقه وتلاه

من كان صاحب فتح خيبر من رمى / بالكف منه بابه ودحاه

من عاضد المختار من دون الورى / من آزر المختار من آخاه

من بات فوق فراشه متنكرا / لما اطل فراشه اعداه

من ذا اراد الهنا بمقاله / الصادقون القانتون سواه

من خصه جبريل من رب العلى / بتحية من ربه وحباه

اظننتم ان تقتلوا اولاده / ويظلكم يوم المعاد لواه

او تشربوا من حوضه بيمينه / كاسا وقد شرب الحسين دماه

طوبى لمن الفاه يوم اوامه ((3-1555)) / فاستل يوم حياته وسقاه

قد قال قبلي في قريض قائل / ويل لمن شفعاؤه خصماه

انسيتم يوم الكساء وانه / ممن حواه مع النبي كساه

يارب اني مهتد بهداهم / لا اهتدي يوم الهدى بسواه

اهوى الذي يهوى النبي وآله / ابدا واشنا كل من يشناه

واقول قولا يستدل بانه / مستبصر من قاله ورواه

شعرا يود السامعون لو انه / لا ينقضي طول الزمان هداه

يغري الرواة اذا روته بحفظه / ويروق حسن رويه معناه

الشاعر

ابو فراس الحارث بن ابي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن راشد بن المثنى بن رافع بن الحارث‏بن عطيف بن محربة بن حارثة بن مالك ابن عبيد بن عدي بن اسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن‏تغلب الحمداني التغلبي.

ربما يرتج القول في المترجم وامثاله، فلا يدري القائل ماذا يصف، ايطريه عند صياغة القول؟ او يصفه عند قيادة العسكر؟وهل هو عند ذلك ابرع؟ ام عند هذا اشجع؟ وهل هو لجمل القوافي اسبك؟ ام لازمة الجيوش املك؟

والخلاصة ان الرجل‏بارع في الصفتين، ومتقدم في المقامين، جمع بين هيبة الملوك، وظرف الادباء، وضم الى جلالة الامراء لطف مفاكهة الشعراء،وجمع له بين السيف والقلم، فهو حينما ينطق بفم كما هو عند ثباته على قدم، فلا الحرب تروعه، ولا القافية تعصيه، ولاالروع يهزمه، ولا روعة البيان تعدوه، فلقد كان المقدم بين شعراء عصره، كما انه كان المتقدم على امرائه، وقد ترجم بعض‏اشعاره الى اللغة الالمانية، كما في دائرة المعارف الاسلامية.

قال الثعالبي في يتيمة الدهر ((3-1556)) (1/27): كان فرد دهره، وشمس عصره ادبا وفضلا، وكرما ونبلا، ومجدا وبلاغة وبراعة،وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة، والسهولة والجزالة، والعذوبة والفخامة، والحلاوة والمتانة،ومعه رواء الطبع، وسمة الظرف، وعزة الملك، ولم تجتمع هذه الخلال قبله الا في شعر عبداللّه بن المعتز، وابو فراس يعداشعرمنه عند اهل الصنعة، ونقدة الكلام، وكان الصاحب يقول: بدئ الشعر بملك وختم بملك، يعني امرا القيس وابا فراس. وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز، ويتحامى جانبه، فلا ينبري لمباراته، ولا يجترئ على مجاراته، وانما لم يمدحه ومدح‏من دونه من آل حمدان تهيبا له واجلالا، لا اغفالا واخلالا، وكان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن ابي فراس، ويميزه‏بالاكرام عن سائر قومه، ويصطنعه لنفسه، ويصطحبه في غزواته، ويستخلفه على اعماله، وابو فراس ينثر الدر الثمين في‏مكاتباته اياه، ويوافيه حق سؤدده، ويجمع بين ادبي السيف والقلم في خدمته. انتهى.

وتبعه في اطرائه والثناء عليه ((3-1557)) : ابن عساكر في تاريخه (2/440)، ابن شهرآشوب في معالم العلماء، ابن الاثير في الكامل(8/194)، ابن خلكان في تاريخه (1/138)، ابو الفداء في تاريخه (2/114)، اليافعي في مرآة الجنان (2/369)، ومؤلف‏شذرات الذهب (3/24)، مجالس المؤمنين (ص‏411)، رياض العلماء، امل الامل (ص‏266)، منتهى المقال (ص‏349)،رياض الجنة في الروضة الخامسة، دائرة المعارف للبستاني (2/300)، دائرة المعارف لفريد وجدي (7/150)، روضات‏الجنات (ص‏206)، قاموس الاعلام للزركلي (1/202)، كشف الظنون (1/502)، تاريخ آداب اللغة (2/241)، الشيعة‏وفنون الاسلام (ص‏107)، معجم المطبوعات، دائرة المعارف الاسلامية (1/387)، وجمع شتات ترجمته واوعى سيدناالمحسن الامين في (260) صحيفة في اعيان الشيعة في الجزء الثامن عشر (ص‏29 298).

كان المترجم يسكن منبج، ويتنقل في بلاد الشام في دولة ابن عمه ابي الحسن سيف الدولة، واشتهر في عدة معارك معه،حارب بها الروم، واسر مرتين. فالمرة الاولى ب مغارة الكحل سنة (348) وما تعدوا به خرشنة ((3-1558)) ، وهي قلعة ببلاد الروم، والفرات يجري من تحتها،وفيها يقال: انه ركب فرسه وركضه برجله، فاهوى به من اعلى الحصن الى الفرات، واللّه اعلم.

والمرة الثانية: اسرته‏الروم على منبج، وكان متقلدا بها في شوال سنة(351)، اسر وهو جريح وقد اصابه سهم بقي نصله في‏فخذه، وحمل مثخنا الى خرشنة ثم الى القسطنطينية واقام في الاسر اربع سنين لتعذر المفاداة، واستفكه من الاسر سيف‏الدولة سنة (355)، وقد كانت تصدر اشعاره في الاسر والمرض، واستزادة سيف الدولة، وفرط الحنين الى اهله واخوانه‏واحبائه، والتبرم بحاله ومكانه، عن صدر حرج، وقلب شجي، تزداد رقة ولطافة، تبكي سامعها، وتعلق بالحفظ‏لسلاستها، تسمى بالروميات.

قال ابن خالويه: قال ابو فراس: لما حملت الى القسطنطينية اكرمني ملك الروم اكراما لم يكرمه اسيرا قبلي، وذلك ان من‏رسومهم ان لا يركب اسير في مدينة ملكهم دابة قبل لقاء الملك، وان يمشي في ملعب لهم يعرف بالبطوم مكشوف الراس،ويسجد فيه ثلاث سجدات او نحوها، ويدوس الملك رقبته في مجمع لهم يعرف بالتوري، فاعفاني من جميع ذلك ونقلني‏لوقتي الى دار وجعل لي برطسان ((3-1559)) يخدمني، وامر باكرامي، ونقل من اردته من اسارى المسلمين الي، وبذل لي المفاداة‏مفردا، وابيت بعدما وهب اللّه لي من الكرامة ورزقته من العافية والجاه ان اختار نفسي على المسلمين، وشرعت مع ملك‏الروم بالفداء، ولم يكن الامير سيف الدولة يستبقي اسارى الروم، فكان في ايديهم فضل ثلاثة آلاف اسير ممن اخذ من‏الاعمال والعساكر، فابتعتهم بمائتي الف دينار رومية على ان يوقع الفداء واشتري هذه الفضيلة، وضمنت المال والمسلمين،وخرجت بهم من القسطنطينية، وتقدمت بوجوههم الى خرشنة، ولم يعقد قط فداء مع اسير ولا هدنة، فقلت في ذلك ‏شعرا ((3-1560)) :

وللّه عندي في الاسار وغيره / مواهب لم يخصص بها احد قبلي

حللت عقودا اعجز الناس حلها / وما زال عقدي لا يذم ولا حلي

اذا عاينتني الروم كبر صيدها / كانهم اسرى لدي وفي كبلي ((3-1561))

واوسع اياماحللت كرامة / كاني من اهلي نقلت الى اهلي

فقل لبني عمي وابلغ بني ابي / باني في نعماء يشكرها مثلي

وما شاء ربي غير نشر محاسني / وان يعرفوا ما قد عرفتم من الفضل

شعر الامير ابي فراس

وقال يفتخر وقد بلغه ان الروم قالت: ما اسرنا احدا لم نسلب ثيابه غير ابي فراس ((3-1562)) :

اراك عصي الدمع شيمتك الصبر / اما للهوى نهي لديك ولا امر

بلى انا مشتاق وعندي لوعة / ولكن مثلي لا يذاع له سر

اذا الليل اضواني بسطت يد الهوى / واذللت دمعا من خلائقه الكبر

تكاد تضي‏ء النار بين جوانحي / اذا هي اذكتها الصبابة والفكر

ويقول فيها:

اسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى / ولا فرسي مهر ولا ربه غمر

ولكن اذا حم القضاء على امرئ / فليس له بر يقيه ولا بحر

وقال اصيحابي الفرار او الردى / فقلت هما امران احلاهما المر

ولكنني امضي لما لا يعيبني / وحسبك من امرين خيرهما الاسر

يقولون لي بعت السلامة بالردى / فقلت لهم واللّه ما نالني خسر

هو الموت فاختر ما علا لك ذكره  ولم يمت الانسان ما حيي الذكر

ولا خير في رد الردى بمذلة / كما رده يوما بسواته عمرو

يمنون ان خلوا ثيابي وانما / علي ثياب من دمائهم حمر

وقائم سيفي فيهم دق نصله / واعقاب رمحي منهم حطم الصدر

سيذكرني قومي اذا جد جدهم / وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

فان عشت فالطعن الذي يعرفونه / وتلك القنا والبيض والضمر الشقر

وان مت فالانسان لا بد ميت / وان طالت الايام وانفسح العمر

ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به / وما كان يغلو التبر لو نفق الصفر

ونحن اناس لا توسط عندنا / لنا الصدر دون العالمين او القبر

تهون علينا في المعالي نفوسنا / ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر

اعز بني الدنيا واعلى ذوي العلا / واكرم من فوق التراب ولا فخر

وقال لما اسر ((3-1563)) :

ما للعبيد من الذي / يقضي به اللّه امتناع

ذدت الاسود عن الفرا / ئس ثم تفرسني الضباع

وقال ((3-1564)) :

قد عذب الموت بافواهنا / والموت خير من مقام الذليل

انا الى اللّه لما نابنا / وفي سبيل اللّه خير السبيل

وقال لما ورد اسيرا بخرشنة ((3-1565)) :

ان زرت خرشنة اسيرا / فلكم حللت بها مغيرا

ولقد رايت النار تنـ / ـتهب المنازل والقصورا

ولقد رايت السبي يجلـ / ـب نحونا حوا ((3-1566)) وحورا

من كان مثلي لم يبت / الا اميرا او اسيرا

ليست تحل سراتنا / الا الصدور او القبورا

ولما ثقل الجراح وآيس من نفسه وهو اسير، كتب الى والدته يعزيها بنفسه ((3-1567)) :

مصابي جليل والعزاء جميل / وعلمي بان اللّه سوف يديل

واني لفي هذا الصباح لصالح / ولي كلما جن الظلام غليل

وما نال مني الاسر ما تريانه / ولكنني دامي الجراح عليل

جراح تحاماه الاساة ((3-1568)) مخافة / وسقمان باد منهما ودخيل

واسر اقاسيه وليل نجومه / ارى كل شي‏ء غيرهن يزول

تطول بي الساعات وهي قصيرة / وفي كل دهر لا يسرك طول

تناساني الاصحاب الا عصابة / ستلحق بالاخرى غدا وتحول

وان الذي يبقى على العهد منهم / وان كثرت دعواهم لقليل

اقلب طرفي لا ارى غير صاحب / يميل مع النعماء كيف تميل

وصرنا نرى ان المتارك محسن / وان خليلا لا يضر وصول

وليس زماني وحده بي غادر / ولاصاحبي دون الرجال ملول

وما اثري يوم اللقاء مذمم / ولا موقفي عند الاسار ذليل

تصفحت اقوال الرجال فلم يكن / الى غير شاك للزمان وصول

اكل خليل هكذا غير منصف / وكل زمان بالكرام بخيل

نعم دعت الدنيا الى الغدر دعوة / اجاب اليها عالم وجهول

وقبلي كان الغدر في الناس شيمة / وذم زمان واستلام خليل

وفارق عمرو بن الزبير شقيقه / وخلى امير المؤمنين عقيل

فيا حسرتا من لي بخل موافق / يقول بشجوي مرة واقول

وان وراء الستر اما بكاؤها / علي وان طال الزمان طويل

فيا امتا لا تعدمي الصبر انه / الى الخير والنجح القريب رسول

ويا امتا لا تحبط‏ي الاجر انه / على قدر الصبر الجميل جزيل

ويا امتا صبرا فكل ملمة / تجلي على علا تها وتزول

اما لك في ذات النطاقين اسوة ((3-1569)) / بمكة والحرب العوان تجول

اراد ابنها اخذ الامان فلم يجب / وتعلم علما انه لقتيل

تاسي كفاك اللّه ما تحذرينه / فقد غال هذا الناس قبلك غول

وكوني كما كانت باحد صفية / ولم يشف منها بالبكاء غليل

فما رد يوما حمزة الخير حزنها / اذا ما علتها زفرة وعويل

لقيت نجوم الافق وهي صوارم / وخضت ظلام الليل وهو خيول

ولم ارع للنفس الكريمة خلة / عشية لم يعطف علي خليل

ولكن لقيت الموت حتى تركته ((3-1570)) / وفيه وفي حد الحسام ‏فلول

ومن لم يق الرحمن فهو ممزق / ومن لم يعز اللّه فهو ذليل

ومن لم يرده اللّه في الامر كله / فليس لمخلوق اليه سبيل

وان هو لم يدللك في كل مسلك / ظللت ولو ان السماك دليل

اذا ما وقاك اللّه امرا تخافه / فما لك مما تتقيه مقيل ((3-1571))

وان هو لم ينصرك لم تلق ناصرا / وان جل انصار وعز قبيل ((3-1572))

وما دام سيف الدولة الملك باقيا / فظلك فياح الجناب ظليل

قال ابن خالويه: وقال يصف ايامه ومنازله بمنبج، وكان ولايته واقطاعه وداره بها، ويعرض بقوم بلغه شماتتهم فيه وهو في‏  اسر الروم ((3-1573)) :

قف في رسوم المستجاب / وناد اكناف المصلى

فالجوسق الميمون فا / لسقياء فالنهر المعلى

اوطنتها زمن الصبا / وجعلت منبج لي محلا

حرم الوقوف بها علي / وكان قبل اليوم حلا

حيث التفت وجدت ماء / سائحا وسكنت ظلا

تزداد واد غير قا / ص منزلا رحبا مطلا ((3-1574))

وتحل بالجسر الجنا / ن وتسكن الحصن المعلى

تجلو عرائسه لنا / بالبشر جنب العيش سهلا

والماء يفصل بين زهـ / ـر الروض في الشطين فصلا

كبساط وشي جردت / ايدي القيون ((3-1575)) عليه نصلا

من كان سر بما عرا / ني فليمت ضرا وهزلا

لم اخل فيما نابني /من ان اعز وان احلا

مثلي اذا لقي الاسا / ر فلن يضام ولن يذلا

رعت القلوب مهابة / وملاتها نبلا وفضلا

ما غض مني حادث / والقرم قرم حيث حلا

انى حللت فانما / يدعوني السيف المحلى

فلئن خلصت فانني / غيظ العدى طفلا وكهلا

ما كنت الا السيف زا / د على صروف الدهر صقلا

ولئن قتلت فانما / موت الكرام الصيد قتلا

لا يشمتن بموتنا / الا فتى يفنى ويبلى

يغتر بالدنيا الجهو / ل وليس في الدنيا مملا

قال ابن خالويه ((3-1576)) : تاخرت كتب سيف الدولة عن ابي فراس في ايام اسره، فذلك انه بلغه ان بعض الاسراء قال: ان‏ثقل‏هذا المال على الامير كاتبنا فيه صاحب خراسان وغيره من الملوك، وخففت علينا الاسر، وذكر انهم قرروا مع الروم‏اطلاق اسراء المسلمين بما يحملونه، فاتهم سيف الدولة ابا فراس بهذا القول، لضمانه المال للروم وقال: من اين تعرفه اهل‏خراسان؟ فقال ابو فراس هذه القصيدة، وانفذها الى سيف الدولة.

قال الثعالبي ((3-1577)) : كتب ابو فراس الى سيف الدولة: مفاداتي ان تعذرت عليك فائذن لي في مكاتبة اهل خراسان ومراسلتهم ‏ليفادوني وينوبوا عنك في امري. فاجابه سيف الدولة: من يعرفك بخراسان؟ فكتب اليه ابو فراس ((3-1578)) :

اسيف الهدى وقريع العرب / الام الجفاء وفيم الغضب

وما بل كتبك قد اصبحت / تنكبني مع هذي النكب ((3-1579))

وانت الكريم وانت الحليم / وانت العطوف وانت الحدب ((3-1580))

وما زلت تسبقني بالجمي / ل وتنزلني بالمكان الخصب

وانك للجبل المشمخر / الي بل لقومك بل للعرب

وتدفع عن حوزتي الخطوب / وتكشف عن ناظري الكرب

علا يستفاد وعاف يعاد / وعز يشاد ونعمى ترب ((3-1581))

وما غض مني هذا الاسار / ولكن خلصت خلوص الذهب

ففيم يعرضني بالخمول / مولى به نلت اعلى الرتب

وكان عتيدا لدي الجواب / ولكن لهيبته لم اجب

اتنكر اني شكوت الزمان / واني عتبتك فيمن عتب

والا رجعت فاعتبتني / وصيرت لي ولقومي الغلب ((3-1582))

فلا تنسبن الي الخمول / اقمت عليك فلم اغترب

واصبحت منك فان كان فضل / وان كان نقص فانت السبب

وان خراسان ان انكرت / علاي فقد عرفتها حلب

ومن اين ينكرني الابعدون / امن نقص جد امن نقص اب

الست واياك من اسرة / وبيني وبينك عرق النسب

ودار تناسب فيها الكرام / وتربية ومحل اشب ((3-1583))

ونفس تكبر الا عليك / وترغب الاك عمن رغب

فلا تعدلن فداك ابن عمك / لابل غلامك عما يجب

وانصف فتاك فانصافه / من الفضل والشرف المكتسب

اكنت ((3-1584)) الحبيب وكنت القريب / ليالي ادعوك من عن كثب

فلما بعدت بدت جفوة / ولاح من الامر ما لا احب

فلو لم اكن بك ذا خبرة / لقلت صديقك من لم يغب

وكتب اليه ايضا ((3-1585)) :

زماني كله غضب وعتب / وانت علي والايام الب ((3-1586))

وعيش العالمين لديك سهل / وعيشي وحده بفناك صعب

القصيدة (18) بيتا

وبلغ اليه نعي امه وهو في الحبس، فقال يرثيها ((3-1587)) :

ايا ام الاسير بمن انادي / وقدمت الايادي والشعور ((3-1588))

اذا ابنك سار في بر وبحر / فمن يدعو له او يستجير

حرام ان يبيت قرير عين / ولؤم ان يلم به السرور

وقد ذقت المنايا والرزايا / ولا ولد لديك ولا عشير

وغاب حبيب قلبك عن مكان / ملائكة السماء به حضور

ليبكك كل يوم صمت فيه / مصابرة وقد حمي الهجير

ليبكك كل ليل قمت فيه / الى ان يبتدي الفجر المنير

ليبكك كل مضطهد مخوف / اجرتيه وقد قل المجير

ليبكك كل مسكين فقير / اعنتيه وما في العظم رير ((3-1589))

ايا اماه كم هول طويل / مضى بك لم يكن منه نصير

ايا اماه كم سر مصون / بقلبك مات ليس له ظهور

الى من اشتكي ولمن اناجي / اذا ضاقت بما فيها الصدور

باي دعاء داعية اوقى / باي ضياء وجه استنير

بمن يستدفع القدر المرجى / بمن يستفتح الامر العسير

تسلى عنك انا عن قليل / الى ما صرت في الاخرى نصير

ميلاده ومقتله

ولد المترجم سنة(320) وقيل(321) ويعين الاول ما حكاه ابن خالويه عن ابي فراس انه قال له: ان في سنة (339) كان‏سني (19) سنة، وقتل يوم الاربعاء لثمان من ربيع الاخر ((3-1590)) وعن الصابي في تاريخه ((3-1591)) : يوم السبت لليلتين خلتا من جمادى‏الاولى سنة(357) ((3-1592)) ، وذلك انه لما مات سيف الدولة عزم ابو فراس على التغلب على حمص وتطلع اليها وكان مقيما بها،فاتصل خبره الى ابن اخته ابي المعالي بن سيف الدولة وغلام ابيه قرعويه ((3-1593)) ، وجرت بذلك بين ابي فراس وبين ابي المعالي‏وحشة، فطلبه ابو المعالي فانحاز ابو فراس الى صدد، وهي قرية في طريق البرية عند حمص، فجمع ابو المعالي الاعراب‏من بني كلاب وغيرهم وسيرهم في طلبه مع قرعويه فادركه بصدد، فكبسوه فاستامن اصحابه واختلط هو بمن استامن‏معهم، فقال قرعويه لغلام له: اقتله. فقتله واخذ راسه، وتركت جثته في البرية حتى دفنها بعض الاعراب.

قال الثعالبي ((3-1594)) : دلت قصيدة قراتها لابي اسحاق الصابي في مرثية ابي فراس، على انه قتل في وقعة كانت بينه وبين موالي ‏اسرته.

وقال ابن خالويه: بلغني ان ابا فراس اصبح يوم مقتله حزينا كئيبا، وكان قد قلق في تلك الليلة قلقا عظيما، فراته ابنته‏امراة ابي العشائر كذلك، فاحزنها حزنا شديدا ثم بكت وهو على تلك، فانشا يقول كالذي ينعى نفسه وان لم يقصد، وهذاآخر ما قاله من الشعر ((3-1595)) :

ابنيتي لا تحزني / كل الانام الى ذهاب

ابنيتي صبرا جميلا / للجليل من المصاب

نوحي علي بحسرة / /من خلف سترك والحجاب

قولي اذا ناديتني / فعييت عن رد الجواب

زين الشباب ابو فرا / س لم يمتع بالشباب

وفي غير واحد من المعاجم: انه لما بلغ اخته ام ابي المعالي وفاته قلعت عينها، وقيل: بل لطمت وجهها فقلعت عينها، وقيل:قتله غلام سيف الدولة ولم يعلم ابو المعالي، فلما بلغه الخبر شق عليه. ومن شعره في المذهب ((3-1596)) :

لست ارجو النجاة من كل ما / اخ شاه الا باحمد وعلي

وببنت الرسول فاطمة الطهر / وسبطيه والامام علي

والتقي النقي باقر علم اللّه / فينا محمد بن علي

وابي جعفر وموسى ومولاي / علي اكرم به من علي

وابنه العسكري والقائم / المظهر حقي محمد وعلي

بهم ارتجي بلوغ الاماني / يوم عرضي على الاله العلي

وله في المعنى:

شافعي احمد النبي ومولاي / علي والبنت والسبطان

وعلي وباقر العلم والصا / دق ثم الامين بالتبيان

وعلي ومحمد بن علي / وعلي والعسكري الداني

والامام المهدي في يوم لا / ينفع الا غفران ذي الغفران

ومن شعره في الحكمة والموعظة ((3-1597)) :

غنى النفس لمن يعقـ / ـل خير من غنى المال

وفضل الناس في الانفـ / ـس ليس الفضل في الحال

وقال ((3-1598)) :

المرء نصب مصائب لا تنقضي / حتى يوارى جسمه في رمسه

فمؤجل يلفي الردى في اهله / ومعجل يلقى الردى في نفسه

وله ((3-1599)) :

انفق من الصبر الجميل فانه / لم يخش فقرا منفق من صبره

والمرء ليس ببالغ في ارضه / كالصقر ليس بصائد في وكره

(لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب) ((3-1600))

انتهى الجزء الثالث من كتاب الغدير

ويتلوه الرابع وللّه الحمد اولا وآخرا

LEAVE A COMMENT