(19) القاضي التنوخي

  الغدير

(19) القاضي التنوخي

المولود (278) المتوفى(342)

من ابن رسول اللّه وابن وصيه / الى مدغل ((3-1458)) في عقبة الدين ناصب

نشا بين طنبور وزق ومزهر ((3-1459)) / وفي حجر شاد او على صدر ضارب

ومن ظهر سكران الى بطن قينة / على شبه في ملكها وشوائب

يعيب عليا خير من وطئ الحصى / واكرم سار في الانام وسارب

ويزري على السبطين سبط‏ي محمد / فقل في حضيض رام نيل الكواكب

وينسب افعال القراميط كاذبا / الى عترة الهادي الكرام الاطائب

الى معشر لا يبرح الذم بينهم / ولا تزدرى اعراضهم بالمعايب

اذا ما انتدوا كانوا شموس بيوتهم / وان ركبوا كانوا شموس المواكب

وان عبسوا يوم الوغى ضحك الردى / وان ضحكوا ابكوا عيون النوادب

نشوا بين جبريل وبين محمد / وبين علي خير ماش وراكب

وزير النبي المصطفى ووصيه / ومشبهه في شيمه وضرائب

ومن قال في يوم الغدير محمد / وقد خاف من غدر العداة النواصب

اما انني اولى بكم من نفوسكم / فقالوا بلى قول المريب الموارب

فقال لهم من كنت مولاه منكم / فهذا اخي مولاه بعدي وصاحبي

اطيعوه طرا فهو مني بمنزل / كهارون من موسى الكليم المخاطب

القصيدة (83) بيتا

ما يتبع الشعر

كان عبداللّه بن المعتز العباسي المتوفى سنة (296) ممن ينصب العداء للطالبيين، ويتحرى الوقيعة فيهم بما ينم عن سوءسريرته، ويشف عن خبث طينته، وكثيرا ما كان يفرغ ما ينفجر به بركان ضغائنه في قوالب شعرية، فجاءت من ذلك‏قصائد خلدت له السواة والعار، ولقد تصدى غير واحد من الشعراء لنقض حججه الداحضة، منهم : الامير ابو فراس الاتي ذكره وترجمته، غير انه اربى بنفسه الابية عن ان تقابل ذلك‏الرجس‏بالموافقة في‏البحروالقافية،فصاغ قصيدته‏الذهبية‏الخالدة‏الميمية ينصر فيها العلويين، وينال من مناوئيهم‏العباسيين،ويوعز الى فضائحهم‏ وطاماتهم‏ التي لا تحصى.

ومنهم: تميم بن معد الفاطمي: المولود (237) والمتوفى (374)، رد على قصيدة ابن المعتز الرائية اولها:

اي ربع لال هند ودار …

واول قصيدة ابن معد:

يا بني هاشم ولسنا سواء / في صغار من العلى وكبار

ومنهم: ابن المنجم ((3-1460)) . و [ منهم ] : ابو محمد المنصور باللّه: المتوفى (614) الاتي ذكره في شعراء القرن السابع. ومنهم: صفي الدين الحلي: المتوفى (752) فقد رد عليه ببائيته الرنانة المنشورة في ديوانه، المذكورة في ترجمته الاتية في‏شعراء القرن الثامن.

ومنهم: القاضي التنوخي المترجم له، فقد نظم هذه القصيدة التي ذكرنا منها شطرا ردا عليه، وهي مذكورة في كتاب‏الحدائق الوردية ((3-1461)) (83) بيتا، واحسبها كما في غير واحد من المجاميع المخطوطة انها تمام القصيدة، وذكرت في مطلع‏البدور ((3-1462)) (74) بيتا، وذكر منها اليماني في نسمة السحر ((3-1463)) (48) بيتا، والحموي (14) بيتا في معجم الادباء (14/181)وقال: كان عبداللّه بن المعتز قد قال قصيدة يفتخر فيها ببني العباس على بني ابي طالب اولها:

ابى اللّه الا ما ترون فما لكم / غضابا على الاقدار يا آل طالب

فاجابه ابو القاسم التنوخي بقصيدة نحلها بعض العلويين، وهي مثبتة في ديوانه اولها:

من ابن رسول اللّه وابن وصيه / الى مدغل في عقدة الدين ناصب

نشا بين طنبور ودف ومزهر / وفي حجر شاد او على صدر ضارب

ومن ظهر سكران الى بطن قينة / على شبه في ملكها وشوائب

يقول فيها:

وقلت بنو حرب كسوكم عمائما / من الضرب في الهامات حمر الذوائب

صدقت منايانا السيوف وانما / تموتون فوق الفرش موت الكواعب

ونحن الالى لا يسرح الذم بيننا / ولا تدري ((3-1464)) اعراضنا بالمعايب

اذا ما انتدوا كانوا شموس نديهم / وان ركبوا كانوا بدور الركائب

وان عبسوا يوم الوغى ضحك الردى / وان ضحكوا بكوا عيون النوائب

وما للغواني والوغى فتعودوا / بقرع المثاني من قراع الكتائب

ويوم حنين قلت حزنا فخاره / ولو كان يدري عدها في المثالب

ابوه مناد والوصي مضارب ((3-1465)) / فقل في مناد صيت ومضارب

وجئتم مع الاولاد تبغون ارثه / فابعد بمحجوب بحاجب حاجب

وقلتم نهضنا ثائرين شعارنا / بثارات زيد الخير عند التحارب

فهلا بابراهيم كان شعاركم / فترجع دعواكم تعلة ((3-1466)) خائب

ورواها عماد الدين الطبري في الجزء العاشر من كتابه بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ((3-1467)) وقال: حدثنا الحسين بن ابي‏القاسم التميمي، قال: اخبرنا ابو سعيد السجستاني، قال انبانا القاضي ابن القاضي ابو القاسم علي بن المحسن بن‏علي‏التنوخي ببغداد، قال: انشدني ابي ابو علي المحسن، قال: انشدني ابي ابو القاسم علي ابن محمد بن ابي الفهم التنوخي‏لنفسه من قصيدة:

ومن قال في يوم الغدير محمد / وقد خاف من غدر العداة النواصب

اما انا اولى منكم بنفوسكم / فقالوا بلى قول المريب الموارب

فقال لهم من كنت مولاه منكم / فهذا اخي مولاه فيكم وصاحبي

اطيعوه طرا فهو مني كمنزل / لهارون من موسى الكليم المخاطب

فقولا له: ان كنت من آل هاشم / فما كل نجم في السماء بثاقب

وروى القصيدة وانها في رد عبداللّه بن المعتز صاحب تاريخ طبرستان (ص‏100) بهاء الدين محمد بن حسن، وذكر منهاخمسة عشر بيتا ومنها:

فكم مثل زيد قد ابادت سيوفكم / بلا سبب غير الظنون الكواذب

اما حمل المنصور من ارض يثرب / بدور هدى تجلو ظلام الغياهب

وقطعتم بالبغي يوم محمد / قرائن ارحام له وقرائب

وفي ارض باخمرى ((3-1468)) مصابيح قدثوت / متربة الهامات حمر الترائب

وغادر هاديكم بفخ ((3-1469)) طوائفا / يغاديهم بالقاع بقع النواعب ((3-1470))

وهارونكم اودى بغير جريرة / نجوم تقى مثل النجوم الثواقب

ومامونكم سم الرضا بعد بيعة / تؤد ((3-1471)) ذرى شم الجبال الرواسب

فهذا جواب للذي قال مالكم / غضابا على الاقدار يا آل طالب

الشاعر

ابو القاسم التنوخي علي بن محمد بن ابي الفهم داود بن ابراهيم بن تميم بن جابر بن هاني بن زيد بن عبيد بن مالك بن‏مريط بن سرح بن نزار بن عمرو بن الحارث بن صبح بن عمرو بن الحرث بن عمرو بن الحارث بن عمرو ملك تنوخ‏ ابن فهم بن تيم اللّه وهو تنوخ بن اسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة [ بن ] ملك بن‏حمير بن سبا بن سحت بن يعرب بن قحطان بن غابن بن شالح بن الشحد بن سام بن نوح النبي (ع) ((3-1472)) .

من اغزر عيالم العلم، وملتقى الفضائل، ومجتمع الفنون المتنوعة، مشاركا في علوم كثيرة، مقدما في الكلام، متضلعا في الفقه‏والفرائض، حافظا في الحديث، قدوة في الشعر والادب، بصيرا بعلم النجوم والهيئة، خبيرا بالشروط والمحاضروالسجلا ت، استاذا في المنطق، متبحرا في النحو، واقفا على اللغة، معلما في القوافي، عبقريا في العروض، وكما انه من اعيان‏العلم فهو مفرد في الكرم وحسن الشيم، فذ في الظرف والفكاهة، دمث الخلائق، لين الجانب.

ولادته ونشاته

ولد بانطاكية يوم الاحد لاربع ليال بقين من ذي الحجة سنة (278)، ونشا بها حتى غادرها في حداثته سنة ست وثلاثمائة‏الى بغداد، وتفقه بها على مذهب ابي حنيفة، وسمع الحديث من الحسن بن احمد بن حبيب الكرماني صاحب مسدد، واحمدابن خليل الحلبي صاحب ابي اليمان الحمصي، واحمد بن محمد بن ابي موسى الانطاكي، وانس بن سالم الخولاني، والحسن‏بن احمد بن ابراهيم بن فيل، والفضل ابن محمد العطار الانطاكيين، والحسين بن عبداللّه القطان الرقي، واحمد بن عبداللّه بن‏زياد الجبلي، ومحمد بن حصن بن خالد الالوسي الطرسوسي، والحسن بن الطيب الشجاعي، وعمر بن ابي غيلان الثقفي،وابي بكر محمد بن محمد الباغندي، وحامد بن محمد بن شعيب البلخي، وابي القاسم البغوي، وابي بكر بن ابي داود. وقرافي النجوم على البنائي المنجم، صاحب الزيج.

يروي عنه: ابو حفص بن الاجري البغدادي، وابو القاسم بن الثلا ج البغدادي، وعمر بن احمد بن محمد المقري، وابنه ابوعلي المحسن التنوخي.

واول من قلده القضاء بعسكر مكرم وتستر وجندي سابور، في ايام المقتدر باللّه الخليفة الذي ولي الخلافة من سنة (295)حتى قتل سنة (320) من قبل القاضي ابي جعفر احمد بن اسحاق بن البهلول التنوخي، وكتبه له ابو علي بن مقلة وكان‏ذلك سنة (310) في السنة الثانية والثلاثين من عمره، ثم تقلد القضاء بالاهواز وكورة واسط واعمالها والكوفة وسقي‏الفرات، وعدة نواح من الثغور الشامية، وارجان وكورة سابور مجتمعا ومفترقا، وتولى قضاء ايذج وجند حمص من قبل‏المطيع للّه الذي ولي الخلافة سنة (334)، وكان المطيع للّه قد عول على ابي السائب عن قضاء القضاة وتقليده اياه، فافسدذلك بعض اعدائه، وكان ابن مقلة قلده المظالم بالاهواز، واستخلفه ابو عبداللّه البريدي بواسط على بعض امور النظر. وقال الثعالبي ((3-1473)) : كان يتقلد قضاء البصرة والاهواز بضع سنين، وحين صرف عنه ورد حضرة سيف الدولة زائراومادحا، فاكرم مثواه واحسن قراه، وكتب في معناه الى الحضرة ببغداد حتى اعيد الى عمله، وزيد في رزقه ورتبته، وكان‏المهلبي الوزير وغيره من رؤساء العراق يميلون اليه جدا، ويتعصبون له ويعدونه ريحانة الندماء، وتاريخ الظرفاء،ويعاشرون منه من تطيب عشرته، وتكرم اخلاقه، وتحسن اخباره.

حديث حفظه وذكائه

كان المترجم آية في الحفظ والذكاء، قال ولده القاضي ابو علي المحسن في نشوار المحاضرة ((3-1474)) (ص‏176): حدثني ابي قال:سمعت ابي ينشد يوما وسني اذ ذاك خمس عشرة سنة بعض قصيدة دعبل الطويلة التي يفتخر فيها باليمن ويعدد مناقبهم،ويرد على الكميت مناقبه بنزار اولها:

افيقي من ملامك ياظعينا / كفاني اللوم مر الاربعينا

وهي نحو ستمائة بيت فاشتهيت حفظها لما فيها من مفاخر اليمن واهلي، فقلت: يا سيدي تخرجها الي حتى احفظها، فدافعني‏فالححت عليه فقال: كاني بك تاخذها فتحفظ منها خمسين بيتا او مائة بيت ثم ترمي بالكتاب وتخلقه علي. فقلت: ادفعهاالي. فاخرجها وسلمها الي وقد كان كلامه اثر في، فدخلت حجرة كانت برسمي من داره فخلوت فيها ولم اتشاغل يومي‏وليلتي بشي‏ء غير حفظها. فلما كان في السحر كنت قد فرغت من جميعها واتقنتها، فخرجت اليه غدوة على رسمي فجلست بين يديه. فقال: هي ((3-1475)) ،كم حفظت من القصيدة؟ فقلت: قد حفظتها باسرها. فغضب وقد رآني قد كذبته وقال لي: هاتها. فاخرجت الدفتر من كمي، فاخذه، وفتحه، ونظر فيه وانا انشد، الى ان مضيت في اكثر من مائة بيت. فصفح منها عدة‏اوراق وقال: انشد من ها هنا. فانشدت مقدار مائة بيت الى آخرها، فهاله ما رآه من حسن حفظ‏ي، فضمني اليه وقبل‏راسي وعيني، وقال: باللّه يا بني لا تخبر بها احدا فاني اخاف عليك من العين. وذكر ابن كثير هذه القصة ملخصا في تاريخه ((3-1476)) (11/227).

وقال ابو علي ((3-1477)) ايضا: حفظني ابي وحفظت بعده من شعر ابي تمام والبحتري سوى ما كنت احفظ لغيرهما من المحدثين‏والقدماء مائتي قصيدة، قال: وكان ابي وشيوخنا بالشام يقولون: من حفظ للطائيين ((3-1478)) اربعين قصيدة ولم يقل الشعر فهوحمار في مسلاخ انسان، فقلت الشعر وسني دون العشرين، وبدات بعمل مقصورتي التي اولها:

لولا التناهي لم اطع نهي النهى / اي مدى يطلب من جاز المدى

وقال ابو علي ((3-1479)) : كان ابي يحفظ للطائيين سبعمائة قصيدة ومقطوعة سوى ما يحفظ لغيرهم من المحدثين والمخضرمين ‏والجاهليين، ولقد رايت له دفترا بخطه هو عندي يحتوي على رؤوس ما يحفظه من القصائد مئتين وثلاثين ((3-1480)) ورقة‏اثمان منصوري لطاف، وكان يحفظ من النحو واللغة شيئا عظيما مع ذلك، الى ان قال : وكان مع ذلك يحفظ ويجيب فيمايفوق عشرين الف حديث، وما رايت احدا احفظ منه، ولولا ان حفظه افترق في جميع هذه العلوم لكان امرا هائلا.

تأليفه

ان تضلع المترجم في العلوم الجمة، وشهرته الطائلة في جل الفنون النقلية والعقلية والرياضية، وتجوله في الاقطاروالامصار، تستدعي وجود تليف له قيمة، كما قال ولده ابو علي: ان له في علم العروض والفقه وغيرهما عدة كتب‏مصنفة، وقال الحموي ((3-1481)) : ان له تصانيف في الادب، منها كتاب في العروض، قال الخالع: ما عمل في العروض اجود منه،وكتاب علم القوافي. وذكر السمعاني واليافعي وابن حجر وصاحب الشذرات له ديوان شعر، واختار منه الثعالبي ما ذكرمن شعره، وسمعت فيما يتبع شعره في الغدير. نقل الحموي عن ديوانه بائيته كغيرها، وذكر المسعودي له قصيدته المقصورة التي عارض بها ابن دريد، يمدح فيها تنوخ وقومه من قضاعة اولها:

لولا انتهائي لم اطع نهي النهى / مدى الصبا نطلب من جاز المدى

ان كنت اقصرت فما اقصر قلـ / ـب داميا ترميه الحاظ الدمى

ومقلة ان مقلت اهل الفضا / اغضت وفي اجفانها جمر الغضا

وفيها يقول:

وكم ظباء رعيها الحاظها / اسرع في الانفس من حد الظبا

اسرع من حرف الى جر ومن / حب الى حبة قلب وحشا

قضاعة من ملك بن حمير / ما بعده للمرتقين مرتقى

وقال ابو علي في نشوار المحاضرة ((3-1482)) : ان ما ضاع من شعره اكثر مما حفظ. انتهى. غير ان هذه الكتب قد عصفت عليهاعواصف الضياع، كما ان التصدي لمنصب القضاء عاقه عن الاكثار من التاليف على قدر غزارة علمه.

مذهبه

من العويص جدا البحث والتنقيب عن مذهب من نشا في مثل القرن الثالث والرابع، عصر التحزب للاراء والنزعات،عصر تشتت الاعتقادات، عصر تكثر النحل، وتوفر الدواعي على انتحال الرجل لما يخالف عقده القلبي، وتظاهره بما لايظهره سر جنانه، وقد قضت الايام، ومرت الاعوام على آثارهم ونتائج افكارهم مما كان يمكننا منه استظهار المعتقدات،وحكم الدهر على منشور فلتات السن كانت تعرب عن مكنون الضمائر، وتقرا علينا دروس الحقيقة من جانب مذهب‏ الغابرين.

واضطراب كلمات ارباب المعاجم حول مذهب شاعرنا التنوخي وولده ابي علي منذ عهدهم الى اليوم ينم عن انهم كانوايخفون مختارهم من المذهب، وكانوا يظهرون في كل صقع وناحية نزلوا ما يلائم مذهب اهليها، فقال الخطيب البغدادي في‏تاريخه، والسمعاني في انسابه، وابن كثير في تاريخه، وصاحب شذرات الذهب، والسيد العباسي في المعاهد، وشيخنا ابوالحسن الشريف في ضياء العالمين: ان المترجم تفقه على مذهب ابي حنيفة. ونص اليافعي في مرآة الجنان، والذهبي في‏ميزان الاعتدال، والسيوط‏ي في البغية، وابو الحسنات في الفوائد البهية بانه حنفي المذهب. وقال الخطيب البغدادي في‏تاريخه، والسمعاني في انسابه: انه كان يعرف الكلام في الاصول على مذهب المعتزله. وفي كامل ابن الاثير: كان‏عالماباصول المعتزلة. وفي لسان الميزان: انه يرمى بالاعتزال، وعده سيدنا القاضي في مجالس المؤمنين من قضاة الشيعة،وبذلك نص صاحب مطلع البدور، ونقل صاحب نسمة السحر عن المسوري اليمني: انه كان معتزلي الاصول، متشيعا جدا، حنفي ‏المذهب.

والذي يجمع بين هذه الشتات ان الرجل كان معتزلي الاصول، حنفي الفروع، زيدي المذهب، ويؤكد مذهبه هذا ما ذكره‏معاصره المسعودي في مروج الذهب ((3-1483)) (2/519) من قوله: انه في وقتنا هذا وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة آبالبصرة في جملة الزيديين ((3-1484)) . انتهى. وقصيدته البائية التي ذكرنا شطرا منها ترجح كفة التشيع في ميزانه، كما ان غيرواحدة من قضايا ذكرها ولده ابو علي في كتابه الفرج بعد الشدة نقلا عن المترجم تؤذن بذلك.

وفاته

توفي في عصر يوم الثلاثاء لسبع خلون من شهر ربيع الاول سنة (342) بالبصرة، ودفن من الغد في تربة اشتريت له‏بشارع المربد. قال ولده ابو علي في نشوار المحاضرة ((3-1485)) : وفيما شاهدناه من صحة احكام النجوم كفاية، هذا ابي حول مولدنفسه في السنة التي مات فيها، وقال لنا: هذه سنة قطع على مذهب المنجمين. وكتب بذلك الى بغداد الى ابي الحسن البهلول‏القاضي صهره ينعى نفسه ويوصيه. فلما اعتل ادنى علة وقبل ان تستحكم علته اخرج التحويل ونظر فيه طويلا، وانا حاضر، فبكى ثم اطبقه،واستدعى‏كاتبه، واملى عليه وصيته التي مات عنها، واشهد فيها من يومه. فجاءه ابو القاسم غلام زحل المنجم، فاخذ يطيب نفسه، ويورد عليه شكوكا. فقال له: يا ابا القاسم لست ممن يخفى هذاعليه فانسبك الى غلط، ولا انا ممن يجوز عليه هذا فتستغفلني، وجلس فوافقه على الموضع الذي خافه وانا حاضر. ثم قال له ابي: دعني من هذا، بيننا شك في انه اذا كان يوم الثلاثاء العصر لسبع بقين من الشهر فهو ساعة قطع ((3-1486)) عندهم؟فامسك ابو القاسم غلام زحل لانه كان خادما لابي، وبكى طويلا، وقال: يا غلام الطست، فجاءه به، فغسل التحويل،وقطعه، وودع ابا القاسم توديع مفارق. فلما كان في ذلك اليوم العصر مات كما قال.

اخذنا ترجمته ((3-1487)) من : يتيمة الدهر (2/309)، نشوار المحاضرة، تاريخ الخطيب البغدادي (12/77)، تاريخ ابن خلكان(1/288)، معجم الادباء (14/162)، انساب السمعاني، فوات‏الوفيات(2/68)، كامل‏ابن‏الاثير(8/168)، تاريخ‏ابن‏كثير(11/227)، مرآة الجنان (2/334)، لسان الميزان (4/256)، معاهد التنصيص(1/136)، شذرات الذهب (2/342)،مجالس المؤمنين (ص‏255)، الفوائد البهية في تراجم الحنفية (ص‏137)، مطلع البدور، الحدائق الوردية، نسمة السحر(ج‏2)، روضات الجنات (ص‏447، 477)، تنقيح المقال (2/302).

قد يوجد الاشتباه في غير واحد من هذه المعاجم كمجالس المؤمنين، ونسمة السحر، وتنقيح المقال بين ترجمة المترجم‏وبين ترجمة حفيده ابي القاسم علي بن المحسن للاتحاد في الاسم والكنية والشهرة بالتنوخي، فوقع الخلط بين الترجمتين.يطلع عليه الباحث بمعونة ما ذكرناه.

خلف المترجم على علمه الجم وفضائله الكثيرة ولده ابو علي المحسن بن علي وهو كما قال الثعالبي ((3-1488)) : هلال ذلك القمر،وغصن هاتيك الشجر، والشاهد العدل بمجد ابيه وفضله، والفرع المثيل لاصله، والنائب عنه في حياته، والقائم مقامه بعدوفاته، وفيه يقول ابو عبداللّه بن الحجاج الاتي ذكره:

اذا ذكر القضاة وهم شيوخ / تخيرت الشباب على الشيوخ

ومن لم يرض لم اصفعه الا / بحضرة سيدي القاضي التنوخي

له كتاب الفرج بعد الشدة، ونشوار المحاضرة، والمستجاد من فعلات الاجواد، ديوان شعره وهو اكبر من ديوان ابيه، سمع‏بالبصرة من مشايخها، ونزل بغداد وحدث بها، واول سماعه بالحديث سنة (333)، واول ما تقلد القضاء بالقصر وبابل‏وارباضهما في سنة (349)، ثم ولا ه المطيع للّه بعسكر مكرم وايذج ورامهرمز، وتقلد غيرها اعمالا كثيرة في شتى الجهات. ولد ليلة الاحد لاربع بقين من شهر ربيع الاول سنة (327) بالبصرة، وتوفي ليلة الاثنين لخمس بقين من المحرم سنة(384) ببغداد، وهو في المذهب شبيه ابيه، لكن شواهد التشيع فيه اكثر واوضح من ابيه.

واعقب ابو علي المحسن ابا القاسم عليا، خلف ابيه وجده على علمهما الكثار، وادبهما الغزير، كان يصحب الشريف‏المرتضى علم الهدى ويلازمه، وكان من خاصته، وصحب ابا العلاء المعري واخذ عنه، وكانت بينه وبين الخطيب ابي‏زكريا التبريزي صلة ومؤانسة، وتقلد قضاء المدائن واعمالها، ودرزنجان، والبردان، وقرميسين وغيرها.

يروي عنه الخطيب البغدادي في تاريخه ((3-1489)) ، وترجمه وذكر مشايخه، ويروي عنه ابو الغنائم محمد بن علي بن الميمون‏النرسي المعروف بابي، وهو يروي عن ابي الحسن علي بن عيسى الرماني كما في اجازة العلامة الحلي الكبيرة لبني ‏زهرة ((3-1490)) ، وعن ابي عبداللّه المرزباني المتوفى (384)، وامره في المذهب اوضح من والده وجده، وتشيعه من المتسالم عليه ‏عند ارباب المعاجم، ولد في منتصف شعبان سنة (370)بالبصرة، وتوفي ليلة الاثنين ثاني المحرم سنة (447) ودفن بداره‏ بدرب التل.

حدث الحموي في معجم الادباء عن القاضي ابي عبداللّه ابن الدامغاني قال: دخلت على القاضي ابي القاسم التنوخي الصغير قبل موته بقليل، وقد علت سنه، فاخرج الي ولده من جاريته، فلما رآه بكى، فقلت: تعيش ان شاء اللّه وتربيه‏ ويقر اللّه عينك به. فقال: هيهات واللّه ما يتربى الا يتيما، وانشد:

ارى ولد الفتى كلا عليه / لقد سعد الذي امسى عقيما

فاما ان يخلفه عدوا / واما ان يربيه يتيما

ثم قال: اريد ان تزوجني من امه فانني قد اعتقتها على صداق عشرة دنانير. ففعلت، وكان كما قال تربى يتيما، وهو ابوالحسن محمد بن علي بن المحسن. قبل القاضي ابو عبداللّه شهادته، ثم مات سنة اربع وتسعين واربعمائة وانقرض بيته. بسط‏القول في ترجمته الحموي في معجم الادباء (14/110 124).

LEAVE A COMMENT