(18) ابو القاسم الصنوبري

  الغدير

(18) ابو القاسم الصنوبري

المتوفى (334)

ما في المنازل حاجة نقضيها / الا السلام وادمع نذريها

وتفجع للعين فيها حيث لا / عيش اوازيه بعيشي فيها

ابكي المنازل وهي لو تدري الذي / بحث البكاء لكنت استبكيها

باللّه يا دمع السحائب اسقها / ولئن بخلت فادمعي تسقيها

يا مغريا نفسي بوصف عزيزة / اغريت عاصية على مغريها

لا خير في وصف النساء فاعفني / عما تكلفنيه من وصفيها

يارب قافية حلا امضاؤها / لم يحل ممضاها الى ممضيها

لا تطمعن النفس في اعطائها / شيئا فتطلب فوق ما تعطيها

حب النبي محمد ووصيه / مع حب فاطمة وحب بنيها

اهل الكساء الخمسة الغرر التي / يبني العلا بعلاهم بانيها

كم نعمة اوليت يا مولاهم / في حبهم فالحمد للموليها

ان السفاه بشغل مدحي عنهم / فيحق لي ان لا اكون سفيها

هم صفوة الكرم الذي اصفاهم / ودي واصفيت الذي يصفيها

ارجو شفاعتهم فتلك شفاعة / يلتذ برد رجائها راجيها

صلوا على بنت النبي محمد / بعد الصلاة على النبي ابيها

وابكوا دماء لو تشاهد سفكها / في كربلاء لما ونت تبكيها

تلك الدماء لو انها توقى اذن / كانت دماء العالمين تقيها

لو ان منها قطرة تفدى اذن / كنا بنا وبغيرنا نفديها

ان الذين بغوا اراقتها بغوا / مشؤومة العقبى على باغيها

قتل ابن من اوصى اليه خير من / اوصى الوصايا قط او يوصيها

رفع النبي يمينه بيمينه / ليرى ارتفاع يمينه رائيها

في موضع اضحى عليه منبها / فيه وفيه يبدئ التنبيها

آخاه في خم ونوه باسمه / لم يال في خير به تنويها

هو قال افضلكم علي انه / امضى قضيته التي يمضيها

هو لي كهارون لموسى حبذا / تشبيه هارون به تشبيها

يوماه يوم للعدى يرويهم / جورا ويوم للقنا يرويها

يسع الانام مثوبة وعقوبة / كلتاهما تمضي لما يمضيها

الى آخر القصيدة (42) بيتا

وله من قصيدة ذكرها صاحب الدر النظيم في الائمة اللهاميم ((3-1421)) :

هل اضاخ كما عهدنا اضاخا ((3-1422)) / حبذا ذلك المناخ مناخا

يقول فيها:

ذكر يوم الحسين بالطف اودى / بصماخي فلم يدع لي صماخا

متبعات نساؤه النوح نوحا / رافعات اثر الصراخ صراخا

منعوه ماء الفرات وظلوا / يتعاطونه زلالا نقاخا ((3-1423))

بابي عترة النبي وامي / سد عنهم معاند اصماخا

خير ذا الخلق صبية وشبابا / وكهولا وخيرهم اشياخا

اخذوا صدر مفخر العز مذ كا / نوا وخلوا للعالمين المخاخا

النقيون حيث كانوا جيوبا / حيث لا تامن الجيوب اتساخا

يالفون الطوى اذا الف النا / س اشتواء من فيئهم واطباخا

خلقوا اسخياء لا متساخيـ / ـن وليس السخي من يتساخى

اهل فضل تناسخوا الفضل شيبا / وشبابا اكرم بذاك انتساخا

بهواهم يزهو ويشمخ من قد / كان في الناس زاهيا شماخا

يا ابن بنت النبي اكرم به ابنا / وباسناخ جده اسناخا

وابن من وازر النبي ووالا / ه وصافاه في الغدير وواخى

وابن من كان للكريهة ركا / با وفي وجه هولها رساخا

للطلى ((3-1424)) تحت قسطل الحرب ضرا / با وللهام في الوغى شداخا

ذو الدماء التي يطيل مواليـ  / ـيه اختضابا بطيبها والتطاخا

ما عليكم اناخ كلكله الدهـ / ـر ولكن على الانام اناخا

الشاعر

ابو القاسم وابو بكر وابو الفضل ((3-1425)) احمد بن محمد ((3-1426)) بن الحسن بن مرار الجزري الرقي ((3-1427)) الضبي ((3-1428)) الحلبي، الشهير بالصنوبري.

شاعر شيعي مجيد، جمع شعره بين طرفي الرقة والقوة، ونال من المتانة وجودة الاسلوب حظه الاوفر، ومن البراعة‏والظرف نصيبه الاوفى، وتواتر في المعاجم وصفه بالاحسان تارة ((3-1429)) وبه وبالاجادة اخرى ((3-1430)) وان شعره في الذروة العلياثالثة ((3-1431)) وكان يسمى حبيبا الاصغر لجودة شعره ((3-1432)) . وقال الثعالبي: تشبيهات ابن المعتز، واوصاف كشاجم، وروضيات‏الصنوبري، متى اجتمعت اجتمع الظرف والطرف، وسمع السامع من الاحسان العجب.

وله في وصف الرياض والانوار تقدم باهر، وذكر ابن عساكر: ان اكثر شعره فيه. وقال ابن النديم في فهرسته ((3-1433)) :ان‏الصولي عمل شعر الصنوبري على الحروف في مائتي ورقة. انتهى. فيكون المدو ن على ما التزم به ابن النديم من تحديدكل صفحة من الورقة بعشرين بيتا ثمانية آلاف بيت، وسمع الحسن بن محمد الغساني من شعره مجلدا ((3-1434)) .

وله في وصف حلب ومنتزهاتها قصيدة تنتهي الى مائة واربعة ابيات، توجد في معجم البلدان للحموي ((3-1435)) (3/317 آ321)، وقال البستاني في دائرة المعارف(7/137): هي اجود ما وصف به حلب، مستهلها:

احبسا العيس احبساها / وسلا الدار سلاها

واما نسبته الى الصنوبر فقد ذكر ابن عساكر ((3-1436)) عن عبداللّه الحلبي الصفري انه قال: سالت الصنوبري عن السبب الذي‏من اجله نسب جده الى الصنوبر حتى صار معروفا به، فقال لي: كان جدي صاحب بيت حكمة من بيوت حكم المامون،فجرت له بين يديه مناظرة فاستحسن كلامه وحدة مزاجه، وقال له: انك لصنوبري الشكل. يريد بذلك الذكاء وحدة‏المزاج. انتهى. وذكر له النويري في نهاية الارب (11/98) في نسبته هذه قوله:

واذا عزينا الى الصنوبر لم / نعز الى خامل من الخشب

لا بل الى باسق الفروع علا / مناسبا في ارومة الحسب

مثل خيام الحرير تحملها / اعمدة تحتها من الذهب

كان ما في ذراه من ثمر / طير وقوع على ذرى القضب

باق على الصيف والشتاء اذا / شابت رؤوس النبات لم يشب

محصن الحب في جواشن ((3-1437)) قد / امن ((3-1438)) في لبسها من الحرب

حب حكى الحب صين في قرب ((3-1439)) الـ /  ـاصداف حتى بدا من القرب

ذو نثة ((3-1440)) ما ينال من عنب / ما نيل من طيبها ولا رطب

يا شجرا حبه حداني ان / افدي بامي محبة وابي

فالحمد للّه ان ذا لقب / يزيد في حسنه على النسب

واما تشيعه فهو الذي يطفح به شعره الرائق كما وقفت على شطر منه، وستقف فيما يلي على شطر آخر، ونص بذلك‏اليماني‏في نسمة‏السحر ((3-1441)) ، وعد ابن شهرآشوب ((3-1442)) له من مادحي اهل البيت: يؤذن بذلك. واما دعوى صاحب النسمة انه كان‏زيديا واستظهاره ذلك من شعره فاحسب انها فتوى مجردة، فانه لم يدعمها بدليل، وشعره الذي ذكره هو وغيره خال من‏اي ظهور ادعاه، واليك نبذا مما وقفنا عليه في المذهب. قال في قصيدة يمدح بها عليا امير المؤمنين (ع):

واخى حبيبي حبيب اللّه لا كذب / وابناه للمصطفى المستخلص ابنان

صلى الى القبلتين المقتدى بهما / والناس عن ذاك في صم وعميان

ما مثل زوجته اخرى يقاس بها / ولا يقاس على سبطيه سبطان

فمضمر الحب في نور يخص به / ومضمر البغض مخصوص بنيران

هذا غدا مالك في النار يملكه / وذاك رضوان يلقاه برضوان

ردت له الشمس في افلاكها فقضى / صلاته غيرما ساه ولا وان

اليس من حل منه في اخوته / محل هارون من موسى بن عمران

وشافع الملك الراجي شفاعته / اذ جاءه ملك في خلق ثعبان

قال النبي له اشقى البرية يا / علي اذ ذكر الاشقى شقيان

هذا عصى صالحا في عقر ناقته / وذاك فيك سيلقاني بعصيان

ليخضبن هذه من ذا ابا حسن / في حين يخضبها من احمر قان

ويرثي فيها امير المؤمنين وولده السبط الشهيد بقوله:

نعم الشهيدان رب العرش يشهد لي / والخلق انهما نعم الشهيدان

من ذا يعزي النبي المصطفى بهما / من ذا يعزيه من قاص ومن دان

من ذا لفاطمة اللهفاء ينبئها / عن بعلها وابنها انباء لهفان

من قابض النفس في المحراب منتصبا / وقابض النفس في الهيجاء عطشان

نجمان في الارض بل بدران قد افلا / نعم وشمسان اما قلت شمسان

سيفان يغمد سيف الحرب ان برزا / وفي يمينيهما للحرب سيفان

وله يرثي الامام السبط الشهيد (ع) ((3-1443)) :

يا خير من لبس النبـ / ـوة من جميع الانبياء

وجدي على سبطيك وجـ / د ليس يؤذن بانقضاء

هذا قتيل الاشقيا / ء وذا قتيل الادعياء

يوم الحسين هرقت دمـ / ـع الارض بل دمع السماء

يوم الحسين تركت با / ب العز مهجور الفناء

يا كربلاء خلقت من / كرب علي ومن بلاء

كم فيك من وجه تشر / ب ماؤه ماء البهاء

نفسي فداء المصطلي نار / الوغى اي اصطلاء

حيث الاسنة في الجوا / شن كالكواكب في السماء

فاختار درع الصبر حيـ / ـث الصبر من لبس السناء

وابى اباء الاسد ان /الاسد صادقة الاباء

وقضى كريما اذ قضى / ظمآن في نفر ظماء

منعوه طعم الماء لا / وجدوا لماء طعم ماء

من ذا لمعفور الجوا / د ممال اعواد الخباء

من للطريح الشلو عر / يانا مخلى بالعراء

من للمحنط بالترا / ب وللمغسل بالدماء

من لابن فاطمة المغيـ / ـب عن عيون الاولياء

ويؤكد ما ذكرنا للمترجم من المذهب شدة الصلة بينه وبين كشاجم المسلم تشيعه، وتؤكد المواخاة بينهما كما ستقف عليه‏في ترجمة كشاجم، ويعرب عن الولاء الخالص بينهما قول كشاجم في الثناء عليه:

لي من ابي بكر اخي ثقة / لم استرب باخائه قط

ما حال في قرب ولا بعد / سيان فيه الثوب والشط

جسمان والروحان واحدة / كالنقطتين حواهما خط

فاذا افتقرت فلي به جدة ((3-1444)) / واذا اغتربت فلي به رهط

ذاكره او حاوله مختبرا / تر منه بحرا ما له شط

في نعمة منه جلبت بها / لا الشيب يبلغها ولا القرط

وبدلة بيضاء ضافية / مثل الملاءة حاكها القبط

متذلل سهل خلائقه / وعلى عدو صديقه سلط

ونتاج مغناه متممة / ونتاج مغنى غيره سقط

وجنان آداب مثمرة / ما شانها اثل ولا خمط

وتواضع يزداد فيه علا / والحر يعلو حين ينحط

واذا امرؤ شيبت خلائقه / غدرا فما في وده خلط

وقصيدته الاخرى وقد كتبها اليه:

الا ابلغ ابا بكر / مقالا من اخ بر

يناديك باخلاص / وان ناداك عن عقر

اظن الدهر اعداك / فاخلدت الى الغدر

فما ترغب في وصل / ولا تعرض من هجر

ولا تخطرني منك / على بال من الذكر

اتنسى زمنا كنا / به كالماء في الخمر

اليفين حليفين / على الايسار والعسر

مكبين على اللذا / ت في الصحو وفي السكر

نرى في فلك الادا / ب كالشمس وكالبدر

كما الفت الحكمـ / ـة بين العود والزمر

فالهتك بساتينك / ذات النور والزهر

وما شيدت للخلو / ة من دار ومن قصر

كان المترجم يسكن حلب دمشق، وبها انشد شعره، ورواه عنه ابو الحسن محمد بن احمد بن جميع الغساني، كما في انساب‏السمعاني ((3-1445)) ، وتوفي في سنة (334) كما ارخه صاحب شذرات الذهب ((3-1446)) ، وغيره.

وعده ابن كثير في تاريخه ((3-1447)) (11/119) ممن توفي في حدودالثلاثمائة، وهذا بعيد عن‏الصحة‏جدا من‏وجوه، منها:انه‏اجتمع ((3-1448)) مع ابي‏الطيب‏المتنبي بعد ما نظم القريض، وقد ولد بالكوفة سنة(303)،ومنها: مدحه سيف‏الدولة‏الحمداني وقدولد سنة(303).

اعقب المترجم ولده ابا علي الحسين، حكى ابن جني ((3-1449)) ، قال: حدثني ابو علي الحسين بن احمد الصنوبري، قال: خرجت‏من حلب اريد سيف الدولة، فلما برزت من السور اذا انا بفارس متلثم قد اهوى نحوي برمح طويل، وسدده الى صدري،فكدت اطرح نفسي من الدابة فرقا، فلما قرب مني ثنى السنان وحسر لثامه، فاذا المتنبي الشاعر المعروف وانشدني:

نثرنا رؤوسا بالاحيدب منهم / كما نثرت فوق العروس الدراهم

ثم قال: كيف ترى هذا القول؟ احسن هو؟ فقلت له: ويحك! قد قتلتني يا رجل. قال ابن جني: فحكيت انا هذه الحكاية‏بمدينة السلام لابي الطيب، فعرفها وضحك لها.

وتوفيت للصنوبري بنت في حياته، رثاها زميله كشاجم وعزاه بقوله:

اتاسى يا ابا بكر / لموت الحرة البكر

وقد زوجتها قبرا / وما كالقبر من صهر

وعوضت بها الاجر / وما للاجر من مهر

زفاف اهديت فيه / من الخدر الى القبر

فتاة اسبل اللّه / عليها اسبغ الستر

ورده اشبه النعمـ / ـة في الموقع والقدر

وقد يختار في المكرو / ه للعبد وما يدري

فقابل نعمة اللّه الـ / تي اولاك بالشكر

وعز النفس مما فا / ت بالتسليم والصبر

وكتب المترجم على كل جانب من جوانب قبة قبرها الستة بيتين، توجد الابيات في تاريخ ابن عساكر ((3-1450)) (1/456،457).

حكاية

حدث المترجم له ابو بكر احمد بن محمد الصنوبري، قال: كان بالرها ((3-1451)) وراق يقال له سعد، وكان في دكانه مجلس‏كل‏اديب، وكان حسن الادب والفهم يعمل شعرا رقيقا، وما كن ا نفارق دكانه انا وابو بكر المعوج الشامي الشاعر وغيرنامن شعراء الشام وديار مصر، وكان لتاجر بالرها نصراني من كبار تجارها ابن اسمه عيسى من احسن الناس وجها،واحلاهم قدا، واظرفهم طبعا ومنطقا، وكان يجلس الينا ويكتب عنا اشعارنا، وجميعنا يحبه ويميل اليه، وهو حينئذ صبي ‏في ‏الكتاب، فعشقه سعد الوراق عشقا مبرحا واخذ يعمل فيه الاشعار، فمن ذلك وقد جلس عنده في دكانه قوله:

اجعل فؤادي دواة والمداد دمي / وهاك فابر عظامي موضع القلم

وصير اللوح وجهي وامحه بيد / فان ذلك برء لي من السقم

ترى المعلم لا يدري بمن كلفي / وانت اشهر في الصبيان من علم

ثم شاع بعشق الغلام في الرها خبره، فلما كبر وشارف الائتلاف، احب الرهبنة وخاطب اباه وامه في ذلك، والح عليهماحتى اجاباه وخرجا به الى دير زكي بنواحي الرقة ((3-1452)) وهو في نهاية حسنه، فابتاعا له قلا ية ((3-1453)) ودفعا الى راس الديرجملة من المال عنها، فاقام الغلام فيها وضاقت على سعد الوراق الدنيا بما رحبت، واغلق دكانه، وهجر اخوانه، ولزم الديرمع الغلام، وسعد في خلال ذلك يعمل فيه الاشعار، فمما عمل فيه وهو في الدير والغلام قد عمل شماسا ((3-1454)) :

يا حمة ((3-1455)) علت غصنا من البان / كان اطرافها اطراف ريحان

قد قايسوا الشمس بالشماس فاعترفوا / بانما الشمس والشماس سيان

فقل لعيسى بعيسى كم هراق دما / انسان عينك من عين لانسان

ثم ان الرهبان انكروا على الغلام كثرة المام سعد به، ونهوه عنه وحرموه ان ادخله، وتوعدوه باخراجه من الدير ان لم‏يفعل، فاجابهم الى ما سالوه من ذلك. فلما راى سعد امتناعه منه شق عليه، وخضع للرهبان ورفق بهم، ولم يجيبوه وقالوا: في هذا علينا اثم وعار ونخاف‏السلطان، فكان اذا وافى الدير اغلقوا الباب في وجهه، ولم يدعوا الغلام يكلمه. فاشتد وجده وازداد عشقه، حتى صار الى الجنون، فخرق ثيابه، وانصرف الى داره فضرب جميع ما فيها بالنار، ولزم‏صحراء الدير، وهو عريان يهيم، ويعمل الاشعار ويبكي.

قال ابو بكر الصنوبري: ثم عبرت يوما انا والمعوج من بستان بتنا فيه فرايناه جالسا في ظل الدير، وهو عريان وقد طال‏شعره، وتغيرت خلقته، فسلمنا عليه، وعذلناه وعتبناه، فقال: دعاني من هذا الوسواس، اتريان ذلك الطائر على هيكل؟واوما بيده الى طائر هناك. فقلنا: نعم. فقال: انا وحقكما يا اخوي اناشده منذ الغداة ان يسقط فاحمله رسالة الى عيسى. ثم‏التفت الي وقال: يا صنوبري معك الواحك؟ قلت: نعم. قال: اكتب:

بدينك يا حمامة دير زكي / وبالانجيل عندك والصليب

قفي وتحملي عني سلاما / الى قمر على غصن رطيب

حماه جماعة الرهبان عني / فقلبي ما يقر من الوجيب

عليه مسوحه ((3-1456)) واضاء فيها / وكان البدر في حلل المغيب

وقالوا رابنا المام سعد / ولا واللّه ما انا بالمريب

وقولي سعدك المسكين يشكو / لهيب جوى احر من اللهيب

فصله بنظرة لك من بعيد / اذا ما كنت تمنع من قريب

وان انا مت فاكتب حول قبري / محب مات من هجر الحبيب

رقيب واحد تنغيص عيش / فكيف بمن له الفا رقيب

ثم تركنا وقام يعدو الى باب الدير وهو مغلق دونه، وانصرفنا عنه وما زال كذلك زمانا، ثم وجد في بعض الايام ميتاالى‏جانب الدير، وكان امير البلد يومئذ العباس بن كيغلغ، فلما اتصل ذلك به وباهل الرها خرجوا الى الدير، وقالوا ما قتله‏غير الرهبان. وقال لهم ابن كيغلغ: لابد من ضرب رقبة الغلام واحراقه بالنار، ولابد من تعزير جميع الرهبان بالسياط،وتعصب في ذلك، فافتدى النصارى نفوسهم وديرهم بمائة الف درهم ((3-1457)) .

LEAVE A COMMENT