معاوية وعمرو

  الغدير
معاوية وعمرو

استاذن عمرو بن العاص على معاوية بن ابي سفيان، فلما دخل عليه استضحك معاوية، فقال عمرو: ما اضحكك يا اميرالمؤمنين؟ ادام اللّه سرورك. قال: ذكرت ابن ابي طالب وقد غشيك بسيفه فاتقيته ووليت. فقال: اتشمت بي يا معاوية؟واعجب من هذا يوم دعاك الى البراز، فالتمع لونك، واطت ((2-719)) اضالعك، وانتفخ منخرك، واللّه لو بارزته‏لاوجع‏ق ذالك ((2-720))، وايتم عيالك، وبزك سلطانك، وانشا عمرو يقول:

معاوي لا تشمت بفارس بهمة / لقي فارسا لا تعتريه الفوارس

معاوي ان ابصرت في الخيل مقبلا / ابا حسن يهوي دهتك الوساوس

وايقنت ان الموت حق وانه / لنفسك ان لم تمض في الركض حابس

فانك لو لاقيته كنت بومة ((2-721)) / اتيح لها صقر من ‏الجو رايس ((2-722))

وماذا بقاء القوم بعد اختباطه؟ / وان امرا يلقى عليا لايس

دعاك فصمت دونه الاذن هاربا / فنفسك قد ضاقت عليها الامالس ((2-723))

وايقنت ان الموت اقرب موعد / وان الذي ناداك فيها الدهارس ((2-724))

وتشمت بي ان نالني حد رمحه / وعضضني ناب من ‏الحرب ناهس ((2-725))

ابى اللّه الا انه ليث غابة / ابو اشبل تهدى اليه الفرائس

واي امرى لاقاه لم يلف شلوه / بمعترك تسفي عليه الروامس ((2-726))

فان كنت في شك فارهج عجاجه / والا فتلك الترهات البسابس ((2-727))

فقال معاوية: مهلا يا ابا عبد اللّه؟ ولا كل هذا. قال: انت استدعيته.

وفي لفظ ابن قتيبة في عيون الاخبار (1/169): راى عمرو بن العاص معاوية يوما يضحك، فقال له: مم تضحك يا اميرالمؤمنين؟ اضحك اللّه سنك. قال: اضحك من حضور ذهنك عند ابدائك سواتك يوم ابن ابي طالب، اما واللّه لقد وافقته‏منانا كريما، ولو شاء ان يقتلك لقتلك. قال عمرو: يا امير المؤمنين، اما واللّه اني لعن يمينك، حين دعاك الى البراز فاحولت عيناك، وربا سحرك ((2-728))، وبدا منك‏ما اكره ذكره لك، فمن نفسك فاضحك او دع.

وفي لفظ البيهقي في المحاسن والمساوئ ((2-729))(1/38): دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ناس، فلما رآه‏مقبلااستضحك، فقال: يا امير المؤمنين اضحك اللّه سنك وادام سرورك واقر عينك، ما كل ما ارى يوجب الضحك. فقال معاوية: خطر ببالي يوم صفين يوم بارزت اهل العراق، فحمل عليك علي بن ابي طالب(رض) فلما غشيك طرحت‏نفسك عن دابتك وابديت عورتك، كيف حضرك ذهنك في تلك الحال؟ اما واللّه لقد وافقت هاشميا منافيا، ولو شاء ان‏يقتلك لقتلك. فقال عمرو: يا معاوية ان كان اضحكك شاني فمن نفسك فاضحك، اما واللّه لو بدا له من صفحتك مثل الذي بدا له من‏صفحتي لاوجع قذالك، وايتم عيالك، وانهب مالك، وعزل سلطانك، غير انك تحرزت منه بالرجال في ايديها العوالي، امااني قد رايتك يوم دعاك الى البراز فاحولت عيناك، وازبد شدقاك، وتنشر منخراك، وعرق جبينك، وبدا من اسفلك مااكره ذكره!. فقال معاوية: حسبك حيث بلغت لم نرد كل هذا.

وفي لفظ الواقدي: قال معاوية يوما لعمرو بن العاص: يا ابا عبداللّه لا اراك الا ويغلبني الضحك. قال: بماذا؟ قال: اذكر يوم‏حمل عليك ابو تراب في صفين، فاذريت نفسك فرقا من شبا سنانه، وكشفت سواتك له. فقال عمرو: انا منك اشد ضحكا،اني لاذكر يوم دعاك الى البراز فانتفخ سحرك، وربا لسانك في فمك، وعصب ريقك، وارتعدت فرائصك، وبدا منك ما اكره‏ذكره لك. فقال معاوية: لم يكن هذا كله، وكيف يكون؟ ودوني عك والاشعريون. قال: انك لتعلم ان الذي وصفت دون مااصابك، وقد نزل ذلك بك ودونك عك والاشعريون، فكيف كانت حالك لو جمعكما ماقط الحرب؟ قال: يا ابا عبداللّهخض بنا الهزل الى الجد، ان الجبن والفرار من علي لاعار على احد فيهما. شرح ابن ابي الحديد ((2-730))(2/111).

قال نصر في كتابه ((2-731))(ص‏229): وكان معاوية لم يزل يشمت عمرا، ويذكر يومه المعهود ويضحك، وعمرو يعتذر بشدة‏موقفه بين يدي امير المؤمنين، فشمت به معاوية يوما وقال: لقد انصفتكم اذ لقيت سعيد بن قيس وفررتم، وانك لجبان،فغضب عمرو ثم قال: واللّه لو كان عليا ما قحمت عليه، يا معاوية فهلا برزت الى علي اذ دعاك ان كنت شجاعا كماتزعم؟ وقال عمرو في ذلك:

تسير الى ابن ذي يزن سعيد / وتترك في العجاجة من دعاكا

فهل لك في ابي حسن علي ؟ لعل اللّه يمكن من قفاكا

دعاك الى النزال فلم تجبه / ولو نازلته تربت يداكا

وكنت اصم اذ ناداك عنه / وكان سكوته عنه مناكا

فب الكبش قد طحنت رحاه / بنجدته ولم تطحن رحاكا

فما انصفت صحبك يا ابن هند / اتفرقه وتغضب من كفاكا

فلا واللّه ما اضمرت خيرا / ولا اظهرت لي الا هواكا

اشار عمرو بن العاص في هذه الابيات الى مارواه نصر في كتاب صفين ((2-732)) (ص‏140) وغيره من المؤرخين: من‏ان‏عليا(ع) قام يوم صفين بين الصف ين، ثم نادى: ((يا معاوية)). يكررها فقال معاوية: اسالوه ما شانه؟ قال: ((احب ان‏يظهر لي فاكلمه كلمة واحدة)) فبرز معاوية ومعه عمرو بن العاص، فلما قارباه لم يلتفت الى عمرو، وقال لمعاوية: ((ويحك‏علام يقتتل الناس بيني وبينك، ويضرب بعضهم بعضا؟ ابرز الي، فاينا قتل صاحبه فالامر له)). فالتفت معاوية الى عمرو،فقال: ما ترى يا ابا عبداللّه فيما هاهنا، ابارزه؟! فقال عمرو: لقد انصفك الرجل! واعلم انه ان نكلت عنه لم تزل سبة عليك‏وعلى عقبك ما بقي عربي. فقال معاوية: يا عمرو ليس مثلي يخدع عن نفسه، واللّه مابارز ابن ابي طالب رجلا قط الا سقى‏الارض من دمه. ثم انصرف معاوية راجعا حتى انتهى الى آخر الصفوف، وعمرو معه.

خرج علي(ع) ذات يوم في صفين منقطعا من خيله ومعه الاشتر، يتسايران رويدا يطلبان التل ليقفا عليه، وعلي يقول:

اني علي فسلوا لتخبروا / ثم ابرزوا الى الوغى او ادبروا

سيفي حسام وسناني ازهر / منا النبي الطيب المطهر

وحمزة الخير ومنا جعفر / له جناح في الجنان اخضر

ذا اسد اللّه وفيه مفخر / هذا بهذا وابن هند محجر

مذبذب مطرد مؤخر

اذ برز له بسر بن ارطاة مقنعا في الحديد لا يعرف، فناداه: ابرز الي ابا حسن! فانحدر اليه على تؤدة ((2-733)) غير مكترث‏به،حتى اذا قاربه طعنه وهو دارع، فالقاه على الارض، ومنع الدرع السنان ان يصل اليه، فاتقاه بسر بعورته، وقصد ان‏يكشفها يستدفع باسه، فانصرف عنه(ع) مستدبرا له، فعرفه الاشتر حين سقط، فقال: يا امير المؤمنين هذا بسر بن ارطاة،هذا عدو اللّه وعدوك. فقال: ((دعه عليه لعنة اللّه، ابعد ان فعلها؟)) فحمل ابن عم لبسر شاب على علي وهو يقول:

ارديت بسرا والغلام ثائره / ارديت شيخا غاب عنه ناصره

وكلنا حام لبسر واتره

فحمل عليه الاشتر وهو يقول:

اكل يوم رجل شيخ شاغره / وعورة تحت العجاج ظاهره

تبرزها طعنة كف واتره / عمرو وبسر رميا بالفاقره

فطعنه الاشتر فكسر صلبه، وقام بسر من طعنة علي، وولت خيله، وناداه علي: يا بسر معاوية كان احق بهذا منك. فرجع‏بسر الى معاوية، فقال له معاوية: ارفع طرفك قد ادال ((2-734)) اللّه عمرا منك. فقال في ذلك الحارث بن نضرالسهمي ((2-735)):

افي كل يوم فارس تندبونه / له عورة تحت العجاجة باديه

يكف بها عنه علي سنانه / ويضحك منها في الخلاء معاويه

بدت امس من عمرو فقنع راسه / وعورة بسر مثلها حذو حاذيه

فقولا لعمرو وابن ارطاة ابصرا / سبيلكما لا تلقيا الليث ثانيه

ولا تحمدا الا الحيا وخصاكما / هما كانتا للنفس واللّه واقيه

فلولاهما لم تنجوا من سنانه / وتلك بما فيها عن العود ناهيه

متى تلقيا الخيل المشيجة صيحة ((2-736)) / وفيها علي فاتركاالخيل ناحيه

وكونا بعيدا حيث لا تبلغ القنا / ونار الوغى ان التجارب كافيه

وان كان منه بعد في النفس حاجة / فعودوا الى ما شئتما هي ماهيه

كتاب صفين ((2-737))(ص‏246)، الاستيعاب ((2-738))(1/67)، شرح ابن ابي الحديد ((2-739))(2/300)، مطالب السؤول(ص‏43)، تاريخ ابن كثير ((2-740))(4/20)، نور الابصار ((2-741))(ص‏95).

ينبئنا التاريخ ان عمرا ليس باول رجل كشف عن سواته من باس امير المؤمنين، وانما قلد طلحة بن ابي طلحة، فانه لماحمل عليه امير المؤمنين يوم احد وراى انه مقتول لا محالة، استقبله بعورته وكشف عنها. راجع تاريخ ابن كثير(4/20)وذكره الحلبي في سيرته ((2-742)) (2/247) ثم قال: وقع لسيدنا علي كرم اللّه وجهه مثل ذلك في يوم صفين مرتين: الاولى:حمل على بسر بن ارطاة، والثانية: حمل على عمرو بن العاص، فلما راى انه مقتول كشف عن عورته، فانصرف عنه علي آكرم اللّه وجهه.