حديث جوده

  الغدير
حديث جوده

لا يسعنا بسط المقال في اخبار قيس من هذه الناحية لكثرتها، غير انا نورد لك شيئا من ذلك الكثير الطيب، وحسبك من‏القلادة ما احاط بالعنق ((2-418))، وكانت هذه الخلة من هذا البيت على عنق الدهر اي قديما وكان رسول اللّه(ص) يقول: ((الجود من شيمة اهل ذلك البيت)) ((2-419)).

باع قيس مالا من معاوية بتسعين الفا، فامر مناديا فنادى في المدينة: من اراد القرض فليات منزل سعد، فاقرض اربعين‏او خمسين واجاز الباقي، وكتب على من اقر له صكا، فمرض مرضا قل عواده، فقال لزوجته قريبة بنت ابي قحافة اخت‏ابي بكر : يا قريبة لم ترين قل عوادي؟ قالت: للذي لك عليهم من الدين. فارسل الى كل رجل بصكه المكتوب عليه،فوهبه ماله عليهم ((2-420)).

قال جابر: خرجنا في بعث كان عليهم قيس بن سعد، ونحر لهم تسع ركائب، فلما قدموا على رسول اللّه (ص) ذكروا له من‏امر قيس، فقال: ((ان الجود من شيمة اهل ذلك البيت)). ولما ارتحل من العراق نحو المدينة ومضى باصحابه، جعل ينحر لهم كل يوم جزورا حتى بلغ ((2-421)).

روى عبداللّه بن المبارك عن جويرية قال: كتب معاوية الى مروان: ان اشتر دار كثير بن الصلت منه فابى عليه، فكتب‏معاوية الى مروان: ان خذه بالمال الذي عليه، فان جاء به والا بع عليه داره. فارسل اليه مروان فاخبره. قال: اني اوجلك‏ثلاثا، فان جئت بالمال والا بعت عليك دارك. قال: فجمعها الا ثلاثين الفا. فقال: من لي بها؟ ثم ذكر قيس بن سعد، فاتاه فطلبها منه فاقرضه، فجاء بها الى مروان، فلمارآه قد جاء بها ردها اليه ورد عليه داره، فرد كثير الثلاثين الفا على قيس، فابى ان يقبلها ((2-422)).

روى المبرد في كامله ((2-423)) (1/309): ان عجوزا شكت الى قيس ان ليس في بيتها جرذ. فقال: ما احسن ما سالت! اماواللّه لاكثرن جرذان بيتك. فملا بيتها طعاما وودكا واداما، وقال ابن عبدالبر ((2-424)): هذه القصة مشهورة صحيحة.

في كامل المبرد (1/309): انه توفي ابوه عن حمل لم يعلم به، فلما ولد وقد كان سعد(رض) قسم ماله في حين خروجه من‏المدينة بين اولاده، فكلم ابو بكر وعمر في ذلك قيسا، وسالاه ان ينقض ما صنع سعد من تلك القسمة. فقال: نصيبي‏للمولود ولا اغير ما صنع ابي ولا انقضه. وذكره ابن عبدالبر في الاستيعاب ((2-425)) (2/525) وقال: صحيح من رواية‏الثقات.

ومن مشهور اخبار قيس: انه كان له مال كثير ديونا على الناس، فمرض واستبطا عواده، فقيل له: انهم يستحيون من اجل‏دينك. فقال: اخزى اللّه مالا يمنع الاخوان من العيادة. فامر مناديا ينادي: من كان لقيس عليه مال فهو في حل، فاتاه الناس‏حتى هدموا درجة كانوا يصعدون عليها اليه، وفي لفظ: فما امسى حتى كسرت عتبة بابه من كثرة العواد ((2-426)).

كان قيس في سرية فيها ابو بكر وعمر، فكان يستدين ويطعم الناس، فقال ابو بكر وعمر: ان تركنا هذا الفتى اهلك مال‏ابيه، فمشيا في الناس، فلما سمع سعد قام خلف النبي، فقال: من يعذرني من ابن ابي قحافة وابن الخطاب يبخلان علي ابني.اسد الغابة ((2-427)) (4/215).

وفي لفظ: كان قيس مع ابي بكر وعمر في سفر في حياة رسول اللّه (ص)، فكان ينفق عليهما وعلى غيرهما ويفضل، فقال له‏ابو بكر: ان هذا لا يقوم به مال ابيك فامسك يدك، فلما قدموا من سفرهم قال سعد بن عبادة لابي بكر: اردت ان تبخل‏ابني، انا لقوم لا نستطيع البخل ((2-428)).

حكى ‏ابن كثير في‏ تاريخه ((2-429)) (8/99): انه كانت‏لقيس صحفة يدار بها حيث‏دار، وكان ينادي له‏مناد: هلموا الى‏اللحم‏والثريد. وكان‏ابوه وجده من قبله يفعلان ‏كفعله.

قال الهيثم بن عدي: اختلف ثلاثة عند الكعبة في اكرم اهل زمانهم، فقال احدهم: عبداللّه بن جعفر. وقال الاخر: قيس‏بن سعد. وقال الاخر: عرابة الاوسي. فتماروا في ذلك حتى ارتفع ضجيجهم عند الكعبة، فقال لهم رجل: فليذهب كل‏رجل‏منكم الى صاحبه الذي يزعم انه اكرم من غيره، فلينظر ما يعطيه وليحكم على العيان. فذهب صاحب عبداللّه بن جعفر اليه، فوجده قد وضع رجله في الغرز ((2-430)) ليذهب الى ضيعة له، فقال له: يا ابن‏عم‏رسول اللّه ابن سبيل ومنقطع به. قال: فاخرج رجله من الغرز، وقال: ضع رجلك واستو عليها، فهي لك بما عليها،وخذ ما في الحقيبة ((2-431)) ولا تخدعن في السيف فانه من سيوف علي. فرجع الى اصحابه بناقة عظيمة، واذا في الحقيبة‏اربعة آلاف دينار ومطارف من خز وغير ذلك، واجل ذلك سيف علي بن ابي طالب. ومضى صاحب قيس اليه فوجده نائما، فقالت له الجارية: ما حاجتك اليه؟ قال: ابن سبيل ومنقطع به. قالت: فحاجتك‏ايسر من ايقاظه، هذا كيس فيه سبعمائة دينار، ما في دار قيس مال غيره اليوم، واذهب الى مولانا في معاطن الابل فخذلك ناقة وعبدا، واذهب راشدا. فلما استيقظ قيس من نومه اخبرته الجارية بما صنعت، فاعتقها شكرا على صنيعها ذلك،وقال: هلا ايقظتني حتى اعطيه ما يكفيه ابدا، فلعل الذي اعطيته لا يقع منه موقع حاجته. وذهب صاحب عرابة الاوسي اليه، فوجده وقد خرج من منزله يريد الصلاة وهو يتوكا على عبدين له وكان قدكف‏بصره فقال له: يا عرابة، فقال: قل. فقال: ابن سبيل ومنقطع به. قال: فخلى عن العبدين ثم صفق بيديه، باليمنى على‏اليسرى، ثم قال: اوه اوه، واللّه ما اصبحت ولا امسيت وقد تركت الحقوق من مال عرابة شيئا، ولكن خذ هذين العبدين.قال: ما كنت لافعل. فقال: ان لم تاخذهما فهما حران، فان شئت فاعتق، وان شئت فخذ. واقبل يلتمس الحائط بيده، قال:فاخذهما وجاء بهما الى صاحبيه. قال فحكم الناس على ان ابن جعفر قد جاد بمال عظيم، وان ذلك ليس بمستنكر له، الا ان السيف اجله. وان قيسا احدالاجواد، حكمت مملوكته في ماله بغير علمه، واستحسن فعلها، وعتقها شكرا لها على ما فعلت. واجمعوا على ان اسخى‏الثلاثة عرابة الاوسي، لانه جاد بجميع ما يملكه، وذلك جهد من مقل. البداية والنهاية ((2-432)) (8/100).