امير المؤمنين وعمرو في معترك القتال بصفين

  الغدير
امير المؤمنين وعمرو في معترك القتال بصفين

كان عمرو بن العاص عدوا للحرث بن النضر الخثعمي، وكان من اصحاب علي(ع)، وكان علي قد تهيبته فرسان الشام،وملا قلوبهم بشجاعته، وامتنع كل منهم من الاقدام عليه، وكان عمرو ما جلس مجلسا الا ذكر فيه الحرث بن النضرالخثعمي وعابه، فقال الحرث:

ليس عمرو بتارك ذكره الحرب / مدى الدهر او يلاقي عليا

واضع السيف فوق منكبه الايـ / ـمن لا يحسب الفوارس شيا

ليت عمرا يلقاه في حومة النقع / وقد امست السيوف عصيا

حيث يدعو البراز حامية القوم / اذا كان بالبراز مليا

فوق شهب مثل السحوق ((2-697)) من / النخل ينادي المبارزين اليا

ثم يا عمرو تستريح من الفخر / وتلقى به فتى هاشميا

فالقه ان اردت مكرمة الدهر / او الموت كل ذاك عليا

فشاعت هذه الابيات حتى بلغت عمرا، فاقسم باللّه ليلقين عليا ولومات الف موتة، فلما اختلطت الصفوف لقيه فحمل‏عليه برمحه، فتقدم علي وهو مخترط سيفا، معتقل رمحا، فلما رهقه همز فرسه ليعلو عليه، فالقى عمرو نفسه عن فرسه الى‏الارض شاغرا برجليه، كاشفا عورته، فانصرف عنه علي لافتا وجهه مستدبرا له، فعد الناس ذلك من مكارم‏علي‏وسؤدده، وضرب بها المثل.

كتاب صفين لابن مزاحم ((2-698))(ص‏224)، شرح ابن ابي الحديد ((2-699))(2/110). وقال ابن قتيبة في الامامة والسياسة ((2-700))(1/91): ذكروا ان عمرا قال لمعاوية: اتجبن عن علي وتتهمني في نصيحتي‏اليك؟ واللّه لابارزن عليا ولومت الف موتة في اول لقائه، فبارزه عمرو فطعنه علي فصرعه، فاتقاه بعورته، فانصرف عنه‏علي وولى بوجهه دونه، وكان علي(رض) لم ينظر قط الى عورة احد حياء وتكرما وتنزها عما لا يحل ولا يجل بمثله كرم‏ اللّه وجهه.

وقال المسعودي في مروج الذهب ((2-701))(2/25): ان معاوية اقسم على عمرو لما اشار عليه بالبراز الا ان يبرز الى علي،فلم يجد عمرو من ذلك بدا فبرز، فلما التقيا عرفه علي، وشال السيف ليضربه به، فكشف عمرو عن عورته وقال:مكره‏اخوك لابطل. فحول علي وجهه وقال: ((قبحت)) ورجع عمرو الى مصافه.

اجتمع عند معاوية في بعض ليالي صفين عمرو بن العاص، وعتبة بن ابي سفيان، والوليد بن عقبة، ومروان بن الحكم،وعبد اللّه بن عامر، وابن طلحة الطلحات الخزاعي، فقال عتبة: ان امرنا وامر علي بن ابي طالب لعجيب، ما فينا الا موتورمجتاح ، اما انا فقتل جدي عتبة بن ربيعة، واخي حنظلة، وشرك في دم عمي شيبة يوم بدر، و اما انت يا وليد فقتل اباك‏صبرا، واما انت يا ابن عامر فصرع اباك وسلب عمك، واما انت يا ابن طلحة فقتل اباك يوم الجمل، وايتم اخوتك، واماانت يا مروان فكما قال الشاعر ((2-702)).

وافلتهن علباء جريضا / ولو ادركته صفر الوطاب ((2-703))

فقال معاوية: هذا الاقرار، فاي غير غيرت ((2-704))؟ قال مروان: واي غير تريد؟ قال: اريد ان تشجروه بالرماح. قال:واللّه يا معاوية ما اراك الا هاذيا او هازئا، وما ارانا الا ثقلنا عليك. فقال ابن عقبة:

يقول لنا معاوية بن حرب / اما فيكم لواتركم طلوب

يشد على ابي حسن علي / باسمر لاتهجنه العكوب ((2-705))

فيهتك مجمع اللبات منه / ونقع القوم مطرد يثوب

فقلت له اتلعب يا ابن هند / كانك بيننا رجل غريب

اتغرينا بحية بطن واد / اذا نهشت فليس لها طبيب

وما ضبع يدب ببطن واد / اتيح ((2-706)) له به اسد مهيب

باضعف حيلة منا اذا / ما لقيناه ولقياه عجيب

دعا للقاه في الهيجاء لاق / فاخطا نفسه الاجل القريب

سوى عمرو وقته خصيتاه / نجا ولقلبه منه وجيب

كان القوم لما عاينوه / خلال النقع ليس لهم قلوب

لعمر ابي معاوية بن حرب / وما ظني ستلحقه العيوب

لقد ناداه في الهيجا علي / فاسمعه ولكن لا يجيب

فغضب عمرو، وقال: ان كان الوليد صادقا فليلق عليا، او فليقف حيث يسمع صوته، وقال عمرو:

يذكرني الوليد دعا علي / وبطن المرء يملؤه الوعيد

متى تذكر مشاهده قريش / يطر من خوفه القلب الشديد

فاما في اللقاء فاين منه / معاوية بن حرب والوليد

وعيرني الوليد لقاء ليث / اذا مازار ((2-707)) هابته الاسود

لقيت ولست اجهله عليا / وقد بلت من العلق اللبود ((2-708))

فاطعنه ويطعنني خلاسا ((2-709)) / وماذا بعد طعنته اريد

فرمها انت يا ابن ابي معيط / وانت الفارس البطل‏ النجيد ((2-710))

واقسم لو سمعت ندا علي / لطار القلب وانتفخ الوريد

ولو لاقيته شقت جيوب / عليك ولطمت فيك‏ الخدود ((2-711))

وفي رواية سبط ابن الجوزي ((2-712)):

ثم التفت الوليد الى عمرو بن العاص وقال: ان لم تصدقوني فسلوا. اراد تبكيت‏عمرو. قال هشام بن محمد: ومعنى هذا الكلام: ان عليا خرج يوما من ايام صفين، فراى عمرو بن العاص في جانب العسكر ولم‏يعرفه، فطعنه فوقع، فبدت عورته، فاستقبل عليا فاعرض عنه، ثم عرفه فقال: ((يا ابن النابغة انت طليق دبرك ايام‏عمرك)) وكان قد تكرر منه هذا الفعل.