المترجم له

  الغدير

المترجم له

فهو دعبل ((2-1528)) يكنى ابا علي عند الجميع، وعن ابن ايوب ((2-1529)): ابو جعفر. وفي الاغاني عن ابن ايوب: ان اسمه‏محمد، وفي تاريخ الخطيب (8/383): زعم احمد بن القاسم ان اسمه الحسن، وقال ابن اخيه اسماعيل: اسمه عبدالرحمن. وقال‏غيرهما: محمد، وعن اسماعيل: انما لقبته دايته بدعبل لدعابة كانت فيه، فارادت ذعبلا فقلبت الذال دالا.

يقال: اصله كوفي كما في كثير من المعاجم، وقيل: من قرقيسيا. وكان اكثر مقامه ببغداد، وخرج منها هاربا من المعتصم لماهجاه وعاد اليها بعد ذلك، وجول في الافاق، فدخل البصرة ودمشق ومصر على عهد المطلب بن عبداللّه بن مالك‏المصري وولا ه اسوان، فلما بلغ هجاوه اياه عزله، فانفذ اليه كتاب العزل مع مولى له، وقال: انتظره حتى يصعد المنبر يوم‏الجمعة، فاذا علاه فاوصل الكتاب اليه، وامنعه من الخطبة، وانزله عن المنبر واصعد مكانه. فلما ان علا المنبر وتنحنح‏ليخطب ناوله الكتاب، فقال له دعبل: دعني اخطب فاذا نزلت قراته. قال: لا، قد امرني ان امنعك الخطبة حتى تقراه، فقراه‏وانزله عن المنبر معزولا وخرج منها الى المغرب الى بني الاغلب. الاغاني ((2-1530)) (18/48)

سافر الى الحجاز مع اخيه رزين، والى الري وخراسان مع اخيه علي، وقال ابو الفرج ((2-1531)): كان دعبل يخرج فيغيب‏سنين يدور الدنيا كلها، ويرجع وقد افاد واثرى، وكانت الشراة والصعاليك يلقونه ولا يؤذونه، ويواكلونه ويشاربونه‏ويبرونه، وكان اذا لقيهم وضع طعامه وشرابه ودعاهم اليه، ودعا بغلاميه: ثقيف وشعف، وكانا مغنيين فاقعدهما يغنيان،وسقاهم وشرب معهم، وانشدهم، فكانوا قد عرفوه والفوه لكثرة اسفاره وكانوا يواصلونه ويصلونه، وانشد دعبل لنفسه ‏في بعض اسفاره:

حللت محلا يقصر البرق دونه / ويعجز عنه الطيف ان يتجشما

وقال ابن المعتز في طبقاته ((2-1532)) (ص‏125): وكان يجتاز بقم، فيقيم عند شيعتها فيقسطون له في كل سنة خمسة آلاف‏درهم.

يقع البحث في ترجمته من نواح اربع:

1 تهالكه في ولاء اهل بيت العصمة صلوات اللّه عليهم.

2 نبوغه في الشعر والادب والتاريخ، وتليفه.

3 روايته للحديث والرواة عنه، ومن يروي هو عنه.

4 سيره مع الخلفاء، ثم ملحه ونوادره ثم ولادته ووفاته.

اما الاولى:

فجلية الحال فيها غنية عن البرهنة عليها، فما ظنك برجل كان يسمع منه وهو يقول: انا احمل خشبتي على كتفي منذخمسين سنة لست اجد احدا يصلبني عليها. وقيل للوزير محمد بن عبدالملك الزيات: لم لا تجيب دعبلا عن قصيدته التي‏هجاك فيها؟ قال: ان دعبلا جعل خشبته على عنقه يدور بها، يطلب من يصلبه بها منذ ثلاثين سنة وهو لايبالي ((2-1533)).

كل ذلك من جراء ما كان ينافح ويناطح ويناضل وينازل في الذب عن البيت النبوي الطاهر، والتجاهر بموالاتهم،والوقيعة في مناوئيهم، لا يقر به قرار، فلا يقله مامن ولا يظله سقف منتجع ((2-1534))، وما زالت تتقاذف به اجواز الفلافرقا من خلفاء الوقت، واعداء العترة الطاهرة، ومع ذلك كله فقصائده السائرة تلهج بها الركبان، وتزدان بها الاندية، وهي‏مسرات للموالين، ومحفظات للاعداء، ومثيرات للعهن ((2-1535)) والضغائن حتى قتل على ذلك شهيدا.

وما ينقم من المترجم له من التوغل في الهجاء في غير واحد من المعاجم، فان نوع ذلك الهجو والسباب المقذغ فيمن‏حسبهم اعداء للعترة الطاهرة وغاصبي مناصبهم، فكان يتقرب به الى اللّه وهو من المقربات اليه سبحانه زلفى، وان الولاية‏لا تكون خالصة الا بالبراءة ممن يضادها ويعاندها كما تبرا اللّه ورسوله من المشركين، وما جعل اللّه لرجل من قلبين في‏جوفه، غير ان اكثر ارباب المعاجم من الفئة المتحيزة الى اعداء هذا البيت الطاهر، حسبوا ذلك منه ذنبا لا يغفر كما هوعادتهم في جل رجالات الشيعة.