اكثاره في آل اللّه

  الغدير

اكثاره في آل اللّه

كان السيد بعيد المنزعة، ولعا باعادة السهم الى النزعة، وقد اشف وفاق كثيرين من الشعراء بالجد والاجتهاد في الدعاية‏الى مبدئه القويم، والاكثار في مدح العترة الطاهرة، وساد الشعراء ببذل النفس والنفيس في تقوية روح الايمان في المجتمع‏واحياء ميت القلوب ببث فضائل آل اللّه، ونشر مثالب مناوئيهم ومساوئ اعدائهم قائلا:

ايارب اني لم ارد بالذي به / مدحت عليا غير وجهك فارحم

وصدق بشعره رؤياه التي رواها عنه ابو الفرج والمرزباني في اخباره، انه قال: رايت النبي(ص) في النوم وكانه في حديقة‏سبخة فيها نخل طوال، والى جانبها ارض كانها الكافور ليس فيها شي‏ء، فقال: اتدري لمن هذا النخل؟ قلت: لا يا رسول‏اللّه. قال: لامري‏ء القيس بن حجر، فاقلعها واغرسها في هذه الارض، ففعلت. واتيت ابن سيرين فقصصت رؤياي عليه.فقال: اتقول الشعر؟ قلت: لا. قال: اما انك ستقول شعرا مثل شعر امري‏ء القيس، الا انك تقوله في قوم بررة اطهار.

وكان كما قال ابو الفرج: لا يخلو شعره من مدح بني هاشم او ذم غيرهم ممن هو عنده ضد لهم. وروى عن الموصلي عن‏عمه قال: جمعت للسيد في بني هاشم الفين وثلاثمائة قصيدة، فخلت ان قد استوعبت شعره، حتى جلس الي يوما رجل‏ذواطمار رثة، فسمعني انشد شيئا من شعره، فانشدني به ثلاث قصائد لم تكن عندي. فقلت في نفسي: لو كان هذا يعلم ماعندي كله ثم انشدني بعده ما ليس عندي لكان عجبا، فكيف وهو لا يعلم وانما انشد ما حضره! وعرفت حينئذ ان شعره‏ليس مما يدرك، ولا يمكن جمعه كله. الاغاني ((2-987))(7/236، 237).

قال ابو الفرج: كان السيد ياتي الاعمش سليمان بن مهران الكوفي: المتوفى (148)، فيكتب عنه فضائل علي امير المؤمنين آسلام اللّه عليه ويخرج من عنده ويقول في تلك المعاني شعرا. فخرج ذات يوم من عند بعض امراء الكوفة وقد حمله على‏فرس وخلع عليه، فوقف بالكناسة ثم قال: يا معشر الكوفيين من جاءني منكم بفضيلة لعلي بن ابي طالب لم اقل فيهاشعرا اعطيته فرسي هذا وما علي. فجعلوا يحدثونه وينشدهم، حتى اتاه رجل منهم، وقال: ان امير المؤمنين علي بن ابي‏طالب سلام اللّه عليه عزم على الركوب فلبس ثيابه واراد لبس الخف فلبس احد خفيه، ثم اهوى الى الاخر لياخذه،فانقض عقاب من السماء، فحلق به، ثم القاه فسقط منه اسود وانساب فدخل جحرا، فلبس علي(ع) الخف. قال: ولم يكن ‏قال في ذلك شيئا، ففكر هنيهة ثم قال:

الا يا قوم للعجب العجاب / لخف ابي الحسين وللحباب

عدو من عداة الجن وغد / بعيد في المرادة من صواب

اتى خفا له وانساب فيه / لينهش رجله منه بناب

لينهش خير من ركب المطايا / امير المؤمنين ابا تراب

فخر من السماء له عقاب / من العقبان او شبه العقاب

فطار به فحلق ثم اهوى / به للارض من دون السحاب

فصك بخفه وانساب منه / وولى هاربا حذر الحصاب

الى جحر له فانساب فيه / بعيد القعر لم يرتج بباب

كريه الوجه اسود ذو بصيص / حديد الناب ازرق ذو لعاب

يهل له الجري اذا رآه / حثيث الشد محذور الوثاب

تاخر حينه ولقد رماه / فاخطاه باحجار صلاب

ودوفع عن ابي حسن علي / ‏نقيع سمامه بعدانسياب ((2-989))

قال المرزباني: ثم حرك فرسه وثناها، واعط‏ى ما كان معه من المال والفرس للذي روى له الخبر، وقال: اني لم اكن قلت في‏هذا شيئا. وذكر المرزباني من تشبيبها احد عشر بيتا لم يرو ابو الفرج منه الا مستهلها:

صبوت الى سليمى والرباب / وما لاخي المشيب وللتصابي

قال ابو الفرج: اما العقاب الذي انقض على خف علي بن ابي طالب(رض) فحدثني بخبره احمد بن محمد بن سعيد الهمداني،قال: حدثني جعفر بن علي بن نجيح قال: حدثنا ابو عبد الرحمن المسعودي عن ابي داود الطهوي، عن ابي الزغل‏المرادي قال: قام علي بن ابي طالب(رض) فتطهر للصلاة، ثم نزع خفه فانساب فيه افعى، فلما عاد ليلبسه انقضت عقاب فاخذته،فحلقت به ثم القته فخرج الافعى منه. وقد روي مثل هذا لرسول اللّه(ص).

وقال ابن المعتز في طبقاته ((2-990)) (ص‏7): كان السيد احذق الناس بسوق الاحاديث والاخبار والمناقب في الشعر، لم‏يترك لعلي بن ابي طالب فضيلة معروفة الا نقلها الى الشعر. وكان يمله الحضور في محتشد لا يذكر فيه آل محمد صلوات‏اللّه عليهم ولم يانس بحفلة تخلو عن ذكرهم. وروى ابو الفرج عن الحسن بن علي بن حرب بن ابي الاسود الدؤلي قال: كنا جلوسا عند ابي عمرو بن العلاء فتذاكرناالسيد، فجاء فجلس، وخضنا في ذكر الزرع والنخل ساعة فنهض. فقلنا: يا ابا هاشم مم القيام؟ فقال:

اني لاكره ان اطيل بمجلس / لا ذكر فيه لفضل آل محمد

لا ذكر فيه لاحمد ووصيه‏ / وبنيه ذلك مجلس نطف ردي ((2-991))

ان الذي ينساهم في مجلس / حتى يفارقه لغير مسدد

وكان اذا استنشد شيئا من شعره لم يبدا بشي‏ء الا بقوله:

اجد بآل فاطمة البكور / فدمع العين منهمر غزير

الاغاني ((2-992))(7/246 266)