ابن الرومي وشعراء عصره

  الغدير

ابن الرومي وشعراء عصره

عاصر ابن الرومي في بيئته كثير من الشعراء، اشهرهم في عالم الشعر: الحسين ابن الضحاك، ودعبل الخزاعي، والبحتري،وعلي بن الجهم، وابن المعتز، وابوعثمان الناجم.

وليس لهؤلاء ولا لغيرهم ممن عاصروه وعرفوه او لم يعرفوه اثر يذكر في تكوينه غير اثنين فيما نظن، هما الحسين بن‏الضحاك ودعبل الخزاعي.

قال الاميني: وكان بين ابن الرومي والشاعر المفلق ابن الحاجب محمد بن احمد صلة ومودة، وجرت بينهما نوادر، منها:ان‏ابن الحاجب ساله ابن الرومي زيارته في يوم معلوم، فصاروا اليه فلم يجدوه، فقال ابن الرومي فيه شعرا اوله:

نجاك يا ابن الحاجب الحاجب / وليس ينجو مني الهارب

واجابه ابن الحاجب بابيات توجد في معجم المرزباني ((3-159)) (ص‏453).

قال ((3-160)) : فكان ابن الرومي معجبا بالحسين بن الضحاك، يروي شعره، ويستملح اخباره، ويذكرها لاصحابه، وكان ابن‏الرومي يافعا يحضر مجالس الادب ويتلقى دروسه، والحسين في اوج شهرته يتناشد اشعاره ادباء الكوفة وبغداد ومدن‏العراق. ثم ذكر بعض مارواه ابن الرومي من شعر ابن الضحاك نقلا عن الاغاني فقال:

وقد مات الحسين بن الضحاك وابن الرومي في التاسعة والعشرين، ولم نر في تاريخه ولا في تاريخ الحسين ما يشيرالى‏تلاقيهما في بغداد حيث عاش ابن الرومي معظم حياته، او في غير بغداد حيث كان يرحل ابن الضحاك.

اما دعبل فابن الرومي عارضه في موضعين: احدهما القصيدة الطائية التي نظمها دعبل حين اتهم خالدا بسرقة ديكه‏واطعامه لضيوفه، وقال في مطلعها:

اسر المؤذن خالد وضيوفه / اسر الكمي هفا خلال الماقط ((3-161))

والاخر في قصيدة لدعبل مطلعها:

اتيت ابن عمرو فصادفته / مريض الخلائق ملتاثها

وكان دعبل عدا ذلك متشيعا لال علي غاليا في تشيعه ((3-162)) ، فجذب ذلك كله نفس ابن الرومي الفتى نحوه، وحبب اليه‏محاكاته ومجاراته، وربما كانت الرغبة في مجاراته احدى دواعيه الى الهجاء، ومات دعبل وابن الرومي في الخامسة‏والعشرين، ولا نعلم انهما تعارفا او كان بينهما لقاء.

واما البحتري وابو عثمان الناجم فالثابت ان ابن الرومي كان على معرفة وصحبة معهما، عرف البحتري في بيت الناجم،وكان هذا صديقا له بقي على صداقته الى يوم موته.

قال الاميني: لابن الرومي قصيدة في البحتري وادبه وشعره، توجد منها ابيات في ثمار القلوب للثعالبي ((3-163)) (ص‏200و342).

واما علي بن الجهم المتوفى(249) فقد كان بينه وبين ابن الرومي برزخ واسع من اختلاف المذهب في الدين والشعر، فابن‏الرومي متشيع، وابن الجهم ناصب يذم عليا وآله، ولا يلتقي الشيعي والناصب كما يقول ابن الرومي . وكان ابن الجهم‏ شديد النقمة على المعتزلة وعلى اهل العدل والتوحيد منهم خاصة، يهجوهم ويدس لهم، ويقول في زعيمهم احمد بن ابي ‏دؤاد:

ما هذه البدع التي سميتها / بالجهل منك العدل والتوحيدا ((3-164))

وابن الرومي كما مر بك من هذه الجماعة، فمذهبه في الدين ينفره من ابن الجهم ولايرغبه في مجاراته ولو تشابها فيما عداذلك من المزاج والنزعة. لقد يهون هذا الفارق ويسهل على ابن الرومي الاغضاء عنه، وهو ناشئ يتلمس القدوة، ويخطوفي سبيل الشهرة، ولكنك تقرا شعر ابن الجهم في فخره ومزاحه فيخيل اليك انك تقرا كلام جندي يتنفج او يعربد لخلوه‏من كل عاطفة غير عواطف الجند الذين يقضون اوقاتهم بين الفخر والضجيج واللهو والسكر، وليس بين هذه الطبيعة‏وطبيعة ابن الرومي مسرب للقدوة او للمقاربة في الميل والاحساس.

واما ابن المعتز فقد ولد في سنة سبع واربعين ومائتين، فلما ايفع وبلغ السن التي يقول فيها الشعر كان ابن الرومي قد جاوزالاربعين او ضرب في حدود الخمسين، ولما بلغ واشتهر له كلام يروى في مجالس الادباء كان ابن الرومي قد اوفى على‏الستين وفرغ من التعلم والاقتباس، ولو انعكس الامر وكان ابن المعتز هو السابق في الميلاد لما اخذ منه ابن الرومي شيئا،او لكان افسد سليقته بالاخذ عنه، لان ابن المعتز انما امتاز بين شعراء بغداد في عصره بمزاياه الثلاث، وهي البديع‏والتوشيح والتشبيه بالتحف والنفائس. وابن الرومي لم يرزق نصيبا معدودا من هذه المزايا، ولم يكن قط من اصحاب‏البديع واصحاب التوشيح او اصحاب التشبيهات التي تدور على الزخرف، وتستفيد نفاستها من نفاسة المشبهات.

LEAVE A COMMENT