رسائل ابن الرومي

  الغدير

رسائل ابن الرومي

وقد وردت في ابياته الهمزية اشارة الى حذقه في الكتابة، ومشاركته في البلاغة المنثورة، تعززها اشارة مثلها في هذاالبيت:

الم تجدوني آل وهب لمدحكم / بشعري ونثري اخطلا ثم جاحظا

فلابد انه كان يكتب ويمارس الصناعة النثرية، الا ان ما استجمعناه من منثوراته لا يعدو نبذا معدودة موجزة، منها:

1 رسالة الى القاسم بن عبيداللّه يقول فيها متنصلا: ترفع عن ظلمي ان كنت بريئا، وتفضل بالعفو ان كنت مسيئا، فواللّه اني لاطلب عفو ذنب لم اجنه، والتمس الاقالة مما لااعرفه، لتزداد تطولا، وازداد تذللا، وانا اعيذ حالي عندك بكرمك من واش يكيدها، واحرسها بوفائك من باغ يحاول‏افسادها، واسال اللّه تعالى ان يجعل حظ‏ي منك بقدر ودي لك، ومحلي من رجائك بحيث استحق منك. والسلام.

2 رسالة كتبها يعود صديقا: اذن اللّه في شفائك، وتلقى داءك بدوائك، ومسح بيدالعافية عليك، ووجه وفد السلامة اليك، وجعل علتك ماحية لذنوبك،مضاعفة لثوابك.

3 كتب الى صديق له قدم من سيراف ((3-151)) ، فاهدى الى جماعة من اخوانه ونسيه: اطال اللّه بقاءك، وادام عزك وسعادتك، وجعلني فداءك، لولا اني في حيرة من امري، وشغل من فكري لما افترقنا، وشوقي‏ علم اللّه فغالب، وظمئي فشديد، والى اللّه الرغبة في ان يجعل القدرة على اللقاء حسب المحبة، انه قادر جواد.

ومكاننا من جميل رايك ايدك اللّه يبعثنا على تقاضي حقوقنا قبلك، وكريم سجاياك واخلاقك يشجعنا على امضاءالعزم في ذلك، وما تطولت به من الايناس يؤنسنا بك، ويبسطنا اليك، وآثار يديك تدلنا عليك، وتشهد لنا بسماحتك، واللّهيطيل بقاءك، ويديم لنا فيك وبك السعادة.

وبلغني ادام اللّه عزك ان سحابة من سحائب تفضلك امطرت منذ ايام مطرا عم اخوانك، بهدايا مشتملة على حسن‏وطيب، فانكرت على عدلك وفضلك خروجي منها مع دخولي في جملة من يعتدك، ويعتقدك، وينحوك، ويعتمدك، وسبق‏الى قلبي من الم سوء الظن برايك اضعاف ماسبق اليه من الالم بفوت الحظ من لطفك، فرايت مداواة قلبي من ظنه، وقلبك‏من سهوه، واستبقاء الود بيننا بالعتاب الذي يقول فيه القائل: ويبقى الود ما بقي العتاب، وفيما عاتبت كفاية عند من له اذنك‏الواعية، وعينك الراعية.

4 وقال في تفضيل النرجس على الورد: النرجس يشبه الاعين والمضاحك، والورد يشبه الخدود، والاعين والمضاحك اشرف من الخدود، وشبيه الاشرف اشرف‏من شبيه الادنى، والورد صفة لانه لون، والنرجس يضارعه في هذا الاسم، لان النرجس هو الريحان الوارد، اعني انه‏ابدافي الماء، والورد خجل والنرجس مبتسم، وانظر ادناهما شبها بالعيون فهو افضل.

هذه نماذج من منثوراته لا نعرف غيرها فيما بين ايدينا، وخليق بمن يكتب بهذا الاسلوب ان يعد في بلغاء الكتاب، وان لم‏يعد في ابلغهم، على ان ابن الرومي لم يكن يحسب نفسه الا مع الشعراء اذا اختلفت الطوائف، فانه يقول عن نفسه وهويمدح ابا الحسين كاتب ابن ابي الاصبع:

ونحن معاشر الشعراء ننمى / الى نسب من الكتاب دان

وان كانوا احق بكل فضل / وابلغ باللسان وبالبيان

ابونا عند نسبتنا ابوهم / عطارد السماوي المكان

اما حظه من علوم العربية والدين، فمن المفضول ان نتعرض لاحصاء الشواهد عليه في كلامه، لانه ابين من ان يحتاج‏الى‏تبيين. وندر في قصائده المطولة او الموجزة قصيدة تقراها ولا تخرج منها وانت موقن باستبحار ناظمها في اللغة،واحاطته الواسعة بغريب مفرداتها، واوزان اشتقاقها، وتصريفها، وموقع امثالها، واسماء مشاهيرها، ومايصحب ذلك من‏احكام في الدين، ومقتبسات من ادب القرآن، فليس في شعر العربية من تبدو هذه الشواهد في كلامه بهذه الغزارة والدقة‏غير شاعرين اثنين: احدهما صاحبنا والثاني المعري، وقد كان يمدح الرؤساء والادباء امثال: عبيداللّه بن عبداللّه، وعلي بن‏يحيى ، واسماعيل بن بلبل، فيفسر غريب كلماته في القرطاس الذي يثبت فيه قصائده، كانه كان يشفق ان تفوتهم دقائق‏لفظه واسرار لغته، ثم يعود الى الاعتذار من ذلك اذا انس منهم الجفوة والتغير:

لم افسر غريبها لك لكن / لامرى يجهل الغريب سواكا

لغيرك لا لك التفسير انى / يفسر لابن بجدتها الغريب

وكانوا لشهرته باللغة، وعلم اسرارها، ولطيف نكاتها، يختلقون له الكلمات النافرة، يسالونه عنها ليعبثوا به او يعجزوه،وقصة الجرامض احدى هذه المعابثات التي تدل على غيرها من قبيلها، فقد ساله بعضهم في مجلس القاسم بن عبيداللّه: ماالجرامض؟ فارتجل مجيبا:

وسالت عن خبر الجرا / مض طالبا علم الجرامض

وهو الخزاكل والغوا / مض قد تفسر بالغوامض

وهو السلجكل شئت ذ / لك ام ابيت بفرض فارض

وكلها كلمات من مادة الجرامض لا معنى لها ولا وجود. واذا صح استقراؤنا، وكان من اساتذته امثال ثعلب وقتيبة فضلا عن الاستاذية الثابتة لابن حبيب فلا جرم يصير ذلك‏علمه بالغريب والانساب والاخبار، هؤلاء كلهم من نخبة النخبة في هذه المطالب، ولا سيما اذا اعانهم تلميذ ذو فطنة‏متوقدة الفهم وذاكرة سريعة الحفظ كهذا التلميذ، فقد مر بك انه كان يحفظ الابيات الخمسة من قراءة واحدة، فهب في‏الرواية بعض المبالغة التي تتعرض لها امثال هذه الروايات، فهو بعد سريع الحفظ، وهذا مما يعينه على تحصيل اللغة‏وتعليق المفردات.

عاش ابن الرومي حياته كلها في بغداد، لا يفارقها قليلا حتى يعود سريعا، وقد نازعه اليها الشوق وغلبه نحوها حنين،وكانت بغداد يومئذ عاصمة الدنيا غير مدافع، و كان صاحب ضيعة ومالك دارين وثراء وتحف موروثة، منها قدح زعم‏انه كان للرشيد، ووصفه في شعره لما اهداه الى علي ابن المنجم يحيى:

قدح كان للرشيد اصطفاه / خلف من ذكوره غير خلف

كفم الحب في الحلاوة بل احلـ / ـى وان كان لايناغي بحرف

صيغ من جوهر مصفى طباعا / لاعلاجا بكيمياء مصف

تنفذ العين فيه حتى تراها / اخطاته من رقة المستشف

كهواه بلا هباء مشوب / بضياء ارقق بذاك واصف

ثم استوعب الكلام في البحث عن مزاجه، واخلاقه، ومعيشته، وما كانت تملكه يده، وذكرى مطايباته ومفاكهاته، وهجائه‏وفشله وطيرته من (ص‏102) الى(ص‏203) فشرع في بيان عقيدته وهناك مواقع للنظر وقال:

LEAVE A COMMENT